عندما تقرأ في الأخبار عن مقتل ضباط وعدد من افراد الشرطة من قبل عشائر حملت السلاح والقاذفات من اجل الدفاع عن "مولدة" احد ابنائها، وعندما تعرف ان الكثير من العشائر تفرض قانونها على مؤسسات الدولة وعلى المواطنين. وعندما تسمع أن عشيرة لم يعجبها حكم القضاء بتبرئة مواطن، فقررت أن تعدمه في الشارع أمام أنظار القوات الأمنية التي كانت مهمتها حماية هذا المواطن.
وعندما تشاهد القوات الأمنية عاجزة عن الوقوف بوجه عشائر خارجة على القانون. وعندما تقرر عشيرة أن تقتل ضابطاً كبيراً في الجيش ذنبه الوحيد أنه حاول التوسط لفض نزاع عشائري. فعلينا أن ندرك أن القانون تحول إلى مادة فكاهية يمكنها أن تقدم من على شاشات الفضائيات.. وكنا قبل هذا قد عشنا في هذه البلاد فواصل من الاستعراضات الطائفية والعشائرية قادها مسؤولون كبار.
ويذكر التاريخ القريب جيداً أن هذه العشائر التي تتباهى الآن بأسلحتها الثقيلة كانت تهتف بالروح بالدم للقائد الضرورة، لكنها هذه الايام وجدت في ضعف الدولة طريقاً لابتزاز المواطن المسكين وإرهابه، ومن المضحك أنه بعد 2003 أصرت هذه العشائر على أنها كانت معارضة للنظام السابق، وحصل الكثير من شيوخها على امتيازات ومقاولات.
إن المشهد يبدو مثيراً للدهشة حين يقف البعض وسط البرلمان ليطالب بـ "ضرورة تشريع قانون المجلس الوطني للعشائر لتهذيب الأعراف الطارئة على المجتمع العراقي، ولكي يكتسب ما ينظمه المجلس صبغة قانونية للالتزام بما يصدر عنه في القضاء على العادات والتقاليد السيئة".
اعتقد العراقيون واهمين أن الخطر الأكبر الذي يواجه بلادهم هو الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة، والمحسوبية والانتهازية السياسية وغياب الكفاءات وسرقة المال العام، لكن البرلمان فاجأنا بأن أخطر ما يواجه الناس هو غياب القيم العشائرية كما اخبرنا ذات يوم النائب محمد الصيهود، وهي نكتة ربما تكون ثقيلة على سمع العراقي المسكين الذي تيقن بالدليل القاطع أن البرلمان لا يزال سجينا لأمزجة مسؤولين يخلطون السياسة بالفواصل الكوميدية منذ سنوات.
يجب أن نأخذ دائماً في الاعتبار الفارق بين الأمم التي نشأت على ثقافة المواطنة، وتلك التي تصر على أن المواطن لا قيمة له من دون شيخ عشيرة. الفارق بين الحكومات التي تُحترم فيها الكفاءات وبين حكومة "العشائر"، مثل الفارق بين مجتمع حر، منتج، يحرص فيه المسؤول على تحقيق العدالة الاجتماعية، وآخر لا يملك شيئاً سوى اللقاءات التلفزيونية وإشاعة قيم الانتهازية والخراب.
هذه هي أنباء بلاد الرافدين أيها السادة، فنحن الشعب الوحيد الذي يضحك عندما يقرأ خبراً يقول إن الرئاسات اجتمعت وتدارست وقررت أن تعلن "حصر السلاح بيد الدولة".. أما كيف، والسلاح مزدهر عند العشائر بجميع أنواعه: قنابل يدوية، رشاشات، صواريخ، وأيضاً مدرعات إذا تطلب الأمر.