اجازت مدونة الاحوال الشخصية للمرأة ان تشترط على الرجل الشروط التي تراها مناسبة لها او ما تتطلبه حياتها القادمة في الحدود الشرعية فاذا قبلها الزمته وهذا فأل حسن محسوب لصالح المرأة ويعد احد المبادىء التي تحرص المدونة على تثبيتها وعلى وفق هذا الفهم فقد جاء النص التالي: (يجوز للمراة ان تشترط على الرجل في عقد الزواج ان لا يتزوج عليها – وان سمح القانون له بذلك – فيجب عليه الوفاء لها بهذا الشرط) وكذلك يجوز لها ان تشترط عليه: (ان لا يطلقها الا بموافقتها فانه يصح الشرط ويلزمه الوفاء لها به) هذا هو نص المادة 9 من المدونة أي ان كلا الشرطين مستوفيان لاسبابهما الشرعية حسب نص المدونة ولا غبار على عدم مشروعيتهما.
لكن المدونة تتراجع عن هذا السخاء المتعلق بشرط عدم الزواج باخرى لتأتي بنص مخالف في المادة ذاتها وهو: (ولكن لو خالف وتزوج باخرى لم يبطل وان كان اثما شرعا). ونصا اخر عن شرط الموافقة على الطلاق هو: (ولكن لو طلقها بدون موافقتها صح وان كان اثما شرعا). هذه الصياغات المربكة تعني ان: (شرط عدم التزوج عليها) لا يلزم الزوج عالى الرغم من تعهده بالالتزام به لان الزواج باخرى صحيح من الوجهة الشرعية وكذلك الامر بالنسبة للموافقة على الطلاق وبذلك تشرعن المدونة لعدم الوفاء بما التزم به الزوج من شروط في عقد الزواج مكتفية بوصمه بالأثم وكانها ما اعطته للزوجة باليد اليمنى تأخذه باليسرى وتخرج الزوج من هذا الضجيج النصي خالية الوفاض.
معلوم ان القاعدة الفقهية المعتمدة في احكام الشرط تستند الى الحديث النبوي: (المؤمنون عند شروطهم الا شرطا احل حراما او حرّم حلالا) رواه الترمذي فالشروط في العقود لازمة يجب الوفاء بها ما لم تخالف كتاب الله ويعد الحديث النبوي هذا مؤسس لقاعدة توجب على المسلمين الوفاء بالشروط التي يتفقون عليها متى ما كانت تلك الشروط مشروعة وان مخالفة الشرط المشروع توجب فسخ العقد كما يقول النووي ومعلوم ايضا ان الحديث النبوي هذا يستمد حكمه من نص الاية (1) من سورة المائدة (وأوفوا بالعقود) التي فسرها الطوسي في تفسير البيان: (امرهم الله بايفاء العقود التي هي العهود التي الزموا نفوسهم فيها فروضا وأمرهم الاتمام بالوفاء والكمال). وقال ابن كثير في تفسيره وهو ينقل عن ابن عباس ان العقود تعني العهود وهي ما كان يتعاهدون عليه وامر بعدم النقض او الغدر ثم شدد على ذلك بذكر الايات التي تتحدث عن نقض العهد ويذكر ابن عباس كذلك ان العقود المشمولة بهذه الاحكام ستة انواع احتل النكاح الترتيب الخامس.
ان قراءة احكام الشرط التي جاءت بها مدونة الاحكام الشرعية في المادة 9 المشار اليها اعلاه تحكمها الملاحظات التالية:
1. واضع المدونة لم يضع أي نص قانوني للناكث للشروط المشروعة التي وضعتها الزوجة في عقد الزواج والتزم الزوج بالوفاء بها وهذا يعد مخالفة للتنظيم القانوني العراقي لان القانون هو: (مجموع القواعد التي تقيم نظام المجتمع فتحكم سلوك الافراد وعلاقتهم فيه وتناط كفالة احترامها بما تملك السلطة العامة من قوة الجبر والالزام) يعني ان على الزوج الوفاء بما التزم به وبخلافه يحكمه الالتزام والجبر اذ اكتفت المدونة بالاثم والاثم هذا لا تطبيق له في النظام التشريعي العقابي لانه لا جريمة ولا عقاب الا بنص القانون.
2. المدونة تعتبر المخالفة في عدم التزوج باخرى او الطلاق من دون موافقتها تصرف صحيح من الوجهة الشرعية أي انها جردت الزوجة من حقوقها المترتبة عن عقد الزواج واكتفت بالاثم الذي وجده الزوج سبيلا ومتنفسا للافلات من تنفيذ ما إلتزم به أي انه اتكأ واستعان بالاثم للتنصل من التزاماته العقدية ما دام الاثم هذا لا يتصدى ولا يقدح في شرعية زواجه باخرى او ايقاع الطلاق من دون موافقتها وقبوله الاثم ما دام يفضي الى تحرره بما ارتبط به من شروط.
3. المدونة وضعت الزوج في مركز المفاضلة بين عدم الوفاء بالعهود وقبول الاثم فاستسهل عدم الوفاء الذي مكنه من الزواج بثانية وايقاع الطلاق من دون موافقتها وقبل الاثم باعتباره بعيد الاجل فضلا عن امكانية شموله باحكام المغفرة. مدونة الاحكام الشرعية هذا مصرة الى دفعنا للعيش في مرحلة ما قبل الدولة.