تُعد وسائل التواصل الاجتماعي من أكثر المجالات تطوراً في عصرنا الحالي، حيث بدأت هذه الظاهرة في بدايات القرن الحالي، حين وصل أول موقع للتواصل الاجتماعي، MySpace، إلى مليون مستخدم في عام 2004. ويستخدم حاليا أكثر من 4.8 مليار شخص وسائل التواصل الاجتماعي، أي ما يعادل 60 في المائة من سكان العالم. ويزداد هذا العدد سنوياً بنحو 150 مليون مستخدم.
ويقضي كل مستخدم في المتوسط حوالي ساعتين ونصف الساعة يومياً على هذه المنصات، ما يعني أن إجمالي ساعات الاستخدام يصل إلى حوالي 12 مليار ساعة يومياً.
قرابة 32 مليون مستخدم
في العراق، أعلن مركز الإعلام الرقمي DMC خلال العام الجاري، أن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بلغ 31.95 مليون، وهو ما يعادل 69.4 في المائة من إجمالي عدد سكان البلد. وبحسب الآتي: فيسبوك: ارتفع عدد المستخدمين إلى 19.30 مليون، بعد أن كان 17.95 مليون في العام الماضي. يوتيوب: انخفض عدد المستخدمين إلى 22.80 مليون، بعد أن كان 24.30 مليون في العام الماضي. إنستغرام: زاد العدد إلى 18.25 مليون، مقارنة بـ 14 مليون في العام الماضي. فيسبوك ماسنجر: سجل 15.70 مليون مستخدم، بعد أن كان 15.10 مليون في العام الماضي.
تأثير سلبي على المستوى العلمي
وأعربت المواطنة جنان علي عن قلقها العميق واستيائها من الاستخدام المفرط للهاتف من قبل ابنها، مشيرة الى انه أصبح مشكلة حقيقية تؤثر بشكل سلبي على حياة ولدها.
وأضافت علي في حديث لـ "طريق الشعب"، "لقد لاحظت في الفترة الأخيرة أن ابني يقضي وقتاً طويلاً على هاتفه، وقد أصبحت هذه المشكلة أكثر وضوحاً مع مرور الوقت. في البداية، كان الأمر يبدو طبيعياً، لكن مع مرور الوقت، بدأتُ ألاحظ تأثيراً واضحاً على حياته اليومية، حيث يصبح عصبيا اذا تم حرمانه من الهاتف، كما لا يفضل اللعب مع اقرانه".
وأشارت الى ان ذلك "ادى إلى تدهور ملحوظ في تحصيله الدراسي. كان من المعتاد أن يكون متفوقاً في دراسته، لكن درجاته بدأت تتراجع بشكل ملحوظ. هذا التأثير لم يقتصر على تحصيله الدراسي فقط، بل بدأ يظهر في تفاعلاته الاجتماعية أيضاً. ابني يفضل البقاء في غرفته لساعات طويلة، وقل اهتمامه بالعائلة والأصدقاء. شعرت أن هذه العزلة بدأت تؤثر على علاقاته الاجتماعية وتزيد من شعوره بالتوتر والقلق. حاولت مراراً وتكراراً التحدث معه عن أهمية التوازن بين استخدام الهاتف والأنشطة الأخرى، لكن يبدو أنني لم أنجح في إقناعه".
وأشارت إلى أنها بدأت تشعر بالعجز عن السيطرة على الموقف، وصرحت: "أنا في حاجة ماسة إلى دعم المجتمع ومساعدة الجهات المعنية مثل المدارس والمراكز التوعوية. أعتقد أنه يجب توفير برامج تعليمية وتدريبية للآباء والأبناء على حد سواء، لتسليط الضوء على أهمية الاستخدام المعتدل للتكنولوجيا وكيفية إدارة الوقت بشكل فعّال".
اضطرابات نفسية في الطفولة
يقول الباحث الصحي والنفسي مصطفى منير، أن "منصات التواصل الاجتماعي وقنوات الإعلام الحديثة لها تأثير كبير على الشباب والأطفال، وبشكل خاص على مستوى العقل والتفكير، النضج، مهارات التقليد، والسلوكيات العامة".
وأوضح منير لـ "طريق الشعب"، أن "الأطفال يكتسبون مهارة التقليد كأول صفة تظهر لديهم، حيث قد تبدأ بعض الاضطرابات النفسية في الطفولة نتيجة التقليد المستمر للمحتويات التي يشاهدونها. وقال منير: "الطفل يبدأ بتقليد ما يشاهده، وهذا يؤدي إلى اضطرابات تؤثر على سلوكياته، صفاته، نطقه، وتواصله الاجتماعي. كما يمكن أن تضعف هذه التأثيرات قدراته العقلية ومستوى الذكاء والتركيز لديه".
وأشار إلى أن "الأطفال الذين يتعرضون بشكل مكثف لمحتويات الشاشات قد يصابون باضطراب يُعرف بتشتت الانتباه، ما يضعف قدرتهم على التواصل الاجتماعي والتفاعل مع البيئة المحيطة بهم، بما في ذلك مع الوالدين داخل المنزل".
أما بالنسبة للشباب، فقد أكد منير أن هذه الفئة معرضة لاضطرابات في تحديد الهوية نتيجة التعرض المفرط لوسائل التواصل والإعلام. وشرح قائلاً: إن "مرحلة المراهقة تتسم بفوران هرمونات الأعصاب والنمو، ما يؤدي إلى اضطرابات في تحديد الهوية. إذا كانت وسائل التواصل محدودة وموجهة بشكل صحيح، يمكن أن تسهم في رفع مستوى الذكاء والنضج لدى الشباب. أما إذا كانت مفتوحة وغير موجهة، فإنها قد تؤدي إلى تفاقم هذه الاضطرابات".
كما أشار إلى أن الأطفال والشباب قد يعانون من اضطرابات في النمو والتفكير نتيجة التعرض المستمر للمحتويات الإعلامية.
وأضاف ان "هذه الاضطرابات قد تتسبب في نمو غير متوازن للأفكار، مما يؤدي إلى تفكك في الشخصية واضطرابات في التفكير والنوم".
ودعا منير إلى ضرورة توجيه الأطفال والشباب نحو استخدام محدود وموجه للتكنولوجيا ووسائل التواصل، وتعزيز الأنشطة التي تسهم في تطوير الذكاء والنضج العقلي بشكل صحي.
تفكيك الروابط الأسرية
يقول الباحث الاجتماعي العراقي، محمد علي أحمد، لـ "طريق الشعب"، أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على النسيج الاجتماعي أصبح أكثر وضوحًا في الآونة الأخيرة، حيث تشكل هذه المنصات تحديات جديدة ومعقدة للعلاقات الاجتماعية التقليدية.
ويضيف أن "مواقع التواصل الاجتماعي، رغم قدرتها على توسيع دائرة العلاقات وتسهيل التواصل بين الأفراد، إلا أنها تساهم في تفكك الروابط الأسرية والاجتماعية المباشرة، مما يؤدي إلى نوع من العزلة الرقمية".
ويتابع الباحث، أن "الأطفال والشباب، وهم الفئة الأكثر استخدامًا لهذه المنصات، يتعرضون لضغوط نفسية كبيرة جراء الاستخدام المفرط لها، حيث يصبحون عرضة للقلق والاكتئاب، فضلًا عن تأثر مهاراتهم الاجتماعية التقليدية"، محذرا من أن "الاعتماد المفرط على هذه الوسائل يمكن أن يحجب النمو الطبيعي للتفاعل الاجتماعي، مما يؤدي إلى تفاقم مشاعر الوحدة والانفصال عن الواقع".
ويشير بالقول الى ان ’الأمر يتطلب وعيًا مجتمعيًا كبيرًا ومبادرات تربوية تهدف إلى توجيه الشباب والأطفال نحو استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكثر وعيًا ومسؤولية. ينبغي علينا تعزيز مفهوم الاستخدام الإيجابي لهذه المنصات كأدوات للتواصل الفعّال وتبادل المعرفة، بدلاً من أن تتحول إلى عوامل تساهم في تآكل الروابط الاجتماعية وتقليل التفاعل البشري"، لافتا الى أهمية إعطاء الاهتمام بالمنتديات الشبابية والرياضية، ليتسنى للشباب ان يجدوا أماكن للترفيه برفقة زملائهم، عوضا عن الانعزال برفقة الهواتف.
واختتم الباحث بالتحذير من أن "إهمال هذه الجوانب قد يؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل، تؤثر ليس فقط على الأفراد، بل على المجتمع ككل".
وفي عام 1996، قدمت السيكولوجية الأميركية كيمبرلي يونج دراسة بعنوان "إدمان الإنترنت: ظهور اضطراب عيادي جديد". وجدت الدراسة أن مستخدمي الإنترنت كانوا يعانون من أعراض مشابهة لتلك المرتبطة بالإدمان على القمار، مشيرة إلى أن إدمان الإنترنت يمكن اعتباره "اضطراباً في التحكم في الاندفاعية" دون الحاجة إلى مواد مخدرة.
على الرغم من أن هذه الوسائل تبدو "مجانية" من حيث الاستخدام، إلا أن المستخدم هو السلعة الحقيقية، حيث تستخدم الشركات المالكة وقت المتابعة لتسويق المنتجات. تعكس الأرباح الضخمة التي تحققها هذه الشركات هذه الحقيقة، حيث تصل القيمة السوقية لشركة ميتا، المالكة لفيسبوك وواتس أب وإنستغرام، إلى حوالي 730 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أكبر عشر شركات في العالم.