مرارة امرأة عراقية تذوّقت طعم الحرية
نشر بواسطة: Adminstrator
الثلاثاء 09-02-2010
 
   
ترجمة : علاء خالد غزالة

تخيلت سارة نفسها، وهي في السجن، في مقابلة مع اوبرا، تصورت ان مضيفة هذا البرنامج الحواري سوف تستمع الى تلك الأرملة العراقية بتعاطف، وان الجمهور سوف يصفق لها بينما تقص عليهم كيف انها جعلت اشد رجال المليشيات قسوة يبكون، بينما كانت تساعد في التحقيق معهم لصالح الجيش الأميركي، سوف يعلمون، على الرغم من الإشاعات، انها لم تخن الأميركيين أبدا.



واليوم بعد أن تحررت، ركزت في رسالة بعثت بها الى اوبرا على القول: «بسم الله، عزيزتي اوبرا، السلام عليك. انا على ثقة بانك سوف تكونين مفاجئة قليلا بان امرأة عراقية تكتب اليك، وانت المرأة الأميركية، عندما كنت في السجن قررت ان.. أخبرك بقصتي كاملة مع الجيش الأميركي في العراق، «لم تعد تبدوُ كامرأة في صورها التي التقطتها في الأيام التي عملت فيها مع الجيش (الأميركي)، جمعت شعرها البني الى الخلف، ترتدي العدة العسكرية الثقيلة المضادة للرصاص، وتضع النظارات الشمسية التي تغطي عينيها بالكامل، وهو ما جعل العراقيين يحسبونها رجلا. لم يعلم احد في الشارع ان هذه المرأة الأربعينية، والتي لديها ولدان مراهقان، كانت لعنة على فرق الموت، او انها لم تعد تثق بالأميركيين الذين احتاجوا اليها ذات مرة.تـُعد قصة سارة، الزوجة التي طالما لازمت دارها وذاقت مرارة التفرقة ضد النساء في وقت الحرب الأهلية الوحشية، إحدى قصص الحرية والخسارة التي وصمت حيوات معظم العراقيين منذ سقوط نظام صدام. الأميركيون: ربيع عام 2007 لم ترغب سارة في العمل مع الجيش الأميركي على الإطلاق، لكن زوجها احمد تبرع بخدماتها. فقد اثار ابن سارة البالغ احد عشر عاما من العمر إعجاب بعض الجنود الأميركيين، في مناسبة عرضية، بقدرته على التحدث بالانكليزية، ومن ثم تفاخر أبوه بان أمه سارة هي من علمته اللغة. الحّ الجنود على احمد ليرسل سارة اليهم. كانت سارة، التي لم تكمل دراستها الجامعية، موهوبة في اللغات، وتعلمت الانكليزية من أفلام مثل «حمى ليلة السبت» و»الزيت»، ومن أغاني فرقتي آبا وبي جيز. اما احمد، فهو ميكانيكي فقد ورشته نتيجة التقاتل، ومن ثم توسل زوجته ان تقبل العمل المعروض عليها. ولما كانت ما تزال مرتعبة من التفجيرات التي أجبرت العائلة على النزوح من منزلها، فقد قالت له انها سوف تتعرض للقتل، لكنه رفض الإصغاء اليها. وسمح لها، للمرة الأولى بعد زواج دام ثمانية عشر عاما، ان تعمل. وتشك سارة، حتى هذا اليوم، ان زوجها دفعها لقبول العمل لانه كان في أمس الحاجة الى المال، وانه لم يكن يعبأ كثيرا بسلامتها الشخصية. تم تعيينها في معسكر فالكون، وهي قاعدة عسكرية هائلة تقع جنوب شرقي بغداد.تقول سارة: «لم يكن لدي ادنى فكرة عن الأميركيين. لقد كان عالما جديدا بالنسبة لي. لم يسبق لي ان أكون في مكان يتواجد فيه أناس أجانب... كلما كنت اعرفه حصلت عليه من مشاهدة الأفلام والتلفاز. حينما كنت اسمعهم يضحكون، أقول لنفسي: «ما الذي افعله هنا؟ كان يجب ان أكون في المنزل مع اولادي، حيث أتولى رعايتهم.» طلب منها المترجمون الآخرون ان تختار اسما اميركيا. اطلق احدهم على نفسه اسم (ستايلز) والآخر (ترافيس). لكنها اختارت اسم (سارة) كونه اسم ابنة أخيها، وقد استعملنا هذا الاسم في هذا المقال حفاظا على سلامتها. وسرعان ما وجدت نفسها ترتدي البذلة العسكرية الخضراء وتمشي عبر المماشي الحصوية للحاق بقافلة سرية (الفا) التي يقودها الكابتن بيل هيجينز، وهي إحد تشكيلات فرقة المشاة الأولى، تلاشت شخصيتها السابقة، وهي المرأة التي ترتدي عقدا على شكل القلب حول رقبتها، مع تلاشي اسمها الحقيقي. أثارت سارة إعجاب الكابتن بيل في قدرتها على استدراج الناس للتكلم بحرية في الاجتماعات مع المخبرين وشيوخ العشائر، وحتى عبر الهاتف. ولم يمض وقت طويل حتى طلب منها هيجينز ان ترتب الاجتماعات وتساعد على إيصال مصادر المعلومات الى القاعدة بحيث لا يلاحظهم المسلحون ورجال الشرطة المحلية على السواء. وجاءت اخباريات عن المليشيات في المنطقة، وكيف ان رجالها قتلوا الناس، وزرعوا القنابل، وأداروا عمليات الابتزاز. طلبت سارة ان تـُمنح المزيد من الوقت للتحدث مع الناس في الشارع. وقامت بتسليم رقم هاتفها اليهم لغرض تستلّم المعلومات حول مواقع القنابل التي تزرعها المليشيات مستهدفة القوات الأميركية. يتندر هيجنز بانه توجب عليهم ان يطلقوا عليها لقب (المرأة الحديدية.) وشاركت في التحقيقات مع المعتقلين. وهي تفاخر بانها دفعتهم لذرف الدموع: «كنت أتحدث معهم عن عوائلهم وأبنائهم، وانهم شبان يافعين، فمن سيتولى رعاية أولادهم وزوجاتهم. وان احدهم سوف يحل محلهم.»اخبرها بعض مخبري سرية (الفا) ان مقاتلي المليشيات عرفوا هويتها، وانهم ينوون قتلها، لكن ذلك زاد في عزيمتها. تقول: «انهم ليسوا سوى جرذان يختبئون في الحفر. لو كانوا رجالا شجعانا حقا دعني أواجههم.» قبّل السجناء فردتي حذاء سارة العسكري، في بعض الأحيان، متوسلين اليها لتساعدهم. وقامت في احد الاجتماعات العامة بنزع نظارتها الشمسية وخوذتها وسترتها الواقية من الرصاص، ما ادى الى صدمة لدى زعماء العشائر لاكتشافهم جنسها. تهامسوا بينهم: «انها امرأة، انها امرأة». وبدأت في تحدي زوجها، في منزلها، الذي تواتر شجاره معها وأمرها بان تبقى في البيت. تقول عن ذلك: «بدأت في الابتعاد عنه وعدم التكلم اليه لانه جرح شعوري». ووصل الأمر الى حد ان يتدخل الكاتبن بينهما، في بعض الأحيان، لتهدئة الخواطر.تتذكر ذلك بالقول: «ساعدني الكابتن هيجينز على تجاوز الكثير من الأمور السيئة في حياتي. لقد رأى شيئا لدي. وكان يقول لي: (سارة، انت امرأة ذكية ولديك موهبة للقيام بأشياء كثيرة)، وقد علمني ان أكون صبورة. وربما عملني أيضا ان أكون قوية لانه كان رجلا قويا.» غادرت سرية الكابتن هيجينز العراق اواخر عام 2007، لكنه اخذ منها وعدا بالبقاء والعمل مع الكابتن مايكل باريمان والجوقة الآخرين من الضباط من سرية (تشارلي).