في ظل غياب قوانين فعالة لحماية حقوق الأطفال في العراق، تستمر حالات تعنيف الأطفال بشكل متزايد، مما يثير قلقًا واسعًا بين المجتمع والمنظمات الحقوقية.
وبالرغم من الجهود المبذولة من بعض الجهات المحلية والدولية لرفع الوعي بأهمية حماية الأطفال، لا تزال هذه الظاهرة منتشرة بسبب ضعف التشريعات وعدم وجود آليات تنفيذية صارمة لمحاسبة المتورطين في تلك الانتهاكات.
وتتفاقم معاناة الأطفال الذين يعيشون في بيئات غير آمنة، مما يتطلب تدخلاً عاجلاً لإصدار قوانين تحمي حقوقهم وتضمن لهم حياة كريمة وآمنة.
وتقول المحامية سناء أحمد، في حديث للإعلام الرسمي، وتابعته(المدى)، إن "ما من شيء يبرر العف ضد الأطفال، والدولة تضع على عاتقها مسؤولية تأهيل الطفل الذي يقع ضحية لأيّ شكل من أشكال العنف أو الاستغلال أو الإساءة، إضافة إلى إعادة دمج الطفل اجتماعيا".
وتردف، أنه "وفقًا للتشريعات العراقية، تكفّل القانون برعاية الأطفال والأحداث بمجموعة من النصوص والتشريعات ومنها قانون رقم 76 لسنة 1983 والذي وضع في المادتين 56 – 58 منه ثماني محظورات أهمها ما يتعلق باستغلال الطفل أو الإساءة إليه كارتكاب جريمة الخطف مثلاً أو جرائم الاغتصاب واستغلاله في الدعارة أو التهريب، ويعتبرها جناية لا تقل عقوبتها عن السجن 5 سنوات، أما آليات الحماية وهي الجانب العملي في تقرير الحماية للطفل فنص المشرع على تشكيل لجان تسمى ‘لجان حماية الطفل’، وتكون لأعضائها صفة الضبطية القضائية في سبيل تطبيق أحكام هذا القانون".
وتوضح، أنه "ووفقاً للمادة (61) تختص اللجنة بتلقي الشكاوى عن أيّ انتهاكات لحقوق الطفل أو تعرضه للعنف أو الاستغلال أو الإساءة كما يكون من حق الأشخاص الإبلاغ عن أيّ واقعة في هذا الشأن خصوصاً الأطباء والمعلمون الذين قد تصل إليهم هذه الوقائع بحكم مهنهم، أما الأطفال الذين يقعون ضحية عنف أو إساءة أو استغلال فيتم إيداعهم بدار الرعاية المؤقتة بقرار من الادعاء العام بناء على توصية مندوب حماية الطفل، ويعاد كذلك إلى وليّ أمره بذات الطريقة بعد زوال أسباب الإيداع وآثاره وبعد تعهد ولي الأمر كتابة برعايته".
من جهته، يؤكد الخبير القانوني، علي التميمي، أن "وجود المادة 41 من قانون العقوبات العراقي التي تتيح للآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون، وهو نص فضفاض يساء استخدامه ويجعل أي محكمة مقيدة في مساءلة من ذكروا أعلاه".
ويضيف، أن "هذه الجرائم تخالف اتفاقيات الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الإنسان ولهذا أصبحت الحاجة ملحة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري كما فعل إقليم كردستان وشرع هذا القانون".
وكان العراق من أوائل الدول العربية التي وقعت على اتفاقية حقوق الطفل والتي أقرت عام 1989 واعترف ببنودها وأصبح عضوا فاعلا فيها، لكن مع تواتر الحكومات العراقية قبل وبعد عام 2003 لم تشرع الدولة العراقية قانونا وطنيا لحماية حقوق الطفل يتواءم مع أحكام الاتفاقية الدولية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الدستور العراقي تضمن عددا من الأحكام التي تؤكد على كفالة الدولة لحقوق الطفل والمرأة والأسرة.
وكشفت تقارير سابقة أن نحو 90 بالمئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام و14 عاماً يتعرّضون بشكل أو بآخر للعنف بأساليب مختلفة.
وعام 2019، سجلت 1606 دعاوى عنف ضد الأطفال بحسب بيانات مجلس القضاء الأعلى. أما عام 2021، فشهد 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، بينما سجلت خلال النصف الأول من العام الحالي 500 دعوى.
وأنهى مجلس النواب، في تشرين الثاني نوفمبر 2022، القراءة الأولى لمشروع قانون حماية الطفل، وسط اعتراضات من بعض الكتل السياسية على ما ورد فيه من بنود، إذ تضمن مشروع القانون بعض البنود الخلافية، منها وضع آليات تتيح للطفل تقديم شكوى ضد ذويه، وتخويل وزير العمل والشؤون الاجتماعية اختيار عائلة بديلة لأي طفل تعرض للانتهاك أو فقد أحد والديه، فضلا عن تحميله الموظف بالخدمة العامة، مسؤولية عدم الإبلاغ عن تعرض الطفل للأذى، لكن القانون بسبب الخلاف على بنود طوي إلى هذه اللحظة.
ونشرت دائرة العلاقات العامة في مجلس القضاء الأعلى إحصائية عن معدلات العنف الأسري فيما يخص الأطفال والنساء وكبار السن خلال عامي 2021 و2022، بينت من خلالها تسجيل 1141 دعوى عنف أسري ضد الأطفال، وكان لمحكمة استئناف بغداد الكرخ النصيب الأكبر بواقع 267 دعوى.
ويرى مراقبون أن الرقم الحقيقي لحالات العنف بحق الأطفال في العراق أكبر بكثير مما أعلن عنه مجلس القضاء الأعلى، لأن قضايا مثل هذه تبقى غالبيتها في البيوت ولا تصل إلى مراكز الشرطة أو القضاء أو الجهات المعنية، ولا تسجلها المحاكم بسبب ضعف الوعي القانوني وسيطرة الأعراف الاجتماعية.