العمل الروائي يتسم بالرصانة والمكاشفة والصراحة بالجرأة الثاقبة , في طرح جملة مفاهيم اجتماعية غير منصفة على الصعيد الميدان الاجتماعي والسياسي والديني , الايغال في سايكولوجية الذات والمجتمع . في كشف الاسرار الداخلية والخفية وكشفها الى العلن . في التصرف والسلوك , في النسيج المجتمع الذكوري بما يحمل عقله من ثقافة وموروثات تتلون في كل مرحلة وتغيير . ومنطلقات المتن المتن الروائي يثير جملة من التساؤلات والتعليلات في مفاهيم الحب والخيانة الزوجية المتبادلة . في مفاهيم العنف الاسري داخل الاسرة الواحدة , او بين الزوج والزوج . والابعد من ذلك مسألة الطيش في الازدواجية الشخصية ( الراهب والشيطان في روح وجسد واحد ) . ومسألة الابعد حيوية في عصب الحياة العامة , ماذا احدثته من تغيير ثورة الياسمين في ( تونس ) وماهي ثمارها وما قدمته للوطن ؟ . هذه المنطلقات تناولها المتن الروائي في صيرورة الطيش والازدواجية . والغور في المستجدات التي احدثتها ثورة تونس وما حصة الوطن من التغيير . هذه الاشياء الحيوية تناولتها احداث المتن الروائي . لكن العنوان للرواية ( طيش الاحتمالات ) يغوص في عمق الاشياء . التي تمثل انتهاكات صارخة للانسان والوطن , وخاصة المرأة التي يقع على كاهلها الانتهاك والوصاية تحت نفوذ الرجل الشرقي , في غيوم الانهزام والاحباط والانكسار النفسي والروحي للمرأة . وكذلك يقع بؤس حال على ثورة الياسمين في تونس , التي قادت البلاد الى الخراب والنفايات والقمامة , قادته الى الاهمال والحرمان والفساد , حينما سرق الاسلام السياسي الثورة . الذي صعد على الاكتاف الاخرين , وتنكر لهم بالاجحاف والاهمال والحرمان , كشفوا عن حقيقتهم بأنهم مجموعة لصوص لا غير , في سبيل امتطى السلطة فقط لاغير ( اللعنة على هذا البلد الذي اصبح مطية لعصابة من اللصوص تسرق منا حتى رغيف الخبز ) ص63 . يتناول النص الروائي هذه المكشوفات على حقيقتها الدامغة في الحدث السردي الذي يميط اللثام عن الخطوط الحمراء , التي يتبجح فيها المجتمع بوصايته على المرأة , في طيش والهروب من الحقائق الدامغة , التي تؤدي الى المحاصرة والخناق على المرأة , بأن تتحول الرابطة الزوجية الى سجن والسجان هو الرجل او الزوج في الاضطهاد والتعسف . لذا فأن الخطاب الروائي موجه الى العقل الاسلامي السلفي والمنغلق في طيش الازدواجية . بأن تكون المرأة تدفع فاتورة الحساب بالخيانة الزوجية المتبادلة . ان تكون تحت رحمة تسلط الزوج بالعنف الاسري والاكراه , مما يجعل هذا الطيش , ان يقود الى الاحباط والهروب . ( مريم ) ورثت ذكريات مؤلمة وحزينة من ابيها العربيد المتوحش , في وحشيته تجاه أمها المسكينة وهي تتذكر ذلك وهي صغيرة السن , حين تجد الدموع والكدمات والدماء تملئ وجهها وجسمها , جين تجد أمها تتقيأ كل يوم من القهر والحسرة والالم , وتحاول ان تخفي وحشية زوجها عن أبنتها الصغيرة . وحالتها تدعو الى الرثاء . ورثت ( مريم ) هذا الارث الثقيل والمحزن . وتزوجت من رجل ثري متمكن مالياً . لكنه لم يعوضها عن الاحداث المؤلمة في روحها . لم يعوضها بالحب والحنان الزوجي , رغم انها انجبت منه بنتان , واملها ان تشعر بالراحة والامان من الذكريات المؤلمة التي تحملها من ابيها البشع والمتغطرس بالمعاملة الوحشية , لم تجد من الرابط الزوجي سوى الخناق , كأنه الحبل الذي يلتف ويضغط على عنقها . لم تجد سوى الحرمان والاهمال والغطرسة , فزواجها لم يضمد جراحها , بل زادها جرحاً وقيحاً , فأحست بشيء ينقصها , فالتجأت الى شبكة التواصل وتعرفت على ( مريد الداهش ) الكتاب والشاعر اليساري , الذي عانى الحرمان والسجون في سبيل الوطن . وعندما جاءت ثورة الياسمين في تونس . لم تعترف به بل سحقته كما تسحق نفايات القمامة , وكان يأمل النفس بالمعجزة التي تنقذه من معاناة الحياة القاسية ( لكن عن أي معجزة تتحدث ايها الاحمق , فما الذي جنته الثورة على البلاد ؟ هي فقط الوجوه التي تبدلت , أنصرفت الذئاب وحلت الثعالب ) ص18 . وكانت ( مريم ) تمارس هواية الرسم والرسومات , لذلك تخيلت صورة حبيبها في ذهنها وعقلها قبل ان تتلقي به وتراه وجهاً لوجه , بل رسمته بملامح الحب وغزيرته التي تحمله في قلبها , ولكن هذا الحب لم يجلب لها طوق النجاة لمحنتها الحياتية والنفسية . لان حبيبها عاجز في اكمال مقومات العيش , عاجز عن تأمين الحياة الزوجية كما ينبغي . لان الثورة صادرة حقوقه المشروعة , واهملته وحرمته من كل شيء . لم يجد من التغيير السياسي , سوى الاستمرار بالمحنة والمعاناة ( هذا الوطن موبؤ يغتال خيرة ابنائه . أما سمعتم مؤخراً بذلك المتحصل على شهادة الدكتورا , لم يكتفِ هذا البلد بحرمانه من الاعتراف بشهادته وكفاءته العلمية , بل تم حبسه والتخفي على هذا الحبس ) ص63 . . ولكن ( مريم ) تستمر بالضغط عليه لكي ينقذها من السجن الزوجي , ان يحرمها من الحنان الزوجي , بل يقابلها بالخيانة الزوجية . لذا فأن الخيانة الزوجية متبادلة بين الزوجين . ولكن لكل منهما دوافع وذرائع ومبررات في الطيش . نجد ( مريم ) تشكو من تسلط الزوج بعقليته الاسلامية السلفية المنغلقة والمتعصبة . يجبرها على ترك هواية الرسم والرسوم , لانها رجس من الدنس الشيطاني , ويضغط عليها بقوة ان تترك مهنة التدريس , لان الزوجة الصالحة مكانها البيت وليس العمل . يضغط عليها في لبس الحجاب وترك سروال الجنز , لتكون زوجة صالحة ,يستشيط غضباً من ملبسها ويعتبره نشاز غير مقبول ( - أيتها السافرة الحقيرة لقد أخلجتني أما الجماعة , ولن أتسامح معكِ أبداً , لا يمكن ان تكوني أبداً زوجة صالحة وانتِ تعمدين الى عرقلة مسيرتي , من أنتِ لتحطمي نجاحاً كنت أحلم به اعواماً طويلة ) ص80 . ويصبح البيت الزوجي مرتع المشاحنات والتنافر والجدل العقيم بينهما . واجبارها في ترك عملها لان المكان الزوجة الصالحة البيت والمطبخ ( - أن ما تدرسيه حرام , كبيرة من الكبائر ومكانكِ الجحيم سأعرف كيف أربيكِ أيتها الفاسقة .
- هذه الفاسقة التي تتحدث عنها , هي أم أبنتيك ) ص94 .
وبطريقة غير مباشرة يعرف احدهما يخون الاخر . ( مريم ) تفكر في الانتحار والموت من حبها لا يفضي الى الانقاذ . والزوج كل اهتماماته الروحية والذاتية تنصب الى مستقلبه السياسي والحزبي , الفوز في الانتخابات واعتلى مركز ونفوذ مهم في الدولة . بينما ( مريم ) تعاني جفاف الحياة والحب المتحجر كالصخر , وقد ضجرت من الوعود العشقية بكلمات ليس لها فعل ورصيد ( - اصبح كلامي معكَ الآن تفاهات , نسيت ما كان بيننا في الايام القليلة الماضية ؟
- انتِ تعرفين معزتكِ عندي , وتعرفين مدى تعلقي بكِ ) ص96 . ويطلب منها الاستعداد للسفر والهروب معاً خارج البلاد . الهروب من معاناة الحياة الشاقة , ويحدد لها موعد السفر واقلاع الطائرة من مطار تونس ( قرطاج ) ويحضر هو في المطار وينتظر ( مريم ) بفارغ الصبر , ولكنها لم تحضر ويهرب وحده مجروح القلب والوجدان . وبراعة الكاتبة لم تتوقف الى هذا الحد في الخاتمة , وانساقت في درامية الحدث بالصدمة المفاجأة , لكي يتمعن القارئ بالتفكير والتأمل . بحضورة ندوة لتوقيع على اصدار الرواية تمس السيرة الحياتية لها , وحينما انتهت الندوة بالتصفيق والقبول على براعة الرواية , يدخل رجل مسن ويلوح بيديه بنسخة الرواية ويزمجر بانفعال وعصبية ( - هذه السيدة كتبت القصة الحقيقية لزوجتي التي تقيم الآن بأحدى المصحات العقلية , وعرضت هذه القصة على الناس , ولهذا سأرفع قضية في شأنها وعليه ان تتحمل كل التبعيات فعلها الشنيع ) ص114 .