الدين بين الروحانيات والحكم
بقلم : المحامي يوسف علي خان
العودة الى صفحة المقالات

لقد بشر الرسول الكريم بدعوته الى الاسلام بين اهله وعشيرته من عرب الجزيرة00 ولكنه لم يكتفي بحصر الدعوة في اهله والمناطق القريبة منه00 فقد كلفه الله بنشر الدعوة في جميع اقطار العالم الذي كان معروفا انذاك 00 فاتجهت جيوش المسلمين شرقا وغربا تدعو الى الاسلام بالتبشير بها سلما او بالسيف 00 لمن لم يستجب من الملوك والامراء00 وبفرض الجزية على عامة الناس من اهل الذمة  الذين يريدون البقاء على اديانهم 00 وبما ان الشعوب المنتشرة في حينه كانت تخضع الى نفوذ القياصرة والاباطرة التي كانت تحكمها00 وضمن دول موجودة كان يحكمها اؤلئك الملوك القابضين على رقاب شعوبهم 00 فكان لابد من المواجهة والدخول في حروب طاحنة لازاحة تلك الزعامات من اجل هذا الدين الجديد 00 فبدأ ومنذ فجر الاسلام يشق طريقه في اتجاهين 00اتجاه روحاني بنشر العبادات واركان هذا الدين بالارشاد والتوعية والتوجيه 00 واتجاها اخر هو السيطرة على مقاليد الحكم وتاسيس الدولة الاسلامية واخضاع جميع الاقطار التي تقتحمها وضمها تحت سلطانها 000فلم يكن الاسلام دين عبادة فقط00 بل كان دين عبادة ودين دولة أي نظام حكم 00 وهذا ما دأبت عليه جميع الزعامات الاسلامية في كافة عهودها 00 فعندما تنشر الاسلام في قطرمن الاقطاركانت تحكمه كذلك ويبقى تحت هيمنتها 00 ومن هذا المنطلق تاسست دولة الخلفاء الراشدين ثم الدولة الاموية ومن بعدها الدولة العباسية وما اعقبها من دول الطوائف 00 وقد بدأت خلال تلك الحقب ومن منطلق العبادات تتشكل الفرق الدينية التي اعتمدت على الاجتهاد في تفسير ما غمض واشكل على المسلمين من ايات القران او الاحاديث والسنة النبوية00 وبرز المجتهدون وتبارى المفسرون الذين اختلفوا في تفسير التفاصيل والجزئيات من التعاليم والمباديء الاسلامية00 وانقسم المسلمون كل يتبع مجتهد ويرى في اراءه الصواب 00فاضحى بمرور الزمن لكل مجتهد مقلديه وتابعيه00 وتم رسوخ اربعة مذاهب رئيسية في الاسلام00 وهي المذهب الحنفي والجعفري والشافعي والمالكي00 وتوزعت هذه المذاهب على مناطق مختلفة من العالم الاسلامي00غير ان هنالك العديد من المذاهب الاخرى انبثقت لسبب او لاخر في مناطق محدودة من ديار المسلمين00 وقد ابتعدت هذه المذاهب الدينية الصغيرة ليس عن الجزئيات فقط بل وعن كثير من الاركان الاساسية للاسلام00 وابتدعت طقوس وممارسات غريبة كل الغرابة عن النهج الاسلامي وشذت عنه 00 ولم يقتصر اختلاف المسلمون في تعاليم الدين الاسلامي وفي ممارسته00 بل لقد اختلف قادته حتى في اشكال الحكم وصيغه 00فقد تحول مثلا من نظام الحكم الانتخابي الى نظام الحكم الوراثي 00ثم اخذ يتجه شيئا فشيئا من الحكم الديني الى الحكم الدنيوي00 الذي يعتمد على السلطة والقوة والانفراد00 ولكنه مع ذلك بقي الحكم ظاهريا حكما دينيا عن طريق الخلافة التي استمرت حتى تاريخ تشكيل الدولة العراقية الحديثة00 حيث الغيت الخلافة العثمانية وانتهى ذلك العصر الذي وحد العالم الاسلامي قرونا طويلة 00 مع ما شاب الفترات المتعاقبة من تطاحنات وصراعات بين الحكام المسلمين واقتتالهم من اجل السلطة 00فكم خليفة قتل وكم واحد عزل 00ولم يقتصر الصراع على الغرباء بل كثيرا ما حدث بين الاهل والاقرباء والاخوة00بين الاباء والابناء00 فبريق السلطة يغري الكثيرين حتى يومنا هذا00 والجميع كانوا يدعون حماية الدين والدفاع عن الاسلام والمسلمين 00 واستمر الحال الى قرون عديدة حتى عصر النهضة وظهور الحركات الاصلاحية في اوربا00 التي دخلت في صراعات دامية مع رجال الكنيسة00 اذ لم يكن الحكم في العالم الاسلامي وحده الذي يتشبث بتلابيب الدين ويحكم باسمه00 فقد كان العالم المسيحي كذلك تهيمن على حكامه النزعات الدينية ويكون لها نفوذ كبير فيه 00 فقد ادت تلك الحملات الاصلاحية الى ظهور المفكرين الجدد الذين قدموا افكارا جديدة وانماطا مستحدثة للحكم00 فظهرت المباديء الاشتراكية التي استطاعت ان تقوض النفوذ الديني في بلدان اوربية عديدة00 وقد اخذ الصراع يحتدم بين رجال الدين الذين يطالبون بترسيخ الحكم الديني وبين المجددين المتحررين الذين ساندوا الحكم المدني وابعدوا الدين ورجاله عن حكم البلدان00 واخذ يطلق على هؤلاء الدعاة بالعلمانيين والذين اخذت تكبر شرائحهم وتزداد بمضي الايام وطغت على اوربا00 كما اخذت تزحف زحفا حثيثا على العالم الاسلامي وتتاثر به00 ساعدت على ذلك العديد من الحركات السياسية المختلفة التي جعلت من الاشتراكية ستارا تختفي تحت مظلته00 كما اشرنا كثيرا وفي عدة مجالات عن هذا الامر00 ولكن مع ذلك فقد استمر الوازع الديني المتجذ ر في نفوس مختلف الشرائح ولمختلف الاديان يفعل فعله00 ولم تستطع تلك الافكار الاشتراكية او النزعات العلمانية من اقتلاعه من داخل نفوس الملايين من الناس 00بل لقد وجدنا الكثيرين من المؤمنين بالمباديء الاشتراكية ملتزمين بالوازع الديني بنفس الوقت00 فقد اصيبت العديد من المجتمعات بازدواجية الشخصية في مجالات اعتناقهم وتفكيرهم00 فتجده اشتراكي الفكر واسلامي النزعة00 وهو امر يثير العجب والاستغراب لما نعرفه من تعارض الفكر الاشتراكي المادي مع النزعة الدينية الروحانية السماوية00 وهما امران متعارضان ومتناقضان غير انهما متفقان في شيء واحد هو الاممية00 فالفكر الاشتراكي هو فكر اممي والفكر الديني هو اممي ايضا00 وهما يناقضان النزعة القطرية الضيقة00 وهذا ما سهل او فسح المجال لبعض الشرائح ان تتمسك بالتنظيمات الدينية وليس الايمان الديني الحقيقي00 وكذلك التنظيمات الاشتراكية لم تؤمن ايمانا حقيقيا بالفكر الاشتراكي مع ما يدعونه زورا باعتناقهم لذلك الفكر او ما يتظاهرون به من مظاهر التدين ريائا ايضا 00ولكن كل هذه الادعاءات لتمرير غرض او مصلحة لايجدون المجال مفتوحا الا من خلال تلك الادعاءات فان تمكنوا من تحقيق تلك المصالح تجدهم بعيدين عن كل ما كانوا يدعونه من انتماءاتهم للفكر الاشتراكي او تخليهم عن كل مظاهر التدين  00فكثيرا ما يتخفى العلماني تحت عباءة الدين لتحقيق غرض لايستطيع تحقيقه الا عن طريق الاصطباغ بالصبغة الدينية لتحقيق مكاسب مادية او مركز اجتماعي00 كما تجد العديد مما انتموا لتلك الاحزاب الاشتراكية قد تخلوا عنها بعد ان حققوا مصالحهم العرقية او السياسية 00 فتجدهم يتخلون عن انتماءاتهم الاشتراكية 000 وحيث ان الاشتراكية قد فقدت قوتها وجماهيريتها التي عرفت بها خلال السبعين سنة الماضية وفشلها وعدم قدرتها على الاستمرار فقد عاد الوازع الديني يلعب دورا مهما من جديد 00 وبدأ الدين يستعيد دوره في معترك الاديان الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية  وبدأت تشكل  ورقة مهمة نتيجة تحولات سياسية متعد دة 00 فلقد كان للمشكلة الفلسطينية دورا مهما لخلق الاستقطاب الديني اليهودي في العالم من جديد 00 ومع اتهام بعض المفكرين وتصوير هذه الصراعات التي تدور في العالم بانها صراعات حضارات 00 غير انه في الحقيقة انما هي صراعات اديان حيث لايوجد في العالم اليوم غير الحضارة الاوربية فقط 00 والتي اضاءت باشعاعاتها جميع اقطار العالم 00 ومنها العالم الثالث الذي يدخل من ضمنه العالم الاسلامي فالصراع اذا هو صراع اديان 000كما ان الصراع قد شمل الدين الواحد ان كان داخل المجتمع الاسلامي او داخل المجتمع المسيحي  وحتى  داخل المجتمع اليهودي 00فهناك اليهود  الاوربيون  واليهود  الاسيويون  والافريقيون ( الفلاشا ) وبينهما صراع خفي 00 قد لايبدو واضحا لان الجميع امام خطر يجعلهم يخفون او يؤجلون الكشف عن هذه الخلافات بالوقت الحاضر 00 للحفاظ على الدولة الاسرائيلية من المقاومة العربية التي لازالت مستمرة ضدها حتى الان 00 كذلك حدث الصراع داخل الديانة المسيحية بين الكنيسة وحركات الاصلاح التي ظهرت مع بداية عصر النهضة 00 والتي اضعفت نفوذ الكنيسة بدرجة كبيرة اضافة لسيطرة وانتشار الحركات التحررية العلمانية في العالم المسيحي زادت من اضعاف دور الدين في ذلك المجتمع 00 ولكن اصبح الدين في الاونة الاخيرة يوظف كحركات سياسية تقف في وجه الحركات المناهضة للاستعما ر والهيمنة الاوربية 00 وما اطلقوا عليه بالارهاب العالمي ولكنه في حقيقته صراع بين الاسلام والمسيحية 00 والذي برقعوه ببرقع الارهاب فاعتبروا ان الاسلام هو مصدر الارهاب العالمي 00 00 وقد ظهرذلك جليا بعد احداث سبتمبر 00 فقد كان سببا واضحا في تفجير هذا الصراع الذي لازال قائما نشطا حتى اليوم 000

اما الصراعات الدينية الاسلامية فحدث ولا حرج 00 فقد برزت العشرات من الحركات الدينية او منظمات تخفت خلف الاغطية الدينية من العرقيات التي اطاح الاسلام بسلطانها وقضى على امبراطورياتها وغير عقائدها 00 فقد دخلت الاسلام خوفا وليس رغبة او عن قناعة بهذا الدين 00 فقد عز عليها ان تكون تحت حكم العرب الرحل الذين كانوا فيما مضى تحت نفزذهم وتبعية امبراطوريتهم العتيدة 000 واذا بالاسلام يظهر فيقلب الموازين ويصبح العرب هم الاسياد 00 فقد حز في نفوسهم 00 وبدأؤوا يحيكون المؤامرات منذ اللحظات الاولى واستمر الحال بغير استقرار 000 ومع انهم اعتنقوا الاسلام فقد بقي ذلك الحقد يفعل فعله واخذ يظهر باشكال وصور مختلفة وداخل العالم الاسلامي نفسه 000 فبدأت الحركات الدينية المتقاطعة تبرز في العديد من اوجه النشاط الاسلامي مستغلة بعض الغموض والابهام في النصوص القرأ نية00 مدعية الاجتهاد والتفسير لبعض تلك النصوص بما يحقق مأربها00 واستطاعت ان تتغلغل ضمن مجاميع المفسرين المؤمنين الاحقاق الملتزمين بتعاليم الاسلام عن ايمان صادق وحقيقي 000 ولازالت هذه التقاطعات مستمرة وقد استقطبت في العراق طرفين حوى كل جانب مجموعة من الواجهات الدينية00 بما يمكن ان يندرج تحت خيمتها فاستقطبت في الجنوب والوسط الطائفة الشيعية واستقطبت في الشمال والغرب الطائفة السنية 00واضحت هذه الطوائف جبهتا نزاع استغرق قرونا عديدة متاججا