خمس سنوات مرت على انتفاضة تشرين التي رفعت شعار "نريد وطن" في وجه قوى المحاصصة والفساد، التي تمسّكت بطابعها العنفي وإدامة الأزمات، لضمان المحافظة على الامتيازات التي اختنقت بها قوى السلطة، مقابل الحرمان المستمر والمتراكم الذي يواجهه طيف واسع من الشعب العراقي.
محاولة للتصفية
ومع استعادة هذه المناسبة ذكراها الخامسة، لا يمكن مغادرة الأزمات المستمرة في العراق، فضلا عن الأحداث اليومية التي تشهدها العديد من المحافظات، والتي ترتبط بلحظة تشرين وانتفاضتها، خاصة مع ما عاشته محافظة ذي قار من حملة اعتقالات، في الأيام القليلة الماضية، ووصفت بانها محاولة انتقام و"ثأر قديم" لا تستطيع قوى الفساد والسلاح مغادرتها، إذ تعمل على تصفية معارضيها قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، خوفا من فقدان الامتيازات التي كرسها لها المال السياسي والسلطة.
وقبل أيام، أشار تقرير المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولي، إلى ان الذكرى السنوية الخامسة لتظاهرات تشرين التي عمت أنحاء البلاد هي تذكير صارخ باستمرار مناخ الإفلات المستحكم من العقاب، والمصحوب بافتقار السلطات العراقية للإرادة السياسية لتحقيق العدالة، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أثناء التظاهرات وفي أعقابها.
ما هو مصير القتلة؟
وقال عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الرفيق فاروق فياض، إنه "للأسف مرت 5 سنوات على انتفاضة تشرين، ولم تتم محاسبة قتلة المتظاهرين، إنما جرت تبرئة بعض المتهمين الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية في الحكومة السابقة، وحاليا تمت تبرئتهم من هذه التهم"، لافتا الى ان "هذا يشير الى تساؤل حول مصير القتلة؛ اذ لم تكتف الحكومة بتبرئة قتلة المتظاهرين، وانما تقوم بملاحقة المتظاهرين، وخاصة ما يجري حاليا في الناصرية من خلال ملاحقات بقضايا رفعت بحق المتظاهرين سابقا، وهو ما يشكل استفزازا كبيرا للمشاركين في انتفاضة تشرين وللتضحيات التي قدمتها الانتفاضة الكبيرة في تاريخ العراق".
وأضاف، أنّ "الحكومة لم تتعظ من ان العنف والتهديد والترهيب سيكون له رد جماهيري وموقف ضد هذه الإجراءات، ويزيد من التوترات في العراق"، مبيناً أن "القوى المتنفذة التي تسببت بتدهور المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي نفسها من تعيد انتاج نفسها اليوم، وتعمل على انتاج نفس الازمات السابقة، وتحاول ان تحتوي جزءا من هذه الازمات من خلال عملية التوظيف الزبائني والإجراءات الترقيعية".
الحاجة الى منهج بديل
وأشار فياض الى انه "ما لم يكن هناك منهج بديل عن منهج المحاصصة، ويأخذ بنظر الاعتبار المواطنة ومحاربة أسباب الفقر والبطالة بطرق جدية، بالاعتماد على الصناعة والزراعة والمساهمة في عملية التنمية الحقيقية وتقليل الاعتماد على الريوع النفطية، سيبقى العراق يعاني من أزماته البنيوية".
ونوه إلى أنّ "الطامة الكبرى هي أن الانتفاضة خرجت لمحاربة الفساد الذي أدى لانهيار مؤسسات الدولة الخدمية، لكن الفساد بقي كما هو، ولم يتغير شيء في هذا الملف، وسرقة القرن خير شاهد على هذا الامر"، لافتا الى ان هذه الآفة بدأت تأخذ منحى اكبر، ولم تكن هناك محاربة جدية للفساد، الذي يمثل نتاجا طبيعيا لنظام المحاصصة الطائفية".
وبين فياض ان "الانتفاضة كانت تحمل مطالب استقلال القرار السياسي من خلال رفع شعار (نريد وطن) وترفض التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية بالشأن الداخلي العراقي، وتسعى الى تعزيز القرار العراقي الداخلي وحصر السلاح بيد الدولة، وهذه الأشياء لم تتحقق ولا يمكن تحقيقها مع قوى متنفذة تضع مصالحها فوق مصالح الوطن والمواطنين".
تعهدات حكومية بلا نتائج
من جهته، قال أمين عام حركة نازل حقي، مشرق الفريجي، ان "خمس سنوات وحكومتان مرتا على انتفاضة تشرين، وكل حكومة تتحدث عن ضرورة محاسبة القتلة الذين استباحوا الدم العراقي، والكثير من الشهداء ارتقت ارواحهم للسماء ولم يحاسب مرتكبو المجازر والقتلة"، مبينا انه كلتا الحكومتين تعهدتا بمحاسبة القتلة وتشكيل لجان قضائية مرتبطة بمكتب رئيس الوزراء للمتابعة، وتحدث رئيسا الحكومتين السابقة والحالية عن ضرورة انهاء هذا الملف، ومحاسبة القتلة، لكن في النهاية انتهت حقبة الحكومة الأولى والثانية لم يتبق لها سوى عام واحد، والى هذا اليوم لا توجد نتائج. وفي الوقت نفسه نشاهد ارتدادا في هذا الملف، من خلال تنفيذ اعتقالات ومداهمات كبيرة بتهم تتعلق بأيام تشرين، لنشطاء في أيام تشرين، وما يحدث في الناصرية خير دليل".
دعوة لاصطفاف تشريني جديد
وأوضح الفريجي، ان "هناك حلقة مفرغة لا نعلم ماهيتها، ولماذا وكيف وما هي الأسباب في تعيين قائد شرطة جديد، تكون مهمته بالذات إلقاء القبض، وإصدار الأوامر بمداهمة بيوت النشطاء، فقط لأنهم يمارسون حقهم بالتظاهر السلمي، وتفعيل دعاوى مرتبطة بأيام تشرين، تتعلق بغلق مقرات وقطع شوارع، وهذه الأفعال إذا جرت المحاسبة عليها، فعليهم محاسبة غالبية الشعب العراقي، باعتبار أن معظم الشعب العراقي شارك وتعاطف مع تشرين".
وتابع أمين عام الحركة، أن "هذه الأفعال تزيد من إصرار النشطاء والحركات السياسية والتنسيقيات والتنظيمات الاحتجاجية في تشرين، على ان تصطف مرة أخرى، وان تكون حاضرة في سوح الاحتجاج، وكذلك في تنظيم نفسها بشكل أكبر".
محاولات يتيمة من جانب السلطة
ويؤشر تقرير منظمة العفو المتعلق بالذكرى السنوية الخامسة لانتفاضة تشرين مجموعة من النقاط، مع الأخذ بالاعتبار ان التقرير صدر قبل تجدد التظاهرات الحالية في الناصرية. وذكر ان السلطات لا تبذل سوى محاولات يتيمة لتحقيق العدالة بصورة مجدية بالقياس إلى نطاق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي التي ارتُكبت أثناء التظاهرات التي شهدتها البلاد في تشرين الأول 2019، وفي أعقابها. بما في ذلك الاستخدام غير المشروع للقوة المميتة من جانب شرطة مكافحة الشغب والقوات الأمنية الأخرى والأطراف المسلحة.
لكن السلطات الأمنية لم تتعظ من هذه المؤشرات المقلقة، محليا ودوليا، انما استمرت القوات الأمنية ذاتها باستخدام العنف بحق المتظاهرين، وعادت الى استخدام الخراطيش الدخانية والاطلاقات الحية، فضلا عن اعتقال المتظاهرين من دون مذكرات قبض، وبينهم احداث تم الافراج عن 22 منهم خلال فترة اعداد هذا التقرير. فيما يبقى مصير الكثير منهم مجهولا، لاسيما من اقتادتهم القوات الأمنية الى العاصمة بغداد.