أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن ما يحدث في أفغانستان بحق النساء والفتيات يمكن مقارنته "ببعض أكثر أنظمة القمع فظاعة في التاريخ الحديث"، وقال: "لن نسمح أبدا للتمييز القائم على النوع الاجتماعي بأن يصبح طبيعيا في أي مكان في العالم".
وفي فعالية أقيمت في سياق الأسبوع رفيع المستوى في مقر الأمم المتحدة اليوم الاثنين، قال غوتيريش إن أحدث قانون أقرته سلطات الأمر الواقع الشهر الماضي "أضفى الطابع الرسمي على المحو المنهجي للنساء والفتيات من الحياة العامة". وأكد أنه الأحدث في سلسلة من المراسيم والقرارات التي تحرم النساء والفتيات الأفغانيات من حقوقهن وحرياتهن في جميع المجالات.
وقال إن النساء الأفغانيات أخبرن الأمم المتحدة أنهن يشعرن "بعدم الأمان والعزلة والعجز"، مضيفا أنهن يفقدن الأمل "ويعشن مثل الظلال، يتحركن بصمت في الظلام ويخشين العقاب دائما".
إيذاء النفس
أكد الأمين العام أن التمييز الشديد القائم على النوع الاجتماعي ليس مجرد إساءة منهجية للنساء والفتيات وانتهاك لاتفاقيات وقوانين حقوق الإنسان، بل إنه "إيذاء للنفس على نطاق وطني".
وأوضح أنه يقوض تماما الهدف المعلن للسلطات الفعلية المتمثل في الاعتماد على الذات اقتصاديا، مضيفا أن مشاركة المرأة وقيادتها أثبتت فوائدها للسلام والأمن والحماية الاجتماعية والاستقرار البيئي وأكثر من ذلك.
وأضاف: "بدون النساء المتعلمات، وبدون النساء في العمل، بما في ذلك في الأدوار القيادية، وبدون الاعتراف بحقوق وحريات نصف سكانها، لن تأخذ أفغانستان أبدا مكانها الصحيح على المسرح العالمي".
وطالب السيد غوتيريش سلطات الأمر الواقع بإزالة جميع القيود التمييزية ضد النساء والفتيات على الفور، وإعادة فتح المدارس والجامعات للفتيات بعد الصف السادس.
وأشار إلى أن النساء الأفغانيات يظهرن شجاعة ملحوظة من خلال المطالبة بحقوقهن والسعي للحصول عليها، وأن المجتمع الدولي يقف متضامنا معهن، مضيفا أن الأمم المتحدة ستواصل إيصال أصوات النساء الأفغانيات والدعوة إلى أن يلعبن دورا كاملا في حياة البلاد، سواء داخل حدودها أو على الساحة الدولية.
عملية الدوحة بخطر
من جانبها، أشارت وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو إلى أن الأمم المتحدة تقود عملية الدوحة التي تهدف إلى زيادة "المشاركة الدولية المبدئية مع أفغانستان لصالح الشعب الأفغاني".
وقالت إن العملية تنطوي على نهج "خطوة بخطوة"، حيث تجعل سلطات الأمر الواقع الحكم أكثر شمولا، وتحترم حقوق المرأة والفتيات وحقوق الإنسان، وتزيد من جهود مكافحة الإرهاب والمخدرات، وفي المقابل يخفف المجتمع الدولي تدريجيا من قيوده ويوفر الدعم الإنمائي.
وقالت: "الهدف هو جعل طالبان تعيش وتلتزم بتعهداتها- تجاه شعبها أولا وقبل كل شيء - والمجتمع الدولي. وبصراحة، بدون هذا، لن تتمكن (أفغانستان-الطالبان) من العودة إلى الحظيرة الدولية".
إلا أن السيدة ديكارلو أكدت أن العملية أصبحت معقدة بسبب القانون الجديد، وهناك مخاطر بإنهائها. وقالت إن البلدان والمنظمات الدولية المشاركة في العملية تريد الاستمرار، لكنها تنتظر من طالبان المشاركة بحسن نية "وعليها أن تبدأ في الالتزام بتعهداتها الدولية".
أخطاء المجتمع الدولي
وقالت فوزية كوفي، نائبة رئيس الجمعية الوطنية الأفغانية السابقة، إنه لأمر "مؤلم للغاية" بالنسبة للنساء الأفغانيات أن يتحدثن عن أشياء اعتبرنها من المسلمات لمدة 20 عاما، مضيفة أنهن لم يعتقدن أبدا أنهن سيعدن للحديث عن "حقوقهن الإسلامية والإنسانية الأساسية، والحق في التعليم، والعمل، والتعايش".
وقالت إن الخطأ يكمن في عملية السلام، التي لم تأخذ في الحسبان سوى حركة طالبان والمجتمع الدولي، "وتركت الشعب الأفغاني والحكومة" خارج المعادلة. وقالت إن هذا جعل طالبان تشعر "بالانتصار" وبعد أن وقعوا على الاتفاق، "لم يفوا حتى بوعودهم" باحترام المرأة وحقوق الإنسان، "وبعض مؤيديهم، بما في ذلك بعض الدبلوماسيين من واشنطن، رددوا نفس الكلمات، ووصفوهم بـ "طالبان 2.0". ويشير التعبير إلى وجود "نسخة مُحدثـّة" من حركة طالبان.
وقالت السيدة كوفي إن الأفغان وقعوا في فخ هذه الرواية، مضيفة أن الوقت قد حان "للعالم للسماح لنا بأن تكون لدينا روايتنا الخاصة". وأشارت إلى إعلان مكون من 12 مادة صدر عن قمة المرأة الأفغانية في تيرانا بألبانيا هذا الشهر، والذي دعا إلى المزيد من الضغط من قبل المجتمع الدولي باعتباره "تعويضا صغيرا عن كل سياساتكم الجاهلة"، وتقنين الفصل العنصري بين الجنسين، من بين مطالب أخرى.
وأضافت: "أعتقد أنه حان الوقت لنا أيضا للنظر إلى الوراء ومعرفة أين ارتكبنا خطأ في سياساتنا. نريد من مجلس الأمن أن يتحد حول قضية أفغانستان. اتركوا خلافاتكم السياسية جانبا، لأن ما يحدث في أفغانستان يمكن أن تكون له آثار أمنية، إن لم تكن آثار على حقوق الإنسان، في عواصمكم. اليوم هذا يحدث لنا، وسيحدث لكم غدا".
ماذا لو كان العكس صحيح؟
وبالنيابة عن منتدى المرأة في أفغانستان، قالت السيدة أصيلة وردك إنها بصفتها امرأة أفغانية، تحمل ثقل أصوات أخواتها الصامتة، مضيفة أن قوانين الأخلاق الجديدة والمراسيم التي فرضتها طالبان "قننت قمعهن".
وسألت القادة الرجال: "ماذا لو كان العكس صحيح؟ كيف ستشعرون إذا مُنعتم من التواجد في المجتمع؟"
وقالت السيدة وردك إن مشاركة العديد من وزراء الخارجية في الفعالية تعكس الالتزام الدولي بضمان عدم نسيان النساء والفتيات الأفغانيات في أروقة السلطة. وشددت على ضرورة إشراك النساء في جميع الأمور المتعلقة بمستقبل أفغانستان بشكل هادف، مضيفة: "لا يمكن بناء مستقبل أفغانستان باستبعاد نصف السكان. يجب أن تكون النساء جزءا من الحل، وليس على الهامش. إنهن ضروريات لتنمية السلام والاستقرار في أفغانستان".
وقالت السيدة وردك إن النضال من أجل مستقبل تكون فيه النساء الأفغانيات حرات ومتساويات ومتمكنات يجب أن يستمر، وقالت: "نحن بحاجة حقا إلى أفعال، وليس مجرد وعود".
تحذير لبقية العالم
من جانبها، أشارت الممثلة والناشطة الأمريكية ميريل ستريب إلى أن النساء في أفغانستان كان لهن الحق في التصويت قبل النساء في سويسرا وفرنسا والولايات المتحدة بكثير، مضيفة أن الطريقة التي تم بها قلب الثقافة والمجتمع الأفغانيين رأسا على عقب "هي قصة تحذيرية لبقية العالم".
وقالت إن أغلب موظفي الخدمة المدنية في أفغانستان في السبعينيات كانوا من النساء، وعملن في كل المهن، واليوم في كابول "تتمتع القطة بحريات أكثر من المرأة".
وأوضحت قائلة: "قد تجلس القطة على أدرج المنزل وتشعر بأشعة الشمس على وجهها. وقد تطارد سنجابا في الحديقة. يتمتع السنجاب بحقوق أكثر من الفتاة في أفغانستان اليوم، لأن المتنزهات العامة أغلقت في وجه النساء والفتيات من قبل طالبان. قد يغني الطائر في كابول، لكن لا يجوز للفتاة، ولا يجوز للمرأة في الأماكن العامة. هذا أمر غير عادي. هذا قمع للقانون الطبيعي".
وقالت ستريب إن طالبان "سجنت" فعليا نصف سكان أفغانستان بمراسيمها، مضيفة أنه إذا اجتمع المجتمع الدولي ككل، فقد يحدث تغييرا في أفغانستان وقد "يوقف الخنق البطيء لنصف السكان".