المشهد السياسي ما قبل الإنتخابات: تحالفات متشابكة ورهانات كبرى
بقلم : عصام الياسري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، تشهد الساحة السياسية حراكا محموما تتداخل فيه الحسابات الحزبية، التحالفات المؤقتة، وتدفقات المال السياسي في بلد يتأرجح بين محاولات الإصلاح وضغوط المصالح، يبدو أن المعركة المقبلة لن تحسم في يوم الاقتراع وحده، بل في الشهور التي تسبقه.

أما سيناريوهات المشهد السياسي العراقي لما قبل الموعد الرسمي للانتخابات البرلمانية القادمة لغير المستقلين والتشرينيين، فإن كتلة "الإطار التنسيقي" تستند إلى أداة الدولة وحلفاء داخل البرلمان والحكومة، فيما الساحة "السنية" ما تزال متشظية بعد أعوام من التجاذبات القانونية والسياسية، والساحة "الكردية" محكومة بميزان القوى بين الديمقراطي الكردستاني (KDP) والاتحاد الوطني (PUK) وترتيبات أربيل ـ بغداد... وبين هذا وذاك، فالإنفاق الانتخابي بالمليارات وتوظيف المال العام وشبكات المحسوبية قائمة في الخطاب الرسمي، والبيئة المؤسسية لوقف سجل الفساد الانتخابي يفتقر إلى أجهزة رقابية فاعلة...

وإذا كانت انتخابات 2025 نقطة فارقة، يتوجه العراقيون، أفرادا ومجتمعات مدنية وعلمانية، تطمح للتغيير نحو الإصلاح والعدالة والحياة الكريمة إلى صناديق الاقتراع في انتخابات برلمانية جديدة. ومن جهة مقابلة، مّن يريد إعادة صياغة الفقرة الخاصة بالأحزاب الطائفية الا وهي ترسيخ سياساتها وما آلت إليه من بعد السقوط. فأن هذا الاستحقاق لا يقرأ فقط في ضوء الأشهر القليلة التي تسبقه، بل في سياق عقدين من التحولات الجذرية التي رسمت الخريطة السياسية منذ عام 2003. أحزاب طائفية ودينية فرضت هيمنتها في ظل نظام محاصصات توافقية أسس له الاحتلال الأميركي وجعل العراق اليوم يواجه اختبارا سياسيا تتداخل فيه موازين القوى المحلية والعوامل الإقليمية والمال السياسي، وسط تساؤلات إستغراب من عدم وضوح مواقف العديد من التيارات والأحزاب المدنية العلمانية، وخاصة الديمقراطية واليسارية، التي كانت تحتل مكانة وطنية وفكرية بارزة في المجتمع العراقي على مدى عقود.

قبل الاحتلال الأميركي للعراق، كانت الساحة السياسية العراقية تحتوي قوى وطنية وعلمانية عريقة تدعو إلى فصل الدين عن الدولة وتأكيد قيم المواطنة والمساواة وحقوق الإنسان. مثل الحزب الشيوعي العراقي، الحزب الوطني الديمقراطي، وعدد من التيارات الليبرالية والقومية، التي لعبت دورا وطنيا مشرفا في مراحل مفصلية من تاريخ البلاد. كانت هذه القوى، التي عانت لسنوات طويلة من وطأة نظام صدام حسين وقمعه، تطمح للخلاص من نظامه الديكتاتوري، مؤمنة بأن سقوطه قد يفتح الطريق نحو العدالة والديمقراطية وبناء دولة المواطنة.

لكن ما إن سقط نظام البعث عام 2003، حتى تبين أن تلك القوى لم تمتلك خطة عمل أو إستراتيجية واضحة لاستثمار اللحظة التاريخية.. ورغم مشاركتها المحدودة في العملية السياسية، فإنها لم تعمل ـ بجدية لتحقيق ما كانت تنشده من تغيير للنظام السياسي الشمولي وإحلال نظام حكم وطني يحقق العدالة المجتمعية ويضمن الحقوق العامة للجميع. وبدلا عن أن تقود مسار التحول، تركت الساحة السياسية - شيئا فشيئا- للأحزاب الطائفية والدينية التي استغلت الفراغ، ففرضت هيمنتها على المشهد، ورسخت نظام المحاصصة السياسية، الذي شكل ملامح العراق الجديد.

مع تراجع القوى المدنية، ملأت الساحة أحزابا ذات صبغة طائفية أو اثنية، نجحت في فرض هيمنتها عبر خطاب يستند إلى الانتماء المذهبي أو القومي، وشبكات ولاءات تتغلغل في مفاصل الدولة. هذه القوى لم تكتف بالمشاركة السياسية، بل بنت منظومات اقتصادية وإعلامية واجتماعية مكنتها من حشد الناخبين، ليس عبر البرامج السياسية، بل عبر المصالح النفعية المباشرة وشراء الذمم. وقد أسهمت هذه الهيمنة في تحويل البرلمان إلى مرآة لتوازنات طائفية، أكثر من كونه مؤسسة تشريعية تمثل جميع العراقيين وفق برامج وطنية عابرة للانقسامات.

الواضح، ان الانتخابات المقبلة تتمحور حول أربعة مراكز قوة رئيسة ـ الإطار التنسيقي: يقود الحكومة الحالية ويسعى لضمان ولاية ثانية لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عبر الجمع بين الأداء الخدمي والتحالفات الواسعة وتهدئة الوضع المتأزم بسبب جريمة قتل "دكتورة بان" وإتفاقية خور عبدالله، مع استثمار موارد الدولة لتعزيز الشعبية.. القوى الكردية: بزعامة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، تملك القدرة على ترجيح كفة أي تحالف حكومي قادم، وفقا لتفاهماتهما الداخلية وترتيباتهما مع بغداد.. القوى السنية: ما تزال تعاني الانقسام بعد تجاذبات السنوات الأخيرة، الأمر الذي يحد من قدرتها على التفاوض بقوة في تشكيل الحكومة المقبلة.

أما التيار الصدري: منذ انسحابه من البرلمان عام 2022، ترك فراغا ملحوظا في المعادلة. إلا أن قرار مقتدى الصدر بالعودة أو المقاطعة سيكون حاسما في إعادة رسم الخريطة السياسية - خصوصا في بغداد والجنوب.

الا أنه، لا يمكن قراءة الانتخابات في العراق بمعزل عن المال السياسي، الذي يتدفق عبر عدة قنوات: استغلال موارد الدولة وتعيينات موسعة مشبوهة وشبكات اقتصادية حزبية تمول الحملات الدعائية. دعم رجال الأعمال والتمويل الخارجي غير المباشر، الذي يصعب ضبطه في ظل ضعف الرقابة. وعلى الرغم من تأكيد المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على مراقبة الإنفاق وضمان نزاهة العملية، واستبعادها مئات المرشحين من قوائم الانتخابات قبل أشهر من الاستحقاق الانتخابي، إلا أن ضعف البيئة المؤسسية، وتراجع مؤشر مدركات الفساد، يعزز الشكوك حول فعالية هذه الرقابة...

الخاتمة: الانتخابات ليس مجرد استحقاق دستوري؛ بل اختبار لإمكانية كسر حلقة الهيمنة الطائفية، وإعادة الاعتبار لقوى مدنية طالما لعبت دورا محوريا في تاريخ العراق السياسي، وبين هذا وواقع ما بعده، يقف العراق أمام مفترق طرق: إما إعادة إنتاج المشهد نفسه، أو الشروع في مسار جديد يفتح الباب أمام موازين قوى أكثر توازنا، وربما أكثر عدالة...

  كتب بتأريخ :  الأحد 24-08-2025     عدد القراء :  51       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced