الإيزيديون: بين صدمة الإبادة وواقع الانقسامات وفشل الموتمرات
بقلم : د.خالدة خليل
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يمرّ الإيزيديون اليوم بمرحلة مفصلية تعدّ هي الأشد قسوة وإيلامًا في تاريخهم الحديث، منذ ذلك اليوم الأغبر في صيف 2014 حين اجتاحت سنجار عاصفة الموت على يد تنظيم داعش.

لم تكن الإبادة مجرد جريمة بحق مكوّنٍ مسالمٍ ومتسامح، بل زلزالًا أراد اقتلاع جذور وجودهم ومحو هويتهم، فمزّق أوصالهم وبدّل خرائطهم الاجتماعية والجغرافية والسياسية. غير أنّه ظلّ عاجزًا أمام صلابتهم وحقّهم في البقاء.

منذ الكارثة، تشتّت الإيزيديون بين خيامٍ مهترئة في مخيمات النزوح، وبين شتاتٍ طويل امتدّ في المنافي البعيدة من أوروبا إلى أميركا وأستراليا.

في الداخل، يرزح عشرات الآلاف تحت وطأة الفقر والبطالة وغياب أبسط مقومات الحياة، وفي الخارج تكابد الجاليات صراع الهوية ومرارة الاندماج. وهكذا تعمّقت الهوّة بين الداخل والخارج: فهنا مَن بقي على الأرض يحلم بعودة الروح إلى سنجار، وهناك مَن ابتعد يرفع صوته في المحافل الدولية مطالبًا بالاعتراف بالإبادة الجماعية. وبين هذا وذاك، يظلّ حبل الحنين إلى الأرض رابطًا بين الداخل والشتات، شاهداً على الألم والانتماء والجذور.

يدرك الإيزيديون أن مأساتهم لم يصنعها داعش وحده؛ فموقع سنجار الاستراتيجي على تخوم الحدود حوّلها إلى ساحة صراع تتنازعها أطراف محلية وإقليمية ودولية، فيما ظلّ صوت أصحاب الأرض غائبًا عن مائدة القرار لتتحول قضيتهم الإنسانية إلى ورقة مساومة في أسواق السياسة، وتغيب الحقيقة تحت ركام المصالح.

وعلى الرغم من كثرة المبادرات، لم تتبلور بعد رؤية موحّدة تجمع الإيزيديين. فقد عمّقت الانقسامات الداخلية الشرخ، وغذّت التدخلات الخارجية الخلافات، وغاب المشروع الصادق الذي يضع مصلحة الجماعة فوق المصالح الشخصية. وهكذا، لم تعد المؤتمرات سوى صدى بلا أثر، ولا الندوات تحمل مغزى، ولا الملتقيات قادرة على لملمة الشظايا، بعدما أثقلهم الانقسام وأعياهم التشتت. وبفعل تشظّي الخطاب الإيزيدي، تقدّمت إلى الواجهة أصوات فردية تسعى وراء حضور إعلامي ومجد شخصي، فتبدّدت الفرص وتعطّلت المحاولات التي كان يمكن أن تحوّل الألم إلى قوة، والإبادة إلى مشروع حياة.

لم تعد قضية الإيزيديين اليوم مجرد ملف سياسي عابر، بل غدت جرحًا مفتوحًا في ضمير الإنسانية، يصرخ في كل يوم بأن العدالة ليست رفاهية، بل حياة تمس جوهر كرامة الإنسان. وإذا كان زمن البكاء والعويل قد ولّى، فإن ساعة الانبعاث من تحت الركام قد حانت. وآن الأوان لتحويل رماد الإبادة إلى وقود للنهوض، وتحوير الألم إلى أمل، يستمد قوته من صلابة العزيمة ووفاء الذاكرة. ولن يكتمل هذا المسار إلا بالالتفاف حول مشروع إنساني نزيه، ينصف الضحايا ويحفظ كرامة الأحياء، ويفتح أمام الأجيال طريقًا يليق بذاكرة مثقلة بالألم والتضحيات، ويصون حقهم المقدس في الاختلاف والوجود.

أما المجتمع الدولي، فعليه أن يتجاوز الشعارات والبيانات، ويقدّم دعمًا حقيقيًا يعيد بناء حياة الإيزيديين، ويصون صوتهم من الاستغلال والمساومة.

إنهم بحاجة إلى مناصرة صادقة وشراكة إنسانية عادلة، إلى جانب ضمانات تحفظ هويتهم الدينية وتحميهم من التعرض للأبادة مجددًا في ظل وجود خلايا متربصة لداعش. ويجب مساعدتهم على تحويل جرح الإبادة إلى درسٍ في الصمود، بحيث يغدو الاعتراف بالأخطاء والإيمان بالحقيقة سراجًا يبدّد عتمة الداخل وغربة الشتات، ويهديهم نحو مستقبل يليق بكرامتهم وحقهم المقدّس في حياة حرّة وكريمة.

  كتب بتأريخ :  الخميس 18-09-2025     عدد القراء :  15       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced