تبقى التكنولوجيا وسيلة للوصول إلى الابتكار ولن تحل مكان مخيلة الطالب والاستعانة بالحاسوب بهدف تحقيق الفكرة ونقلها إلى الواقع
ملخص
تواجه أكاديميات الفنون في العالم تحديين، الأول يأتي من الذكاء الاصطناعي، والآخر من حالة الجمود التي تفرضها السلطة والاضطرابات السياسية والاجتماعية في العالم المعاصر.
باتت أكاديميات الفنون الجميلة تقف مذهولة أمام التطور السريع للذكاء الاصطناعي، وللمرة الأولى تجد نفسها في مواجهة منافس لملكة الفكر والإبداع البشري. فهذه المؤسسة التي شكلت فرصة لصقل المواهب وتحفيز الخيال الخلاق ضمن أطر تربوية نظامية تبحث اليوم عن بدائل لمواكبة التطور السريع في مجال التكنولوجيا الذي يهدد حقوق الملكية الفكرية الفنية والأدبية.
تاريخ طويل من الفن
تعود جذور الأكاديميات الفنية إلى إيطاليا، ففي عام 1562 تأسست أكاديمية الرسم في فلورنسا بإشراف الرسام والمهندس المعماري جورجو فازاري وتبعتها أكاديمية سان لوقا في روما خلال عام 1593. بعد قرابة القرن من الزمن وخلال عهد لويس الـ14 تأسست أولى الأكاديميات الفرنسية تحت اسم "الأكاديمية الملكية للرسم والنحت" في 1648، وفي إسبانيا تأسست الأكاديمية الملكية الإسبانية في 1713. وامتازت تلك الأكاديميات بتشابه الأسلوب والتأسيس الصارم للفنان وشكلت مناسبة لتطوير أساليب العمارة والفنون التشكيلية والزخرفة.
بعد الثورة الفرنسية تراجع دور هذه الأكاديميات القديمة وبدأت موجة تأسيسية جديدة في القرن الـ19 ورسخت فرنسا مكانتها في الفنون الجميلة وفرضت معاييرها الكلاسيكية المتأثرة بفلسفة المؤسسة الرسمية، ومن ثم الرومانسية وانتشر تأثيرها في مختلف أنحاء أوروبا من المملكة المتحدة وبلجيكا وألمانيا وهولندا وإيطاليا إلى تشيكيا وسويسرا مروراً ببولندا.
وساد النمط التكويني للأكاديميات ورسم الأشكال والعناصر الموضوعة أمام المتعلم. وانعكست قيم وأعراف المجتمع على الحق بالتعليم والالتحاق بالأكاديمية، فيما لم يسمح للفتيات دخولها لغاية منتصف القرن الـ19.
كان لتشبث الأكاديمية الفرنسية بالفن الصارم أثر سلبي عليها، إذ رفض الصالون الفرنسي الرسمي مواكبة التيارات الحديثة، فبرزت حركة أكثر حداثة ومتحررة من قيوده، على غرار صالون الأحرار. وكرت سبحة التمرد على الإطار المؤسساتي الجامد، إذ ظهرت التعبيرية ثم التكعيبية، واستمرت سيرورة الفن وصولاً إلى "الفن الاستهلاكي"، ومن ثم فرض التطور التكنولوجي نفسه على تلك المدارس وبات أكثر ترجمة للحقيقة والواقع، مع التصوير الفوتوغرافي والفنون الرقمية والفوتوشوب وصولاً إلى زمن الذكاء الاصطناعي وبروز نبوءة ما بعد الإبداع الإنساني.
ماذا تبقى من الفن الأكاديمي؟
خبا وهج الفن الأكاديمي الكلاسيكي من دون أن يختفي، فما زالت الأطر التقليدية هي المتبعة في مدارس وكليات الفنون الجميلة التي تحمل على عاتقها إعداد وتدريب المواهب. في المقابل زادت التحديات المفروضة عليه، سواء من ناحية مواكبة نمو الذكاء الاصطناعي وما يشكله من تحد لإبداع الكائن الفرد، أو لناحية تقييد الفن في ظل الصراعات الفكرية وتأثير السياسات اليمينية.