التغيير بين تهويل الطغمة.. وضجيج الشعبوية
بقلم : جاسم الحلفي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ليس جديداً أن تتصدى طغمة الحكم لأي حديث عن التغيير بروح ملؤها التخويف والتهويل. فمنذ سنوات وهم يشيعون أن التغيير يعني الفوضى، وأنه لا يأتي إلا عبر الدم والحرب والاحتلال. يزرعون الرعب في النفوس كلما لاح أفق احتجاج أو ارتفعت أصوات الغضب المشروع. يطلقون التصريحات أو يتركون أبواقهم تقوم بالمهمة: ترهيب الناس وربط أية محاولة إصلاح بمصائر مظلمة. مرة يحدّدون تواريخ، وفي أخرى يتحدثون عن سيناريوهات جاهزة، وكأنهم يمتلكون مفاتيح الغيب.

لكن ما ينبغي التوقف عنده هو أنّ الضجيج الشعبوي لا يقلّ إساءة لعملية التغيير. هنا نجد أصواتاً ملأت الفضاء بالتهريج والوعود الكبرى، تتحدث بثقة زائفة عن مواعيد مرتقبة وانقلابات وقرارات حاسمة على الأبواب. كلماتهم أقرب إلى شائعات مقهى، منها إلى قراءة سياسية. هذه الشعبوية لا تنبع من وعي سياسي ولا من إدراك لموازين القوى، بل من رغبة في حصد الانتباه ولو على حساب الحقيقة.

الطرفان، على اختلاف دوافعهما، يلتقيان في النتيجة: الإساءة لفكرة التغيير وتشويه صورته. الطغمة الحاكمة تستخدم التخويف كسلاح دفاعي لإدامة سلطتها، والشعبويون يسيئون من حيث لا يدرون ربما حين يحوّلون التغيير إلى وعد غوغائي بلا أفق. وبين التهويل والضجيج يضيع جوهر العملية التغييرية، بوصفها فعلاً تاريخياً ينهض من إرادة الناس، لا من إشاعات الطغمة ولا من أوهام المغامرين.

التغيير، في جوهره، عملية اجتماعية عميقة مرتبطة بصراع المصالح بين الطبقات. ليس قراراً فوقياً يُملى من قصر، ولا صفقة تُبرم في أروقة النفوذ، ولا انقلاباً يراد به بثّ الرعب ليلاً. إنه فعل تراكمي يتجذّر في الوعي الجمعي، ويتنامى في ساحات الاحتجاج، وفي نضال الكادحين والمحرومين: المطالبين بفرص العمل، المنادين بالخدمات، والمكافحين ضد الفساد من مختلف الفئات الاجتماعية، من عمّال وفلاحين ونخب ثقافية وطلبة ونساء وشباب. وحين يتبلور هذا الوعي ويأخذ شكل قوة منظّمة، يصبح التغيير حقيقة لا يمكن كبحها.

ولا بد من الإشارة إلى أنّ العامل الخارجي الذي شنّ الحرب وفرض الاحتلال على العراق، قد أنجز مهمته التخريبية بتهشيم الدولة وتدمير مؤسساتها. غير أنّ الكارثة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تولّت طغمة الفساد بعده دفة الحكم، فنهبت ما تبقّى من موارد وأجهزت على ما لم يطله الخراب الخارجي والإقليمي، لتجعل الانهيار شاملاً ومركّباً.

لكن التغيير المنشود اليوم ليس مستورداً ولا مفروضاً من الخارج، بل هو فعل وطني داخلي. فالعراقيون وحدهم، بتجاربهم وتضحياتهم، هم القادرون على رسم أفق بديل. وكل قراءة تغفل هذه الحقيقة إما تعيد إنتاج خطاب الطغمة أو تقع في فخ الشعبوية.

إن أخطر ما يواجه قوى التغيير الجاد هو هذا الضباب الكثيف من الشائعات والتهويل. فهو يبدّد الثقة، ويشوّش البوصلة، ويزرع اليأس في نفوس المتطلعين إلى فعل ملموس. لذلك فإن مهمة الوعي النقدي هي أن يميز بين التحليل الرصين والتهويل المضلّل، بين مشروع التغيير الحقيقي وضجيج الشعوبيين. فالتغيير ليس وعداً معلّقاً في الهواء، بل هو صيرورة تحتاج إلى تنظيم وحركة اجتماعية واسعة تتجاوز أوهام الطغمة وأوهام الشعبوية معاً.

بهذا المعنى، يصبح الوعي بحد ذاته أداة مقاومة. مقاومة التخويف السلطوي ومقاومة التضليل الشعبوي معاً.

والتغيير، في النهاية، ليس ما يقوله هذا الطرف أو ذاك، بل ما يصنعه الناس بإصرارهم وإرادتهم الجماعية.

المصدر: طريق الشعب

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 10-09-2025     عدد القراء :  27       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced