المفهوم السياسي لثقافة القطيع
بقلم : نبيل رومايا
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ثقافة القطيع في المجال السياسي بشكل عام، تشير إلى حالة انقياد جماعي غير عقلاني للجمهور تجاه توجه سياسي معين أو زعيم أو قرار، بدون تحليل نقدي أو مساءلة فردية. إنها ظاهرة يتحول فيها الأفراد إلى تابعين لا يسألون، بل يرددون ما يقوله “الجميع”، إما خوفًا من العزلة، أو سعيًا وراء الانتماء إلى الجماعة، أو بفعل التضليل الممنهج.

وفي العراق، كدولة ذات إرث حضاري عريق وواقع سياسي مضطرب، شهد خلال القرن العشرين والواحد والعشرين موجات متعاقبة من الحكم الملكي، الجمهوري، البعثي، والاحتلال، وصولًا إلى النظام البرلماني الحالي.

في كل هذه المراحل، سادت ثقافة الطاعة للجماعة أو الزعيم، وغابت في كثير من الأحيان الممارسة النقدية الحرة بسبب القمع، الطائفية، العشائرية، أو الإعلام الموجّه.

سمات ثقافة القطيع السياسية في العراق

تقديس الزعيم الفرد (منصب أو طائفة)

خلال الحقبة البعثية، خصوصًا في زمن صدام حسين، تجلّت ثقافة القطيع بوضوح؛ إذ أصبحت الطاعة والولاء المطلق للزعيم تُعدّ مقياسًا للولاء الوطني، وكانت الجماهير تُجبر على الهتاف، التصفيق، والمشاركة في المسيرات الجماعية.

الانقسام الطائفي بعد 2003

في مرحلة ما بعد الاحتلال، تحولت ثقافة القطيع من الطاعة للزعيم إلى الانقياد للطائفة أو المرجعية أو الحزب. وأصبح الانتماء الطائفي/المذهبي/القومي متقدماً على المصلحة الوطنية، وتكرست ثقافة “إما معنا أو ضدنا.

الانجرار خلف الخطابات الشعبوية

صعود بعض الزعامات الدينية أو الشعبوية بعد 2010، تمّ عبر تعبئة جماهيرية تستند إلى العاطفة الدينية أو الحنين إلى الماضي، لا على برامج سياسية واضحة. الجماهير تُقاد عبر مشاعر الظلم والحرمان، وغالبًا من دون رؤية طويلة المدى.

دور الإعلام العراقي بعد 2003

الإعلام الحزبي أو المموَّل طائفيًا رسّخ ثقافة الاصطفاف.

أغلب القنوات التلفزيونية ومنصات التواصل لم تسهم في نشر ثقافة نقد السلطة أو التفكير المستقل.

الجماهير تتابع فقط ما يؤكد قناعاتها المسبقة، ما ولّد بيئات مغلقة فكريًا.

أمثلة من الواقع العراقي الحديث

التصويت في الانتخابات على أسس طائفية أو عشائرية، لا برامج.

المظاهرات الجماهيرية ضد الفساد ثم الانقسام بعدها بسبب ولاءات ثانوية.

التحول السريع في مواقف الناس تبعًا لمواقف الزعماء أو لقنوات، لا لمصالحهم الحقيقية.

الاستجابة الجماهيرية العاطفية لدعوات الإضراب أو الاعتصام أو القتال، من دون فهم سياسي شامل.

علي الوردي وثقافة القطيع في العراق

في كتابه “وعاظ السلاطين”، يوضح علي الوردي أن العراقي يعاني من انفصام بين المثال والواقع ويقول:

“العراقي يذمّ الطغيان ويُصفّق للزعيم، يطالب بالعدالة ويبرر الظلم، لأنه يعيش صراعًا بين ما يؤمن به عقله وما تفرضه عليه جماعته”.

ويقول في كتابه “مهزلة العقل البشري”:

“الناس في العراق لا يفكرون بعقولهم قدر ما يُملى عليهم من بيئتهم الاجتماعية والطائفية، وقد يتحوّلون إلى أدوات تدمير باسم المبادئ”.

ويرى الوردي أن ثقافة القطيع في العراق نتاج بنية اجتماعية تقليدية لم تمر بمرحلة إصلاح فكري حقيقي، وبالتالي فهي تنتج نخبًا تُعيد إنتاج نفس الفكر السائد.

وأخيرا فإن ثقافة القطيع في العراق ليست نتيجة غباء جماهيري، بل حصيلة تراكمات اجتماعية، دينية، وتعليمية. ولكسر هذه الثقافة يتطلب:

إعادة بناء التعليم القائم على التساؤل لا الحفظ.

إعلام مستقل يفضح لا يطبل.

مفكرين نقديين قادرين على مواجهة التيار.

بيئة آمنة تحترم الرأي المختلف وتحمي حريته.

إن ثقافة القطيع ليست ظاهرة عابرة، بل آلية متجذّرة في بنية الوعي الجماعي، تُستخدم وتُعاد إنتاجها من خلال الإعلام، التعليم، الخطاب السياسي، والدين أحيانًا. وهذا السلوك يخلق ازدواجية فكرية، حيث يعيش الفرد في صراع بين ما يعرفه بعقله، وما يردده مع الجماعة. والحل يبدأ من تعزيز الوعي النقدي الفردي، وبناء مواطن لا يخاف أن يكون مختلفًا.

18 أب 2025

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 19-08-2025     عدد القراء :  45       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced