عدوية الهلالي ـ الأسبوعية)
وجع الرأس الكبيرفي عراق الحروب
غالبا ما ترفض الأسر العراقية مبدأ الخطبة الطويلة وتطالب أهل العريس بالاسراع في عقد القران طلبا للستر وحماية لأبنتهم وايمانا بالعبارة الشهيرة «خير البر عاجله». لكن شح فرص الزواج وتزايد نسبة العنوسة حوّلا الاسراع في الخطبة الى نهج للقبض على فرصة الحصول على عريس قبل ضياعها، تضاف الى ذلك ظواهر أخرى برزت في المجتمع العراقي مؤخرا والهدف منها جميعا القضاء على شبح العنوسة او التخلص مبكراً من مسؤولية اعالة الفتيات .
تعترض الهام صالح / طالبة جامعية على التسرع في الخطبة اذا كان المقصود أن يتخلص والد العروس من مسؤولية ابنته التي تدفع الثمن في نهاية الأمر، وتفترض ان تكون فترة الخطبة فرصة شرعية لدراسة شخصية كل طرف، واختبار مدى ارتياحه في إطار الاسرة ووسط الناس حتى يصل الطرفان الى قرار الزواج من دون مشاكل او خروج على الآداب الاجتماعية والدينية.
في حين يجد سعيد ابراهيم / الموظف في وزارة العمل هذا النهج جميلا اذا كان هناك سابق معرفة بين أسرتي العروسين، فهو يختصر الطريق والوقت ويسهم في تقليل التكاليف، اما اذا كان التعارف جديدا فلا بد ان يتأنى الاهل في تزويج ابنتهم حرصا على مصلحتها، إذ ينبغي الرجوع الى معرفة خلفية كافية عن العريس مهما كانت مبررات اختصار الوقت والجهد والتكاليف.
من جانبها، تبرر الباحثة الاجتماعية اسماء ياسين / من محكمة الكرخ التسرع في الزواج بتخوف وتوجس بعض الأسر العراقية من العنوسة التي تهدد نسبة كبيرة من الفتيات وتجبرهن احيانا على تنازلات لمجرد ارضاء العريس، وتدعو الأهل الى اطالة فترة الخطبة بهدف تحقيق التعارف الوثيق بين الخطيبين ما يزيد في رغبتهما في الارتباط إضافة الى اكتشاف العيوب وتصنيفها الى عيوب يمكن التعايش معها وعيوب مرفوضة تؤدي الى ايقاف مسيرة الزواج، فضلا عن تعارف الاهل وانصهار الأسرتين، مشيرة الى ضرورة تقبل الاهل احتمال فسخ الخطبة في حال عدم تحقق شروطها واهدافها ما دام ذلك يصب أخيرا في مصلحة الفتاة.
اشياء اخرى
ما إن ابلغ سمير اهله رغبته في الزواج من فتاة عراقية حتى بدأت والدته وشقيقاته جولة بحث موسعة عن «الفتاة المناسبة»، وفي النهاية، وقع الاختيار على فتاة اكملت المرحلة الاعدادية من دون ان تلتحق بالجامعة لعجز أسرتها عن تأمين مصاريفها اضافية الى شقيقيها الجامعيين.استغرب اهل الفتاة اسلوب الخطبة من دون وجود عريس وكأن عليهم ان يكتفوا بمشاهدة صورته وسماع صوته عبر الهاتف بعد موافقتهم، لكن ترددهم لم يطل فقد لعبت احدى الجارات دورا فاعلا في اقناعهم لمعرفتها بأهل العريس وتزكيتها لهم. وهكذا قاد الاب ابنته الى بلد عربي ليعقد قرانها على العريس المنتظر، واضطر الى التغاضي عن عيوب كثيرة لاحظها فيه خشية اللوم والشماتة، فترك ابنته مع عريسها ووالدته تكمل رحلتها الى المجهول في بلد اجنبي مقابل مهر مغر. ولم تمض أشهر حتى بلغت شكاوى ابنته حدا لا يمكن السكوت عنه، فقد اذاقها عريسها الأمرين بسبب لا مبالاته بها وانغماسه في حياته شديدة التأثر بالغرب، فقررت طلب الطلاق والعودة الى اهلها مع طفل ما زال يشكل معضلة بالنسبة الى أهلها الفقراء الذين سيواجهون مسؤولية الانفاق عليها فضلا عن مطالبة اهل عريسها بحفيدهم!
ويلخص الدكتور خالد الربيعي/ المتخصص في علم الاجتماع في كلية الاداب اسباب اللجوء الى هذه الاساليب بقوله: ان الزواج هو اول ضحايا الحروب التي خاضها العراق اذ ادى غياب الرجال في الحروب والفقر المتفشي في شريحة كبيرة من السكان بسبب بطالة الرجال ثم حوادث العنف الطائفي، الى اتساع ظواهر العنوسة والطلاق والترمل، التي أدت بدورها الى ولادة ظواهر اخرى أكثر تأثيرا في بنية المجتمع العراقي كتعدد الزوجات والزواج المبكر وزواج المتعة والزواج السري، ما قلص فرص الزواج المناسبة ودفع بالبعض الى ابداء تنازلات عديدة لمجرد اقتناص فرصة زواج سواء بالنسبة الى الفتيات المرتعبات من شبح العنوسة او الأهل الذين يثقل على كاهلهم هذا الشبح، سيما اذا اضيف اليه عبء الفقر. وينصح الربيعي النساء العراقيات بالاهتمام بمجالات الحياة الاخرى كالتعليم والعمل في انتظار فرصة زواج مناسبة، والا فلا داعيَ للتنازلات والتضحيات من أجل الفوز بفرصة زواج قد تقود الى الطلاق!
ظواهر وليدة
وكما اشار الربيعي، فان ظواهر كالزواج السري والمبكر وزواج المتعة وتعدد الزوجات... هي وليدة المعوقات التي فرضها واقع العراق الصعب، وهي تسيء بمجملها الى المرأة العراقية اذا ما علمنا ان الزواج المبكر المنتشر في الريف اكثر من المدينة يسهم بشدة في انخفاض نسبة التعليم بين الفتيات إذ تبين حسب احصائيات قامت بها وحدة الاعلام في «تحالف نساء العراق» ان نسبة النساء الاميات في الريف بلغت 63 % مقارنة بنسبتهن في المدن حيث تصل الى 14 %، فضلا عن المتاعب الصحية والنفسية التي تواجه الفتاة المتزوجة مبكرا. هذا ما تؤكده الناشطة النسوية مها سلمان من «منظمة المرأة الحرة»، متوقفة عند اقتناع معظم الاهالي بهذا النوع من الزواج باعتباره حماية لبناتهم. وتنسحب هذا القناعة على نسبة واسعة من سكان المدينة ايضا بسبب المخاطر الكثيرة التي تواجه فتيات اليوم بدخول مفردات التكنولوجيا كالقنوات الفضائية والانترنت، يضاف اليها جرأة الجيل الجديد وتمسكه بتقليد الظواهر الدخيلة والغريبة عن المجتمع.
ويمكن اعتبار الزواج السري إحدى هذه الظواهر، وهو بمثابة فخ يقع فيه بعض الطالبات الجامعيات او العوانس المتعطشات للارتباط برجل عسى أن يتحول ارتباطهما السري الى دائم.ومن الملاحظ ان نسبة هذا الزواج آخذة في التزايد باستمرار الظروف التي أدت الى نشوئه واستسهال اللجوء اليه من قبل الرجال الذين يودون خوض تجربة الزواج الثاني!
الأرقام التي كشفت عنها احصائيات قام بها مجلس القضاء الاعلى تشير الى وجود اكثر من 194919 حالة زواج وقعت في العراق خلال السنوات الاخيرة من خارج المحاكم، أي من دون عقد زواج رسمي يحفظ حقوق الطرفين، خصوصا الزوجة التي لا تملك دليلا على حصول الزواج ما يضيع حقوقها ويقلل من شأن ارتباطها اجتماعيا.
وفي ما يخص الزواج المؤقت او «زواج المتعة» -كما يطلق عليه – فهو ليس حلا لمشكلة العنوسة. هذا ما تقوله الناشطة النسوية سهام عبد الرزاق من «رابطة المرأة العراقية» بل انه يمثل مشكلة اخرى ضحيتها احيانا اولاد بلا هوية، وفي احسن الاحوال فهو لا يضيف الى المرأة شيئاً بل ينتقص من كرامتها باعتبارها اداة للمتعة فقط وغير مؤهلة للارتباط عاطفيا او اجتماعيا بشكل معلن ومقبول اجتماعيا، وهو وان اقتصر على فئات بعينها، كما تؤكد عبد الرزاق فان اتساعه يحوله الى ظاهرة مسيئة الى المجتمع الجديد الذي يهفو الى ترميم وبناء جسد الأسرة العراقية التي عانت من التفكك والهشاشة احيانا بسبب قسوة الظروف بدلا من هدمها.
تبقى هذه الظواهر ومسبباتها وما يمكن ان يلد من رحمها من ظواهر أخرى عناصر أكيدة في زيادة عدد العقبات أمام قيام مؤسسات زواج ناجحة يمكن ان تسهم في بناء المجتمع ما لم يصر الى وضع حلول جذرية لتقليص مشكلة العنوسة واستسهال تزويج الفتيات من دون قيد او شرط لمجرد التخلص من عبء اعالتهن، ومن هذه الحلول خفض نسبة بطالة الرجال وزيادة فرص تعليم الفتيات وتقليص بطالتهن، فضلا عن سن القوانين التي تحفظ كرامة المرأة العراقية وتجنبها الوقوع في مصيدة «الزواج المتسرع» بأي شكل من الأشكال.
مرات القراءة: 3374 - التعليقات: 0
نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ،
يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث
المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ
عــريـس بأي ثمن!
