أكدت الدكتورة حنان بلخي المديرة الاقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، أهمية وجود رؤية مشتركة من مختلف الجهات للتصدي لمقاومة مضادات الميكروبات التي تودي بحياة الملايين سنويا وتسهم في انتشار الأمراض وصعوبة معالجتها.
وتحدث مقاومة مضادات الميكروبات عندما لا تستجيب البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات للأدوية، مما يؤدي إلى صعوبة أو استحالة علاج العدوى، وزيادة خطر انتشار الأمراض والإصابة بالمرض الشديد والوفاة.
وعلى هامش المؤتمر الوزاري الدولي الرابع المعني بمقاومة مضادات الميكروبات المنعقد في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، تحدثت الدكتورة بلخي مع أخبار الأمم المتحدة عن التحديات التي يواجهها إقليم شرق المتوسط من صراعات ونزوح واسع. وأكدت "أهمية الابتكار في كيفية توصيل المضادات الحيوية وحماية المجتمعات المتأثرة بالصراعات من التعرض لالتهابات لا يمكن علاجها" قد تؤدي إلى إصابات تسفر عن بتر الأطراف على سبيل المثال.
وقالت إن قضية مقاومة مضادات الميكروبات ليست قضية صحية مهمة فحسب، وإنما هي أيضا مسألة اقتصادية تؤثر على تنمية الدول ونموها الاقتصادي. وتناولت المبادرات الإيجابية في هذا المجال لدعم مختلف البلدان في إيجاد حلول لتطبيق برامجها الوطنية لمقاومة المضادات الحيوية.
فيما يلي نص الحوار مع الدكتورة حنان بلخي المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط.
الدكتورة حنان بلخي: المؤتمر الوزاري الرابع لمقاومة مضادات الميكروبات يعتبر مهما جدا لأنه يجمع وزراء الصحة ووزراء الزراعة والبيئة والمياه من كثير من دول العالم. أعتقد الآن وصل العدد إلى أكثر من سبعين دولة مشاركة في هذا المؤتمر الوزاري، وهذا يعتبر تقدما محرزا كبيرا جدا عن المؤتمرات الوزارية السابقة.
فنحن نبني كل مرة ليكون هناك عدد أكبر من المشاركين من الوزارات المختلفة، وهذا بحد ذاته يضمن بحول الله أن يكون هناك نقاش على ما نأمل أن تقوم به جميع الوزارات المختلفة من ناحية حماية المجتمعات من نشوء مقاومة مضادات الميكروبات.
فماذا أعني بهذا الشيء؟ على سبيل المثال الماء، البيئة، المجتمع الذي يعيش فيه الناس بشكل متكدس، ألا يكون هناك صراعات طبعا. لأن التكدس والصراعات وضعف البنية التحتية للإنسان والحيوان والنبات تساعد على نشوء مقاومة مضادات الميكروبات. لذلك الأمل أن يكون هناك اتحاد من جميع الوزارات المختلفة من جميع المشاركين والشركاء والمؤسسات الدولية وأن تكون لديهم نظرة موحدة لمقاومة مضادات الميكروبات.
أخبار الأمم المتحدة: هناك العديد من أهداف التنمية المستدامة التي أصبحت بعيدة المنال، لماذا يجب أن تكون مقاومة مضادات الميكروبات أولوية للدول وأصحاب المصلحة الآخرين؟
الدكتورة حنان بلخي: طبعا هي مهمة لأنها أجندة تخص جميع أمور الصحة ولكن أيضا تخص اقتصاديات الدول. بالنسبة للصحة هناك تقدم محرز كبير من ناحية أنواع العمليات الجراحية، المقاومة، حماية المواطنين الذين لديهم عمليات متقدمة وصعبة إذا تعرضوا لالتهاب معين، ولم نجد الدواء أو المضاد الحيوي المناسب لعلاجهم، فسوف نفقد جميع الاستثمارات الموجودة في الرعاية الصحية المتقدمة. هذه ممكن أن تكون من الأشياء المهمة.
الشيء الثاني أن المضادات الحيوية عندما تكون هناك مقاومة من الجراثيم، ستؤثر على اقتصاديات الدول التي تعتمد على إنتاج اللحوم، الدواجن، الأسماك لأنهم أيضا يعتمدون على المضادات الحيوية للحفاظ على الثروة الحيوانية والنباتية لأسباب اقتصادية، لذلك وجودها في الأهداف التنموية المستدامة - على الأقل أحد عشر هدفا من الأهداف السبعة عشر الموجود فيها أجندة مقاومة المضادات الحيوية - يجب أن تكون من أولويات الوزارات المختلفة.
أخبار الأمم المتحدة: كثر الحديث عن التنمية ولكن في منطقتنا هناك الكثير من الصراعات التي تجعل هذا بعيد المنال. كيف يمكن معالجة مقاومة مضادات الميكروبات لهذه المنطقة خاصة وأن أنظمة الرعاية الصحية تتعرض لهجوم مباشر في الكثير من الأحيان؟
الدكتورة حنان بلخي: طبعا موضوع الصراعات هو موضوع تكلمت فيه بكثرة، والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية أيضا تكلم فيه بكثرة. نحن ندعو إلى السلام، ندعو لحماية المراكز الصحية والمستشفيات، ندعو لحماية الكوادر الصحية، وندعو لحماية الأبرياء الذين هم ليسوا طرفا في النزاعات القائمة في المنطقة.
طبعا هذا هو الأمل الأكبر، لكن في ظل عدم وجود هذا الوضع السلمي، كما ذكرت، وأيضا مع وجود أعداد كبيرة جدا - أكثر من أربعين في المئة من النازحين داخل الدول أو خارج الدول - في إقليم شرق المتوسط، فيجب أن يكون هناك ابتكار في التفكير في كيفية توصيل المضادات الحيوية وحماية المجتمعات المتأثرة بهذه الصراعات من تعرضهم لالتهابات لا يمكن علاجها. وبالتالي يفقدون أعضاءهم.
وقد يضطر الأطباء أن يقوموا بعمليات بتر، أو يحصل للمرضى تسمم في الدم، وما إلى ذلك من مضاعفات الالتهابات. لذلك نحن ندعو إلى السلم، وفي نفس الوقت تقوم منظمة الصحة العالمية بدعم المؤسسات الصحية ووزارات الصحة في هذه الدول بكل قدراتها، وعلى الأقل لإيصال الرعاية الصحية الممكنة لهؤلاء المتضررين من هذه النزاعات.
أخبار الأمم المتحدة: هل لك أن تحدثينا قليلا عن بعض التحديات الأخرى التي تواجهها المنطقة في مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات؟
الدكتورة حنان بلخي: طبعا من الأمور الصعبة في المنطقة هو على سبيل المثال الدعم المالي لقطاعات الصحة، وهو أقل مما تحتاجه هذه الوزارات لكي تقوم بدور كاف، ونحن نحاول أن نجد دعما ماديا لأجندة الصحة بشكل عام.
بعض الدول لديها تحديات كبيرة من ناحية البنية التحتية للبيئة. إذا لم يكن لدى بعض الدول بنية تحتية للصرف الصحي، على سبيل المثال، سيعاني الناس من اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي، وهذا يعتبر داعما كبيرا جدا لنشوء مقاومة مضادات الميكروبات.
لذلك تعتبر البنية التحتية مهمة، نقاوة وصفاء المياه والماء الجيد النظيف للشرب، وأيضا لتنظيف الأماكن، هذا أمر مهم جدا. فهناك تحديات كبيرة من ناحية الدعم المادي، وهناك أيضا تحديات على جانب الدعم التقني. التحدي الآخر الذي نراه في منطقتنا في بعض من الدول هو هجرة الكادر الطبي وهذا يعتبر تحديا كبيرا جدا. ننظر نحن كمنظمة الصحة العالمية في كيفية الابتكار لإيجاد البيئة المناسبة لاستيطان هؤلاء الكوادر المتميزة التي تبرع وتبدع عندما تذهب إلى دول أوروبية أو دول غربية، فالتحديات كبيرة جدا.
أنا شخصيا أتعامل مع هذا الملف بحب وبإخلاص شديدين لأنه يعتبر من صميم تخصصي في العشرين السنة الماضية، وأيضا إيجاد الدعم قدر المستطاع لوزارات الصحة للتعامل مع هذا الملف.
أخبار الأمم المتحدة: للنظر إلى الجانب الأكثر إشراقا إن صح التعبير، بعد أن تحدثنا عن التحديات، ما هي المبادرات الإيجابية في هذا المجال؟
الدكتورة حنان بلخي: المنطقة فيها مبادرات كبيرة جدا بحول الله. مبادراتي أنا كمديرة إقليمية لشرق المتوسط نتحدث عن ثلاث مبادرات مهمة. الأولى هي الوصول إلى الرعاية الصحية وما يحتاجه المريض في الرعاية الصحية من أدوية، من اهتمام من ناحية الأجهزة الطبية وما إلى ذلك.
المبادرة الثانية تتكلم عن الكوادر الصحية. المبادرة الثالثة قد لا تكون متعلقة بشكل قوي جدا مع مقاومة المضادات الحيوية، وهي تخص التعاطي والإدمان. مع أن التعاطي والإدمان لديهما مشاكل أيضا في بعض الأمراض التي تنتشر عن طريق الحقن، حيث من الممكن أن تنخفض مناعة الأشخاص ويصبحون معرضين للأمراض المعدية.
المبادرتان الأولى والثانية، أجد فيهما ناحية مشرقة جدا، وهو دعم الدول عالية الدخل في منطقة شرق المتوسط لإيجاد حلول عملية لهما، ومنها ما ستقوم به المملكة العربية السعودية من إيجاد منصة تعليمية لمشاركة الخبرات المختلفة للدول سواء من المنطقة أو خارج المنطقة، وكيفية قيامها بإيجاد حلول لهذا الملف المهم.
المنصة الثانية التي هي أن يكون هناك منصة للوصول لإيجاد وإيصال الأدوية بالذات - لكن أيضا بعض الأمور الطبية الأخرى - من خلال المملكة العربية السعودية، ولكن أيضا إيجاد هذه المنصة لإيصال هذه المعدات وهذه الأدوية إلى دول شرق المتوسط، وأيضا إلى الأقاليم الأخرى في المستقبل القريب إن شاء الله.
أخبار الأمم المتحدة: السؤال الأخير، ماذا يعني لك كمواطنة سعودية أن تستضيف المملكة هذا المؤتمر؟
الدكتورة حنان بلخي: طبعا هذا موضوع يثلج الصدر بالنسبة لي كوني أنا من المملكة العربية السعودية ومن جدة حيث تربيت ودرست. ولكن كوني أنني كنت مساعدة للمدير الإقليمي بمنظمة الصحة العالمية وأول مساعدة لمدير المنظمة لهذا الملف "مقاومة مضادات الميكروبات"، أنا سعيدة جدا بعد عمل كبير للغاية خلال الخمس سنوات الماضية.
كان هناك المؤتمر الوزاري الثالث في عُمان في اقليمنا والمؤتمر الوزاري الرابع في بلدي الحبيب وفي مدينتي جدة، وأنا فخورة جدا. فخورة جدا بالمبادرات التي تقوم بها المملكة العربية السعودية، وأيضا الدعم الذي حصلت عليه المنظمة في السنوات الماضية بنحو اثنين وعشرين مليون دولار أمريكي لدعم الدول متوسطة ومنخفضة الدخل في إيجاد حلول لتطبيق البرنامج الوطني لمقاومة المضادات الحيوية.
وإن شاء الله تكون هناك مبادرات أخرى، وتستمر المملكة العربية السعودية في قيادة هذا الملف المهم الذي يهم جميع دول العالم سواء كانت عالية، متوسطة أو منخفضة الدخل سواء كانت في حالة السلم أو في حالة الحرب. فجميع الدول بحاجة إلى النظر إلى هذا الملف بجدية كبيرة جدا.