أحب باريمان ان يغيظها بشأن هيجينز. كان يقول لرجاله: «اسألوا المترجمة من أحبت اكثر، انا ام الكابتن هيجينز،» وكانت سارة تجيب: «بالطبع، انه الكاتبن هيجينز خاصتي.»أضحت القاعدة منزلها الآخر. تستقيظ عند شروق الشمس، تؤدي صلاتها في غرفتها، تشرب قهوتها بالحليب، ومن ثم تتجول في ارجاء مركز القيادة تتحدث الى ضباط الصف. وفي احد هذه الصباحات تلقت مكالمة وهي في القاعدة العسكرية: «مات ابو مصطفى»، لم تفهم ماذا كان يقصد المتصل.صرخت سارة وبكت حتى جلب صياحها ضابطاً أميركيا اليها، فما كان منه الا ان أمرها بان تغيّر ملابسها العسكرية الى الملابس المدنية وتذهب الى بيتها لتكون مع ولديها. ومع انها لم تقدر على نسيان الشجار الدائم بينهما، الا انها خشيت ان يكون زوجها قد قتل بسببها. الاعتقال: أيلول 2008 «سارة، ما عليك إلاّ أن تخبريهم بالحقيقة» كانت تلك هي الكلمات الأخيرة التي سمعتها من باريمان في نهاية العملية التي كان من المفترض ان تكون تحريا امنيا دوريا. وبهذا، لم تعد تلك المرأة التي ساعدت على تنظيف جنوب شرقي بغداد، بل متهمة بالتجسس لصالح المليشيات، وضاعت في متاهات المعتقلات الأميركية والعراقية.وتم استجوابها على مدى ثمانية أيام حول شبهة علاقتها بالمليشيات، وقيل لها انها لن ترى أولادها مرة ثانية ابدا.تركز في حديثها على المعلومات التي تلاها عليها المحقق، حول الإفادة التي وقعها عراقي غير مُعرّف يتهمها بتهريب المعلومات الى المليشيات، وانها أساءت الترجمة عن عمد في الاجتماعات، وانها ساعدت رجال المليشيات على ان يصبحوا عناصر في فرق مراقبة الإحياء السكنية (مجالس الصحوة) التي تدعمها الولايات المتحدة. شعرت بالألم العميق، وهي تعجب كيف يمكن لهؤلاء الجنود الذين عملت معهم على مدى شهور ان يصدقوا هذه الادعاءات.وتتساءل: «كيف لي ان أساعد المليشيات الذين فجّروا زوجي.. الذين قتلوا زوجي، وجعلوا أولادي ايتاما؟ كيف يمكنك ان تتصور اني يمكن افعل هذا؟»تسترجع الأسماء في ذهنها وهي تحاول ان تجد من يمكن ان يكون قد نشر هذه الشائعات وخانها.وشاهدت برنامج أوبرا مع رفيقتها في مركز الاعتقال، ومن ثم بدأت أحلام اليقظة تروادها. تقول بتأمل: «اوبرا، سوف اكتب لك قصتي لكي ارى ما يمكن أن تفعلي لأجلي.»طلبت من ابنها مصطفى، وهو صبي خجول تتدلى جذيلته على جبهته، عبر الهاتف ان يأخذ مبلغ الـ20,000 دولار الذي خبأته في حقيبتها اليدوية بغرفتها في القاعدة، وهو المكان الذي اعتقدت انه الأكثر امنا في بغداد لكي تضع فيه مقتنياتها. وحينما استعاد مصطفى تلك المقتنيات لم يجد المال.ومضى شهران قبل ان تمثل سارة أمام محكمة عراقية، حيث سألها القاضي كيف تعرفت على رجال المليشيات. أوضحت انها التقت عناصر المليشيا برفقة الجنود الأميركيين، والذين التقطوا صورا معهم. وسرعان ما رفض القاضي القضية المتهمة بها. لكن محاميها العراقي أراد المزيد من المال من عائلتها فتماهل في إكمال أوراق الإفراج عنها، ولما لم يتم توقيع أوراقها أرسلها الأميركيون الى سجن عراقي للنساء.كان سجن الرصافة هو «الدرك الأسفل من النار»، فقد أقامت سارة في غرفة مع قرابة مئة من النسوة الأخريات، بضمنهن مجرمات ارتكبن اعمال الاختطاف والقتل، كانت هناك عصابة (باتا)، وهو الاسم المشتق من سيارة التيويتا الحمل التي كانت تستخدم لنقل الجثث اثناء الحرب الأهلية، وعصابة (ليما)، وهو اسم سجينة حملت في السجن من سجانها في معتقل سابق. وبعد مرور شهر من الزمان، أنهى محام آخر أوراق الإفراج الخاصة بها. ولم تستطع سارة النوم ليلة الإفراج عنها، وبقيت يقظة حتى الفجر.ولما كانت ما تزال غاضبة، فقد قامت بكتابة رسالة الكترونية الى باريمان تسأله لماذا تركها لمصيرها، ولماذا لم يفعل شيئا عندما سُرقت نقودها. وكان هذا الضابط قد أوصى بمنحها حق الهجرة الى أميركا قبل أشهر معدودة فقط من مصيبتها، اما الآن فقد فقدت وظيفتها، كما فقدت فرصتها في الذهاب الى الولايات المتحدة. وقالت في رسالتها الى الكابتن: «عليكم ان تسألوا أنفسكم: هل تعرض أي منكم الى الأذى حينما عملت معكم؟ انا واثقة انكم تعرفون الإجابة.»لكن رسالتها الالكترونية عادت إليها بدون ان يتم إيصالها (وهو ما يحدث عند تغيير عنوان المرسل اليه.) وقال باريمان لاحقا في مقابلة صحفية انه يتمنى لو كان فعل المزيد من اجلها. لكن لواءه كان منشغلا جدا في العودة الى أميركا حينما جرى التحقيق مع سارة. وأضاف باريمان انه لو كان بإمكانه ان يقول لها أي شي «فاني أريدها ان تعلم انها ساعدتنا كثيرا، وانها إنسانة غاية في الطيبة، واني آمل ان تبقى آمنة وان تجد الأمان لشخصها ولولديها.»من جهة أخرى، قال متحدث باسم الجيش ان التحقيقات لم تتوصل الى أي دليل على وقوع سرقة. بدأت سارة رسالتها الى اوبرا، حينما جلست لكتابة الرسالة، راودتها شجون وذكريات كل لحظة من السنتين الماضيتين، وأخيرا أرسلت تلك الرسالة. لكن اوبرا لم تجبها ابدا. الحياة الجديدة: شتاء عام 2009 قررت سارة ان تنهي دراستها للحصول على درجة جامعية في اللغات الأجنبية التي تركتها قبل سنوات عدة، ومن ثم الحصول على عمل مدني من خلال تلك الشهادة. كانت تحضر قاعات الدراسة جنبا الى جنب مع طلاب يبلغون عشرين عاما من العمر، وعانت كثيرا من قواعد اللغة. لكنها كانت مصرة على إكمال دراستها.تقول، وهي تحمل كتابا تحت ابطها: «لقد تعبت من البكاء.»وهي عازمة على ان تظهر قوتها لأبنائها. وفي ليلة عيد الأضحى، كانت العائلة تجلس في غرفة المعيشة حينما ناح ابنها الأصغر، باقر، لان اباه طالما أعطاه نقودا (عيديه) في هذه المناسبة.فعلت سارة كل ما كان باستطاعتها: ضمته في حضنها الى ان جفت دموعه. عن/ لوس أنجلس تايمز

 
   
 


 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced