"سيرك" بين الأوهام والاحلام
نشر بواسطة: mod1
الخميس 14-11-2024
 
   
حسب الله يحيى - الطريق الثقافي

جواد الاسدي يكتب السيرة الذاتية للمسرح العراقي

ان تكتب سيرتك الذاتية كما فعل حمزاتوف ورامبو ومحمد شكري وطه حسين.. وان يكتب هنري ترويا وستيفان زفايج سير الآخرين. كل هذ ممكن.. بالمعرفة والتجربة والتفاعل والتواصل..

لكن.. ان يكتب مخرج مسرحي السيرة الذاتية للمسرح العراقي تحديداً، فهذا لم يحدث من قبل، ولكنه حدث مع الكاتب والمخرج المسرحي د. جواد الاسدي.

"سيرك" عرض مسرحي لجواد الاسدي/ مؤلفاً ومخرجاً وسينوغرافياً، عرض مؤخراً (28/ 10/ 2024) في منتدى المسرح/ بغداد. تقديم: الفرقة الوطنية للتمثيل.

د. الاسدي/ وان شرق وغرب في بلدان العالم/ وشكل فرقاً مسرحية فلسطينية وسورية ولبنانية.. الا انه ظل منتمياً الى جذوره العراقية، والى ريادته المسرحية وعلى وجه الخصوص انتماءه الفاعل لفرقة المسرح الفني الحديث، وتماسه المباشر مع اعمال وحياة رواد المسرح العراقي وعمله المباشر معهم.

وقد شكل هذا الخزين من المعرفة والتجارب والخبرات بشؤون المسرح المراجع الأساس لكتابة مسرحية "سيرك" ومن ثم إخراجها.

ولأن جواد الاسدي من الفنانين المسرحيين الذين لا تقتصر ثقافتهم ومعرفتهم بفن المسرح حسب وانما هو على معرفة بشؤون الشعر والرواية والتشكيل، وكذلك السياسة بوصفها الموقف الفكري الذي ينطلق من خلاله، ويعمل على ترسيخه ونشره وتوعية الناس به.

لذلك جاءت مسرحية "سيرك" تمتلك هذه الرؤى مجتمعة، وقد وظفها الاسدي في هذا العمل المسرحي، مستعيناً بقدرات نخبة خيرة ومثابرة من المسرحيين، وفي المقدمة تأتي د. شذى طه سالم التي اعادت الحياة للمسرح العراقي حيويته وألقه وعطائه الباهر، الى جانب د. احمد شرجي، وان كان يحمل الكثير من بصمات المخرج المعروفة في اشتغالها على أداء الممثل مثلما كان علاء قحطان يعمد الى تنبيه الجمهور المسرحي بضربات قوية مبالغ فيها..

"سيرك" قدمت سيرة المسرح العراقي، وأشرت الى السلبيات التي يعاني من اليوم، بحيث تحول (مسرح بغداد) مقر فرقة المسرح الفني الحديث الى مبنى مهمل ومدمر وركام من الحجارة والنفايات.. من دون ان يلتفت اليه احد، ومن دون استذكار لعطائه الخير والمتميز من تاريخ المسرح العراقي.. وهو الامر الذي جعل هذا المسرح صورة للعراق وما واجهه من الدمار والخراب.

وعبر الإشارة الى جذور مسرحنا الذي عرف بهويته الوطنية وتناوله ابرز القضايا والظواهر الاجتماعية والسياسية، بجرأة ووعي وفكر نيّر وايحاءات الى العالم المحيط به كذلك.

"سيرك" لم تقتصر على هذه السيرة المسرحية، وانما عمل الاسدي على توظيفها، لتشكل هذه السيرة بالتالي، سيرة المجتمع العراقي وهو يواجه العسف والظلم والتهجير ومتخلف أساليب العنف والتغييب والقهر والقتل..

صحيح ان العرض المسرحي، جاء جامعاً لجملة قضايا اجتماعية وسياسية وفنية ملحة، الا ان المخرج عمد الى جمعها في حياة مجموعة من العالمين في "سيرك" لا يحتمل وجوده أعداء الانسان ورواد الجهل.. لذلك حولوا كائناته الى (كلاب) يقتلونها ويريدون التخلص منها، خلاصاً من وعي الانسان ونباهته وارادته الحية.

ولأن المسرح في أولى مهامه تقديم أوجه الصراع الدرامي، عمد الاسدي الى تشكيل (توليفة) جامعة لكل السلبيات التي نعيشها في خط ظل يعرض هذه السلبيات التي نعاني منها جميعاً، الا ان العرض لم يتمكن من تحقيقها درامياً، بحيث ظل الطرف الآخر للفعل الدرامي غائباً، بمعنى ان أداة الجريمة وطغيان السلطة، لم نجد لهما حضوراً على خشبة المسرح. وقد ادرك المخرج هذا الخلل في تكوين العرض، مما جعله يعمد الى إلقاء (خطبة) جاءت لتقدم خلاصة متفائلة لما يريد المخرج اشاعته ونشره في هذا العرض في حين كان يحسن به ان يحول هذه (الخطبة) التي ادتها شذى سالم بقدرة عالية، الى فعل مسرحي، والى شخصيات حية، والى دراما يتطلبها فن المسرح، بوصفه الفن المعني بإدارة هذا الصراع، لا ان يقدم فكرته بشكل خطابي حاد النبرة.

نعم.. "سيرك" عمل مسرحي نابه، غير ان هذه النباهة التي يمتلكها مخرج له منجزاته الكبيرة/ تأليفاً واخراجاً/ فان من أولى مهامه ان يكون مسرح حدث، اكثر منه مسرح مشاهد متعددة حاول المخرج جمع شتاتها، ولملمة اشلائها، حيث ظلت محتفظة بجزئياتها، ولم نجد لها خطاً واضحاً يعنى بتجميعها بسيرة المسرح.

ومع ان المخرج حاول ان يقدم لنا خشبة مسرح محترقة هي السيرك، في إشارة الى الحرائق والدمار الذي لحق بالعراق كله، الا انه ابقى على لوائح خشبية سوداء وعلى منضدة، وانعكاسات وبقع ضوئية، هي كل أدوات وديكور مسرج جواد الاسدي المألوفة التي لم يتجاوزها ولا ان يخرج من عباءة هيمنتها عليه على الرغم من ان أرضية المسرح التي بقيت على بياضها فيما الأشجار المحترقة في الحديقة التي تجري فيها الاحداث يابسة.

ان أسلوب المخرج الذي عرض باشتغاله الأهم على الممثل بوصفه اداته وصوته وفعله وفكره على الخشبة، وعلى أهمية هذا التصور.. الا ان الممثل لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يبقى هو العنصر الأساس والاهم وحتى الوحيد على الخشبة.

الاسدي مخرج يفكر في منجزه ولم يسبق له ان قدم عملاً خلواً من هذا الفكر النقدي الذي ينتمي اليه، الا ان التكوين والارتقاء والتجاوز لما سبق.. هي من أولى مهام المخرج الناجح والعرض المسرحي الموثق- والاسدي هو من صناع هذا العرض المسؤول ومن رواده الأوائل، ولا يمكن لنا الا ان نعد مسرحه مسرحاً له رسالته المضيئة وله ارادته المشرقة.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced