بمناسبة الذكرى الثانيه والخمسون لثورة الرابع عشر من تموز
وددت ان انقل بعض المقتطفات مما ذكره الشاعر محمد مهدي الجواهري
في مذكراته عن الثوره وعن شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم
يقول الجواهري في مذكراته
لقد كتب الكثيرون عن ثورة 14 تموز وكان كل واحد منهم انما يكتب وفق اهوائه
ومواقفه ومصالحه من هذة الثوره وزعيمها
ولانني واحد من شهود العيان فيها لاسيما اني عشت وشاركت وتفاعلت مع
احداثها وبخاصة مع زعيمها ابان الثوره وقبلها بعشر سنوات واكثر من ذلك فقد كنت الوحيد الذي
قرأ الفاتحه عليها وانا اسمع اسماء الوزراء في الوزاره الاولى بعد الثوره
صحيح اني لا اكتب بمنهجية المؤرخ ولكني اكتب برؤية من وحي الاحداث وقناعة من شارك فيها
وتحليل من خبر خلفياتها لذا وجدت لزاما علي ان اعيد كتابة التاريخ بوقائعه وحقائقه
ان الفترات الحرجه التي سبقت الثوره والتي كان نوري السعيد يهيمن فيها
على الحياة السياسيه بشكل غير مسبوق
وقد خلق تلك اللعنه الموروثه التي اعجزت خلفائه عن اتباع سياسه خاصه بهم
فقد كان حكمه استبداديا قضى على كل نشاط سياسي واعتمد في ذلك على اجهزة الامن
والتحقيقات الجنائيه السيئة الصيت مقللا في ذلك من شان السخط الشعبي
ونيجة الوضع السياسي والاقتصادي المتردي للشعب العراقي ولدت جبهة الاتحاد الوطني
من اربعة احزاب هي
الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي وحزب البعث وحزب الاستقلال
هذه الجبهه التي ساعدت على انضاج فكرة الثوره وقبلها تشكلت حركة الضباط الاحرار
وكان عبد الكريم قاسم احد اعضائها وبعد ذلك رئيسا لها
في اخر ساعات صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958 دخل عبد الكريم قاسم
العاصمه بغداد بوصفه القائد غير المنازع للثوره ورئيس الحكومه واتخذ من وزارة
الدفاع مقرا له
ومنذ اللحظات الولى لولادة الجمهوريه الجديده رحت ابارك ما كنت اعتقده انه خلاصا
وما كنت احسبه انهاءا تحرريا
لقد كان ما كان من محض اعتقاد عابر ولكن هل يمكن ان ينقذ الاعتقاد والتكهن موقفا
ويضيف الجواهري
ليتني بقيت في قضاء علي الغربي لكنت بقيت في منجاة من محاكمة الضمير
صحيح ان الذي كان يجمعني بعبدالكريم قاسم هو رباط قوي يمتد الى سنوات قبل الثوره
وصحيح ان عبد الكريم نفسه كان صادقا معي كل الصدق وامينا كل الامانه في
الحفاظ على تلكم العلاقه
ولكن هل كانت النتائج بمستوى المقدمات وهل اثمرت هذه العلاقه ما كنت اتمناه
للثوره ومسيرتها وهل جرت الرياح بما تشتهي السفن
ويقول الجواهري
سوف اتطرق هنا الى شخصية عبد الكريم باعتباري اكثر العارفين به
لقد كان عبد الكريم مصابا بمرض شبه عضال والذي شاءت الصدف
ان اكون اول الشاهدين عليه في لقائي معه في لندن قبل عشر سنوات من
الثوره حيث كان يعرض امامي فحوص الاطباء وكشوفهم
واكثر من هذا وبعد عشر سنين من ذلك كنت من الشهود النادره على عقابيل
مرضه هذا وذلك عندما قام عدد من الاطباء السوفيت الذين استقدوا
من الاتحاد السوفيتي بشكل سري وتحفظ وقد تمت معالجته وشفي من المرض
ولكن ظلت اثاره تنعكس على شخصية وطباع وتصرفات هذا الرجل
اقول هنا وبدون فخر اني كنت اكثر الناس احتكاكا بعبدالكريم منذ الايام الاولى
من الثوره وقد تعرفت على شخصيته بشكل لا يعرفه الاخرين
ان عبد الكريم من اكثر الناس نظافة ووطنية ومن اشدهم انتماءا للفقراء
كما انه من الد اعداء الاستعمار وكان زاهدا بامور الحياة مترفعا عن
الملذات الشخصيه يملك الكثير من الذكاء
ولكنه في الجانب الاخر كان يملك ثقافة محدوده لذلك كان يشطح احيانا
في خطاباته وكان نموذجا للعناد وعدم المنهجيه وانعدام العقيده
وكراهية روح النقد والمنافسه
كل هذه الصفات ادت به الى ان يتارجح في سياسته من اقصى
اليمين الى اقصى اليسار
ونتيجة لذلك فقد وجهه ضربات موجعه للاحزاب والجماعات والافراد
الذين كانوا يمثلون الدعامه الكبرى لحكمه ومسيرة الثوره
ويمكن وصفه بانه شخصية وطنيه وكفاحيه واخلاقيه متناقضه مزدوجه
وهو لا يخلو من الرواسب والعقد
لم يكن عبد الكريم شجاعا لحد التمجيد ولا جبانا لحد الاستهانه
لقد كان فيهما كما هو في كل مفارقاته وتضارب نزعاته واهوائه
ومواقفه خليطا عجيبا ومزيجا غريبا من كل ما هو الشئ ونقيضه
ويستطرد الجواهري
خلال وجودي في مدينة علي الغربي حيث كنت اعمل مزارعا هناك
وفي ساعة الصباح المبكره من يوم 14 تموز وعندما فتحت المذياع
واذا بي استمع الى ان جمهورية جديدة ولدت في العراق وكدت اطير من الفرح
والنشوه حين سمعت النبا ولكن هذا الشعور اختفى حين سمعت اسماء الحكومه
الجديده واستطيع ان اقسم على اني قرأت الفاتحه على هذه الجمهوريه وبقيت
مستمرا في تلاوتها اياما وليالي
وخامرني شعور غريب وقرات الاحداث وما سيحصل في الايام المقبله
معتمدا في ذلك على خبرتي الطويله في الحياة واستطيع ان اترجم
مشاعري ان علاقتي بتلك الجمهوريه منذ ولادتها ولادة بائسة فاشله
متهوره بل ومسحوقه كولادة زعيمها
وصلت الى بغداد في يوم 24 تموز اي بعد عشرة ايام من قيام الثوره
بعد الحاح شديد من قبل قيادة الثوره والجهات السياسيه
لانهم كانوا يعتقدون اني ساكون اول من يبارك قيام هذه الجمهوريه
ومنذ بداية وجودي في بغداد وبعد ان عرفت ما حدث للملك فيصل الثاني
وعائلته وكيف تم قتلهم والتنكيل بهم عرفت ان هذه الثوره محكوم عليها
بالموت منذ ولادتها
لم يمض شهر على قيام الثوره حتى بدات الانقسامات تطفو على واجهة
احداثها وانعكس ذلك على القوى السياسيه داخل البلد
وكل من عاصر احداث هذه الفتره يعرف حق المعرفه كيف كانت
تسير الامور وما كان مصير الثوره والثوار بعد انقلاب 8 شباط الاسود
وما جرت من ويلات على العراق وشعب العراق
انني اقول
ان عبد الكريم قاسم بالرغم مما له من حسنات لم يخلق لكي يكون
رجل دولة لسوء حظه وحظ العراق
ومنذ ان طغى لديه حب الثأر على حكمة القرار بدأ عهده ومنذ اسبوعه الاول
بالقلاقل والاضطرابات والانشقاقات والاشارات الى ما سياتي
من مستقبل قاتم مما اوداه الى نتيجة بائسه واودى بالعراق الى
ما لا يحسد عليه
كتب بتأريخ : الجمعة 16-07-2010
عدد القراء : 3137
عدد التعليقات : 0