تحدثنا في مقالات سابقة عن بعض النشاطات الاجتماعية خاصة النسائية منهافي العقود الغابرة وبالتحديد في نهايات الحكم العثماني وبعد الاطاحة بالسلطان عبد الحميد سنة 1908 وسيطرة الضباط الثلاثة على الحكم ( انور وطلعت ونيازي ) وثم بدء الحرب العالمية الثانية 00 حيث كانت تلك الفترة هي عصر الانفتاح النسبي على العالم العربي وتوارد العديد من المنظمات الى داخل السلطنة التي كانت منغلقة على المجتمع العربي خاصة النسوي اذ كانت النساء مغيبات تماما بل ولا ذكر لهن إلا كجواري اوحريم في قصور السلاطين فقد استطاعت الشعوب العربية التململ والتحرك والقيام ببعض النشاطات والفعاليات العامة في الجمعيات والمجالس الخاصة داخل البيوت وبين العوائل المختلفة حيث بدأت ظاهرة القبولات التي نتحدث عنها في هذا المقال 00 فقد اخذ الناس يتزاورون فيما بينهم ويجتمعون ويتبادلون الاحاديث 0فقد كانت تلك الفترة حقيقة بدء عصر النهضة العربية مع ما صاحبها في بعض الاحيان من قمع وملاحقات على ايدي القادة الانقلابيون لكنه بدأت الحياة تدب في المجتمعات العربية على اختلاف مستوياتها ومنها العراق 0 وكان من مظاهر هذه الحريات النسبية طبعا بدء المجالس للرجال وظهور القبولات عند النساء وبالتحديد عند الطبقات العليا من المجتمع العراقي من داخل العوائل الوجيهة والبارزة وصاحبة النفوذ الاجتماعي او الوظيفي 00 وقد اقتصرت في البداية على الزيارات المتفرقة ثم اخذت نمطا منظما وموقوتا عند الرجال والنساء اذ يتحدد موعد لكل شخصية بارزة من الرجال يعقد فيها مجلسه كي يزوره غيره من الوجها ء في تلك المدينة وكذلك اصبح الحال بالنسبة للنساء فاخذت كل واحدة تحدد يوما تقبل فيها الزيارة لجميع معارفها وصديقاتها وتقدم فيها الحلويات والكعك والقهوة والشاي والى غير ذلك من الاطعمة والاشربة التي كانت تتواجد في ذلك الوقت وقد تحضى كل سيدة بيوم واحد في الشهر او قد تكون مجاميع الصديقات لاتكفيها ايام الشهر الواحد فقد يصيبها موعد قبولها يوم كل اربعين او خمسين يوم وهكذا كلما زاد عدد النساء المشتركات في هذا القبول تباعدت ايام الواحدة منهن وبهذه الطريقة بدأت الحركة النسوية في باديء ذي بدء ثم تطورت بعدئذ بمساعدة المنظما ت الاجنبية حتى تشكلت الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني فيما بعد 00 وقد اثرت هذه القبولات تاثيرا عظيما في خلق الوعي والثقافة العامة بين النساء لما كان يدور خلال الاجتماعات من احاديث حول ما يجري داخل المدينة والبلد بصورة عامة 00فكان القبول يمثل جمعية نسائية متكاملة مصغرة تتحدث فيه النسوة عن مشاكلهن اليومية وهي كانت السبب في دفع نساء تلك العائلات لارسال بناتهن للتعلم في المدارس التي افتتحتها بعض المنظمات الانسانية الاجنبية التي استطاعت ان تضع لها موضع قدم في العراق والتي ساعدت الى حد ما على نشر الثقافة والوعي ومحو الامية الى قدر لابأس به وعلمت عدد من الفتيات القراءة والكتابة مع كل ما كانت تحمله تلك المؤسسات من اهداف خفية لاكنها والحق يقال قد ساهمت بشكل فعال في تثقيف المرأة واخراجها من قوقعتها التي كانت تقبع في داخلها في تلك الضروف التي حرمت على المراة مسايرة الرجل في فرص التعليم القليلة التي توافرت له وخرجت العديد من النسوة اللواتي ذكرنا اسمائهن في المقالة السابقة ومنحتهن الفرص لاكمال دراستهن خارج العراق او استطعن ان يكتبن وان يصبحنا اديبات وشاعرات بل وحتى طبيبات فقد ارسلت بعضهن وعلى حسابها الخاص لاكمال تحصيلهن العالي في الدول الاوربية وقسم منهن اصبحن ناشطات في العمل النسوي ورائدات نسائية قاومن كل تلك الضروف الصعبة وهو بفضل تلك القبولات التي كانت تسمح لبعض العاملات في تلك المؤسسات الاجنبية من الاشتراك في الزيارات والجلوس في القبولات لتكوبن الكثير من علاقات الصداقة مع نساء وجهاء البلد حيث كانت تلك القبولات تعقد بشكل دوري أي في كل يوم في بيت احدى السيدات وفي اليوم الثاني ياتي دور سيدة اخرى وهكذا فقد تحضى السيدة الواحدة على يوم واحد حتى ياتيها الدور