تارة ومستقرا وخامدا تارة اخرى00 مثل البراكين التي تتفجر بين الحين والحين00 وقد كان من نصيب الشيعة طيلة الحكم العثماني التهميش بسبب انتماء العثمانيين للمذهب السني00 وكذلك الحكم الملكي وحتى العهود الجمهورية المتعاقبة00 كما كانوا هم يعتقدون على الاقل بهذا الاعتقاد حتى الاحتلال الامريكي في 9/4 حيث استطاع الشيعة ان ينهضوا ويستلموا مقاليد الحكم بدعم من الادارة الامريكية وما اعقبها من انتخابات  00 وكيف استطاعت ان ترسخ سيطرتهم بدعم من المرجعيات الدينية لما تتمتع به من مكانة دينية لدى الطائفة الشيعية00 ولكنها وبعد مضي عدة سنوات بدأ التخاصم فيما بينها وبين قادتها وزعاماتها متنافسين على السلطة مما اضعف جبهتهم واضطرهم لتقديم التنازلات للجهات الاخرى ومشاركتها في الحكم00 اضافة للضغط الامريكي فدخلت على الخط القوى الاسلامية السنية التي استطاعت ان تأتلف في مواجهة التفوق الشيعي00 كما بدأت الحركات الكردية تستغل الموقف وتنتزع المكاسب العرقية شيئا فشيئا00 نتيجة الخلافات المتنامية بين الطوائف الدينية الشيعية والسنية00 وفقدانها للتأييد الشعبي الذي استحوذت عليه في بداية الاحتلال لعدم تقديم الخدمات التي كانوا يأملونها من الفصائل الدينية الشيعية والسنية00 فبدأ الحكم الديني يتراجع ويتلاشى وفقد ثقة الشعب فيه00 واخذ يبرز تيار وطني عراقي حاول الاحتلال الامريكي بعد 9/4 التعتيم عليه واتهامه للعمالة للنظام السابق واعتباره جزء لايتجزأ منه 000

ولكن الشعب العراقي اكتشف المؤامرة التي حاكها الامريكان بمساعدة ودعم الجانب الكردي وبعض الجهات الغير وطنية من الفصائل الشيعية التي لاتريد ان تكون هناك دولة وطنية عراقية لدوافع مختلفة ومتباينة00 فخسر النفوذ الديني مكانته بل وبدأ الكثير من انصاره التنصل منه والتخلي عنه00 والتمسك بالوازع العراقي الوطني كما بدأت المشاكل تستفحل مع القيادات الكردية التي اخذت تشعر بوضوح بان اهدافها الانفصالية بدأت تتزعزع ولم يعد بامكان الامريكان دعمها ومساندتها بسبب الوعي الداخلي والضغوط الخارجية من الدول المحيطة بها00 وقد شعرت بان تحالفها مع القوى الدينية السنية والشيعية مع كل الدعم ووعود التاييد التي قدمتها للفصائل الدينية الشيعية والسنية لم تستطع ان تنفذ امانيها  في الانفصال عن العراق 00حيث ان نفس الاحزاب الاسلامية وجدت نفسها في مأزق كبير وحرج00 فان كانت هي نفسها قد خسرت مواقعها فكيف يكون بامكانها ان تدعم القيادات الكردية في تحقيق اهدافها 00 فقد اصاب التاألفات الاسلامية السنية نفس ما اصاب التحالفات والاحزاب الشيعية من تشرذم00 فقد خرجت العديد من الفصائل السنية من جبهة التوافق التي كانت تمثل الجانب الديني السني00 وتفرقت الى العديد من الكتل العلمانية مبتعدة عن التكتلات الدينية التي نبذها الشعب وانصرف عنها00 وبدأت العلمانية تسترجع مواقعها ولكن بشعار وطني خالص00 وهكذا فقد خسرت الدولة الاسلامية في العراق جميع مقوماتها00 ورفع الشعار الوطني العراقي وسوف تفرز الانتخابات القادمة جبهة جديدة مختلفة تماما عن الجبهات التي تكونت بمجيء الاحتلال في 9/4 وان غد لناظره قريب 000!!!

  كتب بتأريخ :  الإثنين 20-09-2010     عدد القراء :  2672       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced