ديمقراطية مسلّحة بين إتاحة القبح وملاحقة الجمال
بقلم : طالب عبد العزيز
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لستُ أنا حسب؛ من يفكّر بصناعة محتوى جميل، عن مدينته في العراق، كلّما شاهد مقطعاً فيديوياً، صممه أحدُهم يحاكي جمال وطبيعة الحياة في قريته، بلبنان أو إيران أو آذربايجان أو روسيا، وغيرها. المقاطع التي تحاكي الطبيعة والحياة الريفية، بأنهارها، وجبالها، وثلوجها، وحيواناتها وطعامها وملابس سكانها وعاداتهم، أشياء صنعت لتكون جزءاً من دعاية سياحية، وعنصر جذب لتلك القرى، فضلا عن كونها تقدِّم الصورة الاجمل عن طريقة العيش هناك .

ولأنني، ابن الأزمنة الجميلة، التي كانت البصرة عليها في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي فقد كنتُ حريصاً على مشاهدة ما تقع عليه عيني من قصص وصور ومقاطع مصورة وكثير مما أشاهده في الانترنيت، لكنني، لا أتفاعل معها، على خلاف ما يدهش به ابنائي وأحفادي، الذين لم يروا الفردوس أيام كان قائماً، في القرية الصغيرة حيث ولدت وما أزال، فأقول لهم مثل هذه وتلك الصور كانت مادة حياتنا آنذاك، هي ما ألمسه واتأمله دون أن اشعر به، لأنها كانت جزءاً من مشاهدات ومسموعات يومية، على خلاف ما تشاهدونه، دونما مونتاج وتقطيع وتلوين واضافات، لذلك ما كنت اشعر بها، بحكم مألوفيتها. هل آتي جديداً إذا قلتُ بأنَّني ولدتُ في غابة من النخل والأشجار والفاكهة، تجمع أمّي الحطب ساعة الفجر وتوقد تنورها وتخبز، ويأتي أبي بالسمك من النهر القريب؟ ووو؟

ومثل ما كان لنا في قرى البصرة وابي الخصيب كان لأهل المدن العراقية الأخرى، فالحياة في الاهوار ومدن العمارة والناصرية والديوانية والسماوة وسامراء وبغداد والموصل وكركوك وغيرها لا تقلُّ جمالاً عن أيِّ مكان آخر، إذْ لكل مدينة طابعها المعيشي وتراثها وطريقة حياة سكانها. أكتبُ هذه لأوجِّه دعوةً للذين يصنعون المحتويات الهابطة السخيفة، الذين يرون في التفاهة وجاهةً لأسمائهم، وبما ينعكس سلباً على الصورة الجميلة التي كانت تتمتع بها المدن بسكانها، على طول البلاد وعرضها. النسوة الرخيصات اللواتي يسيئن للعراق بسلوكهنَّ المشين في الكابريهات والأماكن التي تقدِّم المتع الرخيصة، بالأجساد المنحوتة، والمعبأة بالسليكون، والمؤخرات القبيحة... إنَّما يقدمن على تمزيق آخر صورة جميلة كانت لنا، ومما يؤسف له أنَّهن محروسات من قبل مجاميع سياسية ومسلحة.

بالأمس، كان الناشط المدني الأستاذ صفاء الضاحي، العضو المؤسس والفاعل في جماعة إنجاز، التي عملت على تأسيس شارع الثقافة، شارع الفراهيدي وكذلك مرتادو المكان الثقافي الاجمل قد فوجئوا بجماعة من المحتفلين بإقرار القانون الجعفري؛ على طريقتهم المستفزة والمخيفة، وهم يتظاهرون وسط الشارع مرددون هتافات تشتم رواد الشارع، وتتهم، وتتوعد الحياة المدنية، ويسخرون من قضية قتل النساء بعبارات مثل 188 باطل، وسط قهقهات لا تنم عن ذوق، ولا تمتُّ بصلة الى الديمقراطية. ولا تعرف الجهة التي تقف وراءها، وفي ظل غياب كامل من الجهات الأمنية، التي يفترض تواجدها في المكان، شبه الوحيد في البصرة الذي يمكن للأسر البصرية التواجد فيه بأمان.

بكل تأكيد انتشر المحتوى القبيح هذا في المواقع، وتداوله الكثيرون، داخل وخارج البلاد، بما أعطى صورةً مشوهةً عن طبيعة الحياة هنا. ونحن إذْ نرى بأنَّ شارع الثقافة(الفراهيدي) قدَّم الصورة الابهى والاجمل عن البصرة منذ افتتاحه قبل عشر سنوات الى اليوم، بفعالياته الثقافية الأسبوعية، ومظهره اللائق بهذه الشريحة من الناس، حيث لم يعد سوقاً للكتب حسب، إنما تجاوزه الى تقديم السلوك الحضاري والمديني والتوعوي، ولعب دوراً بارزاً في نشر ثقافة التسامح والسلم المجتمعي، فضلاً عن كونه سوقاً تجاريةً تتكسب فيه بعض الاسر جزءاً من متطلبات عيشها، عبر ما يقدم من بضائع بسيطة وأطعمة شعبية. وبكل بساطة هو الرئة الوحيدة التي تتنفس المرأة فيها هواءً إنسانياً نقياً .

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 10-09-2025     عدد القراء :  36       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced