لست من يعرِّف الماءَ بعد الجهد بالماءِ ، لكن الامر يفرض نفسه كما يبدو هكذا ، فأغلب السياسيين العراقيين الان يرفعون يافطات الرفض لكل أشكال المحاصصة . خاصة السيد نوري المالكي الذي صار وفي أكثر من مناسبة يهاجم وعلنا التقسيم المحاصصي للسلطة ويرفض الطائفية بكل اشكالها ، لكن سؤالا هاما يبرز هنا : لولا التقسيم المحاصصي للسلطة هل كان السيد المالكي قد صار رئيسا للوزراء ؟ وحتى إنتخابات مجالس المحافظات والتي فازت قائمة السيد المالكي بأغلب مقاعد المحافظات الوسطى والجنوبية فأن هذا الفوز لم يخرج عن إطار التقسيم المحاصصي للسلطة ولا عن الطائفية السياسية المقيتة . وإلا لماذا لم تفز قائمة السيد المالكي بأي مقعد في محافظة الانبار أو صلاح الدين على سبيل المثال لا الحصر ؟
بل إن برنامج وإسم قائمة السيد المالكي يستند على منجزات سلطوية لاغير ولم يرتق الى برنامج يحمل مضامين فكرية وتوجهات تستند الى فلسفة سياسية أو ماشابه ذلك ، والسلطة لم تأتِ للسيد المالكي لجهده السياسي او الفكري الفردي بل جاءت نتيجة محاصصة طائفية واستعصاء في قائمة طائفية جعلت منه رئيسا للوزراء ، وينسحب الامر نفسه على قوائم من طرف اخر فقائمة السيد صالح المطلك ليس لها اي نصيب في محافظة النجف او كربلاء ، والسيد المطلك من اكثر المهاجمين شراسة للطائفية وللمحاصصة عموما ، لكن الحياء يبدو قد اسقط نفسه عن وجوه هؤلاء الساسة فيقولون ما يشاؤون دون ادنى رادع .
والمحاصصة هي نفسها وراء جعل مفوضية الانتخابات غير مستقلة ، ذلك إن أعضاءها جميعا جرى إختيارهم على اساس التقسيم المحاصصي للسلطة ، ورغم كل الخروقات التي بانت امام الجميع من لدن ممثلين لقوائم طائفية فأن المفوضية لم تنبس ببنت شفه إزاء كل ما حدث ، أليس وضع إسم الحسين (ع) على كل اليافطات الاعلانية لاحدى القوائم خرقا لقواعد اللعبة الانتخابية ؟ ألم يرَ احد من أعضاء المفوضية لافتة أو إعلان من تلك ؟ أم إن العين تغفل عن أي إساءة لأبناء الطائفة وممثليها أم ماذا؟ وايضا لماذا قبلت المفوضية بظهور السيد عبد العزيز الحكيم في يوم الجمعة يوم الصمت الاعلامي قبل عملية التصويت في قناة الفرات التي يملكها مروّجا لقائمته ولم تشر لا من بعيد ولامن قريب لذلك على إنه خرقا للقواعد التي وضعتها هي نفسها ، حتى ولو من باب ذر الرماد في العيون فأنا اقبل ان اغمض عيني بحفنة رماد انتخابي واعلل نفسي بأن المفوضية فعلت ماعليها أو على الاقل ما تستطيعه .
المحاصصة هي نفسها ايضا التي جعلت مفوضية النزاهة غير نزيهة ، فرغم كل الحديث العلني الصارخ عن الفساد الاداري والمالي في اجهزة الدولة ، ورغم معرفة الناس بكل رموز الفساد وسراق ثروات العراق ، فإن مفوضية النزاهة لم تعلن الى اليوم خطوة واحدة بإتجاه هؤلاء ولم تستطع ان توقف ولا حتى عشرة بالمئة من نزيف الفساد المالي والسرقات العلنية والمكشوفة ، بل ان مفوضية النزاهة لم تستطع ان تقول لرئيس وزراء سابق من اين لك هذا؟ فالرجل لم يكن يملك قبل ترؤوسة وزراة العراق اي مورد مالي وكان يقتات على المساعدة الاجتماعية التي تقدمها حكومة الدولة المقيم فيها كلاجئ للاجئين على اراضيها وهي بالكاد تكفي سد الرمق ، لكنة يصرف الان كما يقول المثل العراقي( بلا وجع كلب ) فهو المتبرع الاول للمواكب الحسينية، وهو الموزع الاكثر لرشاوي شراء الاصوات الانتخابية ، وكما يقال هو المالك الاوحد لمجموعة شركات كبيرة في الامارات ، وهو الداعي دائما للاصلاح والنزاهة ، لكنه لم يثبت ذلك على ارض الواقع ابدا . فهل ان مفوضية النزاهة مصابة بعمى ولاترى مايجري ام انها صمّاء بكماء لاتسمع ولاتتكلم ؟؟
المحاصصة هي نفسها وراء كل الاستعصاءات التي حدثت وتحدث الان في مجمل العملية السياسية في العراق ، فلماذا هذا التأخير في اختيار خلفٍ لرئيس مجلس النواب الطائفي المحاصصي المستقيل محمود المشهداني ، رغم وجود اكثر من مرشح وبعضهم من خارج اطار التقسيم المحاصصي . ورغم تشدق البعض بتجاوز الطائفية ومحاصصتها ، الا إن أحدا من دعاة رفض الطائفية بما فيهم السيد المالكي نفسه لم يخرج عن الرغبة في إختيار شخص آخر من خارج كتلة رئيس البرلمان السابق ذات التوجه الطائفي المكشوف ، فأين إقتران الفعل بالقول ؟ أم إن القول مجرد إستهلاك دعائي لاغير ؟
إن المحاصصة الطائفية التي شلت العملية السياسية منذ ستة اعوام وماتزال وانجبت دستورا أعرج كأجمل توصيف ، ستبقى تشل كل مفاصل الحياة العراقية وفي كل المجالات ، ولابد من تشريعات اولا وافعال ثانيا ترتقي على المناصب الطائفية وتعطي كل ذي حق حقه بدون اي تمييز في الاختيار للمنصب على اساس الإنتماء الطائفي أو العرقي وتلك أولى الخطوات بإتجاه تصحيح مسار العملية السياسية ، من أجل غدٍ أفضل لعراق آمن مستقر .
كتب بتأريخ : السبت 14-02-2009
عدد القراء : 3530
عدد التعليقات : 0