في كل مكان من دول العالم توجد " سيدة أولى " لها من النشاط اليومي الاجتماعي ما يثير الإلماح والإلماع والإشارة إلى أن هذه السيدة الأولى لها دور مستقل عن دور زوجها الرئيس أو الملك أو الأمير فهي تتخصص بالكفاح من اجل أن تنمو حولها وبيديها حديقة وطنية واسعة فيها أشجار رائعة المنظر بديعة الأزهار مقدمة عطاء براعمها المتنوعة إلى مختلف أبناء وبنات الشعب .
غير أن بلاد الرافدين لم تجسر فيها ، حتى الآن ، أية غرسة حقيقية جميلة في حديقة القصر الجمهوري تقوم بها سيدة عراقية أولى ولا حتى ثانية ولا حتى ثالثة فكل سيدات المسئولين الكبار مختفيات في قصورهن لتزيينها بأرقى أنواع الجمال والأثاث والطعام حسب ..!
في العهد الصدامي البائد كانت السيدة العراقية الأولى مختفية وراء الاهتمامات اليومية الباذخة بموضة الملابس والماكياج وتزيين الحلي والجواهر واللآليء وأنواع طهي الطعام والأثاث وغير ذلك من توافه القصور . هذه السيدة الأولى عفا عليها الزمن بعد سقوط قصور الدكتاتورية عام 2003 وصارت نسيا منسيا كلاجئة مسكينة في هذا البلد أو ذاك من البلدان المضيفة بعد أن تبددت كل مباهج حياتها تلاحقها لعنات حلت على زوجها طوال حياته وبعد مماته .
حين هبطت شمس الديمقراطية الجديدة على القصور الجمهورية العراقية بعد نيسان 2003 لم تتألق حتى الآن سيدة عراقية أولى ولا حتى نائبتها الأولى ولا نائبتها الثانية ولا الثالثة فكل السيدات العراقيات الأول صامتات على نحو غير متوقع فلا نشاط خيري ملموس ولا نشاط اجتماعي محسوس رغم ثقتي أنهن جميعا يحملن في أعماقهن نوايا طيبة لخدمة شعب العراق ونساء العراق وأطفال العراق لكن التقديس الذكوري الفطري الذي ما زال سائدا في بلادنا وفي قصور القادة الساسة يحتم على السيدات الأول جميعهن مطاوعة المسئولين السادة والبقاء في القصور والمقاصير منعزلات عن المجتمع وعن الناس بعيون مغمضة تماما عن مشاكل المرأة العراقية ومنشغلات بأمور الولائم والطعام بينما نجد مثالا رائعا تقوم به سيدة فرنسا الأولى المدعوة كارلا بروني ساركوزي التي كانت وما زالت منذ صيرورتها سيدة أولى كتلة من النشاط بين العمال الفقراء والفنانين والشباب والنساء والأطفال تكشف كل يوم عن وسائل جديدة لكي تبقي شعلة الإبداع الإنساني الفرنسي متقدة لأنها تعتقد أن بقاء الشعلة متقدة هي الوسيلة الوحيدة للتقدم الإنساني .لقد أعلنت يوم أمس إنها قررت إنشاء مؤسسة خيرية كبرى في فرنسا لمكافحة أمراض الايدز والسل والملا ريا في كل مكان من العالم الثالث . هذه السيدة الفرنسية الأولى صارت مثالا نموذجيا للمرأة الفرنسية المكافحة فلم تنشغل بأمور قصر الاليزيه وهو من القصور العالمية الرومانسية الساحرة ولا شأن لها مطلقا بما يحتويه من مطابخ يصل عددها إلى 80 مطبخا ولا شأن لها بإدارة القصر الذي يعمل فيه 957 موظفا . كما لم تشغلها مكانتها الموسيقية وحرفتها الغنائية عن تقديم خدمة مباشرة لأبناء شعبها وأبناء الشعوب الفقيرة في أفريقيا واسيا .
متى نرى مبادرة عراقية مماثلة لمكافحة أمراض السرطان والحصبة والملا ريا والكوليرا المنتشرة في أنحاء مختلفة من العراق ..؟
متى نسمع عن مبادرة صادرة من القصر الجمهوري تقوم بها سيدة العراق الأولى أو الثانية أو الثالثة لرعاية الأرامل واليتامى والمعاقين والشيوخ العاجزين وهم بالملايين ..؟
متى تبادر سيدة العراق الأولى ، وهي امرأة مثقفة متعلمة مناضلة ، لرعاية ثقافة أبناء وبنات شعبها ورفع الظلم عن المثقفين والفنانين .
أنها مجرد أسئلة أتمنى أن لا يتعرض رجال الحاشية في القصور الجمهورية العراقية الحالية إلى تشويه المقصود منها .