لم تبدأ العطلة الصيفية بعد حتى بدأ طلاب المرحلة الاعدادية خصوصا الصف السادس الاعدادي بالتسابق من أجل الحصول على مقعد دراسي في أحد مراكز التقوية الاهلية والمعروفة بين الطلاب فالاعداد تكون محددة بسبب شهرة بعض مدرسيها والتي تمكنهم من فرض المبلغ المالي الذي يريدونه على المركز او المعهد الأهلي الذي يرغب بالتعاقد معه كما ان هذه المراكز تساهم بصورة غير مباشرة في رفع اسماء بعض المدارس من خلال تحقيق نسب نجاح للطلاب الذين يأخذون دروسا في تلك المعاهد. المفارقة ان دروس التقوية التي كانت تعطى للطلاب بسبب ضعف مستواهم الدراسي في بعض المواد تحولت الى دروس خصوصية انتهى بها الأمر الآن الى معاهد تقوية مجازة من قبل وزارة التربية، التي يفترض عليها متابعة المدرس والمعلم والطلاب بدل تشيجع تلك الظواهر التي تعزز الطبقية .
استمارة بيانات بـ(10) آلاف
رافقنا رحلة البحث عن مركز التقوية لعائلة الطالبة ميساء محمد السادس الاعدادي - قسم الاحيائي حيث كانت المحطة الاولى منطقة السيدية الشارع التجاري ولانريد ذكر اي أسم من مراكز أو معاهد التقوية حتى لانتّهم بتشويه سمعتها، وبعد الاستفسار عن مكان المعهد الذي كثر الحديث عن شهرة اساتذته وصلنا بسلام ودخلنا الى البناية التي كانت عبارة عن بيت متكون من طابقين بناءه قديم، الحديقة وضع فيها كرفان مساحته لاتتعدى الاربعة امتار ومجهزة بجهاز سبلت وعدد من المقاعد الخشبية (الرحلة المدرسية) اضافة الى لوحة الكتابة السبورة، وماان دخلنا الباب الداخلي استقبلتنا امرأة كبيرة في العمر ويجلس بجوارها رجل في العقد الرابع من العمر قالوا تفضلوا- طبعا – فقلنا نريد تسجيل الطالبة ميساء في المعهد ومعرفة أوقات المحاضرات وهنا اخرجت المرأة ورقة قالت استمارة بيانات وهذه سعرها (10) الاف دينار لأنها لوزارة التربية!
أربعة ملايين دينار فقط!
دفعت فورا وكانت الاستمارة عبارة عن حقول تتكون من الاسم، اسم المدرسة، المواد الراغب أخذ دروس تقوية فيها ومن ثم توقيع الطالب، واثناء ذلك طرح اقتراح من الرجل الذي كان يجلس بجانب المرأة بانه توجد خطوط نقل لكل مناطق بغداد والسعر حسب الرقعة الجغرافية وموعد المحاضرات وقبل المغادرة سألنا كم تكون اقساط اربعة مواد دراسية ، الاجابة كانت سريعة طبعا من المرأة والرجل الجالس بقربها وكأن جلوسهم خصص فقط للاستقبال الطلاب وعوائل للتسجيل حيث الاثنان قالوا وبصوت واحد اربعة ملايين دينار فقط واكمل الرجل الكلام قائلاً: عدا اسعار الملازم التي يقوم الاساتذة بتوزيعها على الطلاب في المعهد. بعد ايام حاولت العائلة تغيير المعهد لأن اصحاب الخطوط يريدون مبلغ (300) الاف دينار لان أوقات المحاضرات مختلفة في كل ايام الاسبوع .
جباية لوزارة التربية
المحطة الثانية كانت التوجه لاحدى مراكز التقوية في المنصور والذي يمكن الاستدلال عليه من اللافتات المعلقة في الشوارع وقرب المنصور مول علقت لافتة كبيرة على طول الشارع الرئيس تشير الى مكانه وامكانية التسجيل خلال فترة اسبوع فقط فالاعداد محدودة علماً ان اللافتة كانت تشير الى وجود اسماء اساتذة معروفين بين الطلاب بكفاءتهم العلمية في ايصال المادة الدراسية للطلاب ، تم فعلا الاتصال عبر الموبايل بادارة المعهد التي طلبت الحضور يوم الجمعة التاسعة صباحا من اجل معرفة التفاصيل لكن قبل ذلك لابد من تسجيل الاسم الذي يرغب بالانتماء وفعلا ذهبنا يوم الجمعة ، كان يختلف عن المعهد السابق حيث كان ترتيب البناية على شكل بناية مدرسة صغيرة ومرتبة بشكل يعطي انطباعا وقبولا للطالب والعائلة لكن في البداية لابد من دفع مبلغ (25) ألف دينار وهنا يقال ايضا لوزارة التربية اما الاسعار فقد كانت: الكيمياء ستمائة وخمسون الف، الفيزياء سبعمائة الف دينار والرياضيات سبعمائة الف دينار ومادة اللغة العربية ستمائة الف دينار اي المجموع يبلغ مليونين وسبعمائة دينار ويمكن دفعها قسط واحد او قسطين وتكمل المادة بنسبة (70%) اثناء العطلة الصيفية و(30 %) خلال العام الدراسي أما بالنسبة الى الفرع الادبي فالاسعار طبعا تكون اقل بنسبة 100 الف دينار.
ذنب اولياء الطلبة
الدكتور خليل علي مسؤول الاشراف التربوي في مديرية تربية الكرخ قال لـ(المدى): ان افتتاح مراكز التقوية يجب ان يكون تحت اشراف مباشر من وزارة التربية وهذا مايحصل فعلا ، ولايمكن التدخل في ذلك. منوها: من حق الطلاب الانتماء الى هذه المراكز واختيار الاساتذة الذين يعتقدون انهم سوف يساعدوهم في تحسين مستواهم العلمي وهي تعتبر بديلا عن الدروس الخصوصية. وما فيما يخص دورات التقوية في المدارس فقد ذكر: ان الوزارة تعمل بذلك دائما ولكن مع الأسف اولياء امور الطلاب وحتى التلاميذ انفسهم اصبحوا يبحثون عن من يأخذ منهم المال وليس يعطيهم العلم.
ترحيب بالفكرة ولكن ؟
التربوي محمد عبد الرحمن رحب بفكرة انشاء مراكز تقوية للطلاب معتبرا ان ذلك شي رائع ومهم. مستدركا: لكن يجب ان تكون من اجل رفع مستوى الطلاب وتحقيق مستويات نجاح عالية وليس من اجل المال والربح. متابعا: كما يجب ان تكون الأجور رمزية في حالة كانت دروس التقوية تحت اشراف وزارة التربية.
واسترسل عبد الرحمن بحديثه لـ(المدى) كل شيء في العراق اختلف حتى وصل الى العملية التربوية التي يفترض ان تكون في أعلى الهرم. لافتا: ان التعليم اصبح عند البعض من التدريسيين تجارة رابحة. مضيفا: لذلك نجد انتشار مراكز التقوية والمعاهد المجازة من الوزارة نفسها مقابل حصولها على نسبة معينة في حين يكون وارد هذه المعاهد الملايين سنويا.
الاساءة الى التعليم
فيما تساءل خلدون حسين ولي أمر طالب نجح من الخامس الى السادس الاعدادي قائلاً: لماذا لاتقوم وزارة التربية بعمل دورات تقوية للطلاب في مدارسهم. مردفا: لكنها وان فعلت ذلك سيكون المستوى متذبذبا والاساتذة يأتون وهم يحملون الطلاب فضلاً. مبينا: لو كان المعلم او المدرس يبذل جهدا ويساعد الطلاب على استيعاب المادة ويلخصها لهم مثلما يفعل عندما يعطي الدروس الخصوصية لما وصل حال التعليم في العراق الى هذا الحال.
وبشأن اقتراح حسين بأن تقوم وزارة التربية بعمل دورات تقوية ، ذكرت والدة الطالبة فرح سامي السادس اعدادي: ان اغلب الطلاب والطالبات لايرغبون بذلك بسبب معرفتهم بمستوى مدرسيهم وطريقة تدريسهم وحتى سلوك بعضهم. موضحة: ان هذه المعاهد باتت من وسائل الربح السريعة اسوة بالمدارس الأهلية التي اخذ الكثير منها يتعامل مع الخريجين الجدد بسبب عدم توفر فرصة التعيين لقاء مبالغ زهيدة قياسا بما يطلبه الاستاذ المتمرس وصاحب الخبرة. مشددة: ان اغلب العوائل تريد جني ثمار تعب السنين لذا تضطر لدفع الملايين لاجل نجاح ابنائهم.
أرباح وأجور سنوية لوزارة التريبة
مدير مركز تقوية المنار عبد الحسين جاسم تحدث لـ(المدى) عن تجربة المعهد وما قدمه قائلا: ان جميع مراكز التقوية تخضع لإشراف كامل من جانب وزارة التربية ومديرية التعليم الأهلي والتي تعطي اجازة للمعهد. مشيرا: الى ان المعاهد تدفع اجورا سنوية للوزارة مقابل فتح هذه المعاهد. لافتا: الى تواصلها المستمر مع الوزارة وباشراف مباشر لمعرفة حسن سير العمل الإداري والفني والتنسيق مع مشرفي المراكز والأخذ بكل الملاحظات التي ترفعها اللجان المشرفة. واضاف جاسم: ان المعاهد توفر أساتذة اكفاء لذا تجد الطلاب ينتمون اليها. مبينا: ان بعضهم يتمتع بطريقة تدريس مميزة تبسط المادة وإعادة شرحها بسهولة ولأكثر من مرة حتى تصل الى درجة الاستيعاب. مشددا: ان مراكز التقوية جاءت عاملا مساعدا للطلاب. مستطردا: ان المعاهد تعتمد في التعاقد مع المدرسين بناء على سمعتهم بين الطلاب، لذا يطلب بعضهم اجراً كبيرا. عازيا سبب ذلك ان مجرد الاعلان بانه يشارك بإعطاء المحاضرات في المعهد كافية لجذب الطلاب وتحقيق ارباح مادية. منوهة: الى ان بعض الاساتذة افتتحوا مراكز تقوية ايضا فالمشروع مربح.
ومن لايستطيع ان يدفع
الدروس الخصوصية ومراكز التقوية الأهلية تنهتك ميزانية العائلة العراقية بشكل كبير وكل ذلك يعود الى التعليم في العراق الذي اصبح التربوي لايهتم الى كيفية ايصال المادة العلمية بشكل مبسط ومفهوم انما يعتبر التدريس وسيلة لضمان الحصول على التقاعد بعد اكمال الخدمة الوظيفية ويحصل على المال من اعطاء الدروس الخصوصية والاشتراك في مراكز التقوية التي يبذل كل مايستطيع من جهد لشرح المواد التدريسية وتقديم الملازم ووسائل الايضاح لكن المتضرر من ذلك هم التلاميذ الذين لايستطيعون دفع الملايين للانتماء الى مراكزهم او حتى الحصول على محاضرة واحدة منهم مجانية حيث تقول اسماء اسماعيل ان لديها اولاد في المرحلة الاعدادية وانها تحاول شراء ملازم لهم لاساتذة معروفين لتساعدهم في فهم المواد الدراسية فلا يمكن دفع الملايين لحصولهم على دروس خصوصية فتقاعد والدهم الذي نحصل عليه بالكاد يكفي لتوفير متطلبات الحياة. موضحة: حقيقة التعليم في العراق تجارة وليس علم فلو كان الاساتذة يملكون ضميراً لقدموا للطلاب كل مايستطيعون من شرح للمواد التدريسية داخل المدرسة وهم يتقاضون رواتب لقاء ذلك. متسائلة: لماذا لاتقوم وزارة التربية بفرض جداول تدريسية اسبوعية على التدريسيين باعطاء محاضرات تقوية وباشراف مباشر منها. مستدركة لكن مع الأسف الوزارة هي من تشجع على ذلك فالمدارس الاهلية انتشرت بشكل كبير والطلاب ينجحون بدفع الاقساط ولايفهمون شيئا وبعضهم يشتري الاسئلة.
يوما الجمعة والسبت
اتصلنا بالمتحدث الاعلامي لوزارة التربية هديل العامري مرات عدة رغم ان الاتصال كان في يوم دوام رسمي لكن دون اجابة ومن ثم اتصلنا بالاستاذ إبراهيم سبتي الذي اجابنا مشكورا ان هذه المعاهد تكون من ضمن عمل مديرية التعليم الأهلي وهي تابعة لوزارة التربية وساعدنا في اتصلنا بمديرة التعليم الابتدائي العام والاهلي شهرزاد مصطفى حيث قالت ان هناك دورات عدة قامت بها المديرية بعد أخذ موافقات من وزارة التربية لاشغال البناية المدرسية يومي الجمعة والسبت اضافة الى التزام الطلاب واولياء امورهم بالحضور فضلا عن الكوادر التدريسية التي ساهمت بشكل كبير بانجاح الدورات وهناك كتب شكر توجه الى المدارس التي تقوم بعمل الدورات لرفع مستوى الطلاب.
رسوم التجديد فقط
فيما أكد مدير التعليم الأهلي والاجنبي عمار هاشم: ان المعاهد التي تريد فتح مركز تقوية تقدم طلبا رسميا الى المديرية على ان يكون المؤسسون 3 اشخاص احدهم يحمل شهادة جامعية أولية وتربوي والاثنان الاخران شهادتهم لاتقل عن البكالوريوس. مبينا: ان الوزارة سمحت ان تأخذ هذه المعاهد ماتحدده من الأجور ولادخل لوزارة التربية بذلك اضافة الى انه لايسمح لاي مركز أهلي أو معهد ان يقوم بأخذ مبلغ من الطلاب على أنه لوزارة التربية ومن يفعل ذلك يحاسب بالقانون. موضحا: ان الأجور التي يأخذها المعهد من الطلاب لادخل للوزارة فيها وفقط تأخذ من هذه المراكز أجور المنح والتجديد ، أما فيما يخص المعاهد او المراكز الحكومية والتابعة الى وزارة التربية فيكون هناك رسوم رمزية تستوفي من الطالب.