المال السياسي يشتري الأصوات والنزاهة تضمن الثقة
بقلم : جاسم الحلفي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

كل انتخابات عراقية تتحوّل إلى اختبارٍ مزدوجٍ: اختبار للناخبين، واختبار للمرشحين. فالناخب محاصر بين دعايةٍ متخمةٍ بمال الفساد، تُغذّيها أبواقٌ طائفيةٌ وشاشاتٌ مأجورةٌ، وبين خطابٍ آخر يخرج من قلب الشارع، من بيتٍ إلى بيتٍ، من إنسانٍ إلى إنسانٍ.

ومن هنا يأتي السؤال: أيُّ صوتٍ يعلو، وأيّة قيمةٍ تنتصر؟

المتنفذون، ممّن ترسخوا في مفاصل الدولة، جعلوا من مواردها أداةً انتخابيةً. تُنفق الأموال كما لو كانت ملكاً شخصياً، وتُشترى الضمائر كما تُشترى السلع، وتُدار الحملات الانتخابية بمزادٍ مفتوحٍ على الكراهية والتحريض. هم يعرفون أن بضاعة برامجهم السياسية كاسدة، فيعوّضونها بأموالٍ مشبوهةٍ، أو بإحياء الخنادق الطائفية القديمة. وهكذا يغدو الاقتراع مشهداً معكّراً، لا تحكمه قواعد المنافسة الديمقراطية بقدر ما تحكمه شبكات الولاء والمصالح الضيقة.

في المقابل، يقدّم مرشحو الحزب الشيوعي العراقي، ومعهم طيفٌ من المرشحين النزيهين، صورةً مغايرةً تماماً: لا قنوات فضائية تلمّع صورهم، ولا أموال تُنفق على شراء الذمم. ولو عدنا الى رائد فهمي مثلا، لوجدنا أسلوبه مباشراً وبسيطاً: طرقٌ لأبواب الناس، ووقوفٌ معهم في الساحات، وحديثٌ متكافئٌ يتقاسم الهموم اليومية. لا خطاب يُلقى من على منصاتٍ عاليةٍ، بل حوارٌ متكافئٌ بين مواطنٍ مرشح ومواطن ناخبٍ. وهذا ليس تقنيةً انتخابيةً عابرةً، بل هو انعكاسٌ لعلاقةٍ أعمق: علاقة قائمة على النزاهة والقيم السامية، وعلى القناعة بأن السياسة خدمةٌ عامة وليست صفقةً خاصة.

هنا تبرز المفارقة الصارخة:

المتنفذون يستعرضون قوتهم بالمال والسلاح والإعلام الموجَّه، فيما أصحاب الأيادي النظيفة والبرامج الواضحة يعكسون صدقهم بالتوجه الى الناس مباشرة ودون حواجز. المتنفذون يغرسون الارتياب في المستقبل، فيما يزرع النزيهون بذور الثقة والصدقية. المتنفذون يراهنون على تعبئة الطائفية، فيما يراهن ممثلو الكادحين على وحدة المصالح الشعبية.

قد يُقال إن إغراء المال قادرٌ على حسم المعركة، وإن النزاهة لا تكفل ترجيح الكفّة. لكن التاريخ يعلّمنا أن النفوذ المبني على الفساد هشٌّ مهما بدا متماسكاً، وأن القيم حين تجد حاضنتها الاجتماعية تتحوّل إلى طاقةٍ جبارة. ربما لا تُترجم مباشرةً إلى مقاعد نيابية، لكنها تراكم وعياً وموقفاً يظل يحفر في وجدان الناس.

الدعوة هنا ليست رومانسيةً او حالمةً. إنها دعوةٌ إلى النظر بواقعية: أيُّ عراقٍ نريد أن نبني؟ عراقٌ تُدار انتخاباته كصفقاتٍ تجاريةٍ يتقاسمها المتنفذون، أم عراقٌ يُستعاد فيه جوهر الديمقراطية عبر العلاقة المباشرة بين الناس ومن يسعون لتمثيلهم؟

الفارق بين الأسلوبين سابقي الذكر ليس تقنياً في الدعاية، بل هو جوهري في مضمون السياسة: فسادٌ مقابل نزاهة، شراءٌ مقابل إقناع، طائفيةٌ مقابل مواطنة.

ومن هذه الزاوية يصبح الوقوف مع تجربة المرشحين الشيوعيين، أصحاب المشروع الحقيقي والموقف الصادق، ليس مجرد اصطفاف، بل هو دفاع عن فكرة السياسة نفسها بوصفها خدمةً عامةً. فالمتنفذون يراهنون على المال والسلطة، لكن الرهان الحقيقي يبقى على وعي الناس، وعلى تمسكهم في كل الأحوال بكون النزاهة قيمةً لا يمكن أن تُشترى أو تُستبدل.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 17-09-2025     عدد القراء :  21       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced