اعجز عن إدراك ما يجري من خزعبلات في أروقة السياسة العراقية وحل لغزها، ربما لا أملك ملكة الفهم التي تتيح لي حل أحاجي هذه السياسة من عينة، الاصلاح، والصراع بين نواب "البوكسات" ونواب "الشعارات".
ورغم أنني متابع جيد لما يقوله السيد نوري المالكي صباح كل يوم عن الديمقراطية ، والخوف من ضياع التجربة السياسية "العظيمة"، وتبحرت بيوميات صالح المطلك واطلعت على التجربة الاقتصادية العملاقة التي خاض غمارها باني العراق الحديث عادل عبد المهدي، وانتظر مذكرات محمود الحسن، ورغم كل هذه " المعارف"، لو سألتني عما يجري في العراق من صفقات وضحكات لطلبت الاستعانة بأبو علي الشيباني ليعمل لنا استخارة عسى أن نكشف عن سر التغيير الذي طرأ على رئيس البرلمان محمود المشهداني، فقد اخبرنا الرجل ضاحكاً قبل عام بضرورة الغاء البرلمان وتقسيم المناصب بين الكتل السياسية ، لكنه خرج علينا امس ليبلغ الشعب بأن (الانتخابات مصيرية، والمشاركة فيها "واجب شرعي"). فالمشهداني الذي كان يصرخ في الفضائيات عن فساد العملية السياسية ، هو نفسه الذي تصيبه حالة الدروشة كلما جاء ذكر "المالات".
في كل يوم يظهر لدينا مسؤولون لا يبالون بوضع خطط للنهوض بهذا الوطن بقدر اهتمامهم بتنفيذ أجندات سياسية، فوجدنا النائب الذي يطالب بتطبيق الحملة الإيمانية في دوائر الدولة ، ومسؤول آخر قرر أن يصبح واعظا فيما الناس تعاني من فقدان الخدمات ومن البطالة، ومسؤول يعتقد أن قبوله بالمنصب ما هو إلا تكليف شرعي وعلى الآخرين الانصياع والطاعة.ما يصرح به بعض المسؤولين يحتاج إلى إنسان يملك عقل كمبيوتر، وقلب رجل شديد الإيمان والصبر، كي يتحمل ما يقوله كهنة السياسية العراقية. سنحاول أن نكون طيبين وساذجين ونصدق أن السعي للمنصب عند بعض السادة المسؤولين هو خدمة وطنية أكثر مما هو منفعة شخصية وبدليل أن المتقدمين للمناصب طالبوا بأن لا تخصص لهم رواتب عالية وان تحذف فقرة المنافع الاجتماعية وان يقلص عدد الحمايات وان لا يطالبوا ببدل إيجار ولا مخصصات إضافية، وإنما سيعملون ليلا ونهارا لخدمة الناس وإرضاء رب العالمين، وسنكون أكثر سذاجة ونؤمن بأن الكثير من المسؤولين لم يهدروا المال العام بمشاريع وهمية ولم يفتحوا باب وزاراتهم للأقارب والأحباب ولم يغتنوا، وان عصرهم يمثل مرحلة ازدهار للدولة العراقية وعليه فان اختيارهم من جديد إنما هو تقدير ومكافأة لما قدموه لهذا البلد من خدمات جليلة، هكذا يراد من الناس أن تتعامل مع المسؤول على انه صاحب المعجزات ، سيحقق العدل والرفاهية بلمسة من يديه الكريمتين ، يوهمون الناس بأنهم مبعوثو العناية الإلهية. إنه الدجل السياسي بصوره الحقيقية.