مرة ثانية وهذا يتوقف على عدد السيدات المشتركات في القبول فهو محصور كما قلنا للسيدات الوجيهات ومعظمهن زوجات المسؤولين من موظفي الدولة او التجار الكباراو الملاكين وغير ذلك فيجلسن ويشربن الشاي والقهوة وياكلن الكعك والحلويات وخلال ذلك يتحدثن بمختلف الامور 00 كما ان القاعة التي يجلسون فيها لها نظام خاص فلا تجلس الزائرات بشكل عشوائي بل فلكل سيدة مكانها المقرر في القاعة لايحق لغيرها الجلوس فيه وإلا ترفض الجلوس وتخرج غاضبة من سيدة المنزل ويكون ذلك بحسب وجاهة الزائرة فتكون الصدارة عادة لزوجة المسؤول الكبير ثم ياتي مكان زوجة شابندر التجار ثم الاقل درجة وهكذا فكان للوجاهة معيار ومقياس مراعى بشدة لايحق حتى لصاحبة البيت ان تتجاوزه فلكل واحدة درجة من الاحترام والتقدير 00 اما الفتيات الصغار فمن تقل اعمارها عن الخمسة عشرسنة لايحق لهن الجلوس في القاعة والاشتراك بالمجلس وانما يتجمعون بالصالون او في الحديقة ويلهون مع بعضهن وهذا يشمل المراهقات الغير متزوجات بالطبع اللواتي لايسمح لهن بسماع مايدور من احاديث نسائية بحتة كثيرا ما تكون مكشوفة يتندرون بها على بعضهم البعض 00 كما شاب بعض تلك المجالس خلال تلك الحقبة من الزمن أي في الثلاثينات والاربعينات وحتى الخمسينات من القرن الماضي ظواهر اخلاقية منحرفة كما اخذ يدخل في المجالس لعب الورق وعقد موائد للقمار خاصة بين نساء المسؤولين الكبار مما لايمكن التحدث فيه في هذا المقال 00 وقد كان من الزائرات المداومات على مثل هذه المجالس ( المس بيل ) السياسية الانكليزية الشهيرة فكانت تحضى بعلاقة صداقة مع العديد من سيدات المجتمع في مختلف محافظات القطر حيث كانت تحضر وتناقش مع الجالسات العديد من امور المراة واحتياجاتها ومشاكلها واشتركت معها انكليزيات اخريا ت كان انشطهن مدام كوري وهي زوجة احد المستشارين في السفارة حيث كانت تضيف نفسها عند العوائل بشكل مستمر وهي بالطبع ليست العالمة الشهيرة في المواد المشعة 00 وقد شجعت مدام كوري العديد من العوائل لارسال بناتها الى المدارس الاجنبية المتواجدة من اجل الدراسة والتعلم 00 لقد كان الاستعمار الانكليزي في الحقيقة ارحم من غيره فقد ساعد الى حد ما على نشر الثقافة وانقاذ الشعب العراقي خاصة المجتمع النسوي من ذلك الظلام الذي خيم على عموم الشعب خلال عشرة قرون واحاله الى ادوات يقذفها الحكام الى محرقة الحروب متى شاؤو ا وتركوهم في جهلهم يعمهون 00 كما ان المراة لم تكن سوى وعاء للرجال او جواري يقمن بخدمتهن 00 وانا لاامتدح الاستعمار ولكن فهو اهون الشرين فكلها سرطانات نخرت في جسد الشعوب ولكن ماذا فعلت لنا الانظمة الوطنية في عموم تاريخ العراق فقد كان سمة الحياة في العراق هي العنف والقتل والتشريد وغياهب السجون 00 على اية حال فقد استمرت القبولات تشحن في نفوس النساء الثقة بالنفس والتوعية الجيدة والثقافة التي مكنت البعض منها على الاقل من القراءة والكتابة 0 كما كانت تدور داخل هذه القبولات المطارحات الشعرية حيث كانت احداهن تقوم بالقاء بيت من الشعر وتطلب من صديقتها اكمال مثيل له من نفس الوزن ومن تفشل فيقع عليها العقاب وهو ماتطلبه منها المنتصرة من الرقص والغناء او تأدية اية حركة تطلبها منها فيضحك الجميع ويقضون وقتا ممتعا كما يقراؤون القصص ويطلعون على مايجري في العالم عن طريق تلك الاجنبيات او العضوات في المنظمات اللواتي يحضرن المجلس 00 لقد كانت مجالس خفية عجيبة في البعض منها يدور فيها ما لايصدق 00 كما انه كان يظم الكثير من العانسات اللواتي لم يحضين بفرصة زواج بسبب منع الاهل تزويجهن خوفا على المال والثروة او لعدم تقدم أي رجل لهن لانهن مخفيات لااحد يعرف عنهن شيئا او غير ذلك من الاسباب 00والحديث عن القبولات موضوع واسع ومتشعب لايمكن كشف كل خفاياه فالكثير منه ما يخدش الحياء او يخرج عن نطاق النشر والخطيئة تقع على الرجال والجهل والاستعمارفكل ذلك مسؤول عن ماكان يجري داخل القبولات وخارجه 000!!!
كتب بتأريخ : الخميس 09-09-2010
عدد القراء : 2495
عدد التعليقات : 0