دخل العراق العد التنازلي لاجراء أول تعداد سكاني بعد مرور 27 سنة على آخر احصاء سكاني جرى عام 1997، ولم يتم اعتماده لاسباب تتعلق بخلل في دقة معلوماته.
العراقيون سيمكثون، مجبرين، في بيوتهم لـ 48 ساعة، يومي الاربعاء والخميس، 20 و21 تشرين الثاني 2024، بانتظار الباحث الميداني من اجل ان يملأ استمارة الاحصاء السكاني التي تتضمن 72 سؤالاً تشتمل على 6 محاور اساسية تتعلق بالصحة والتعليم والخدمات والبيانات الفردية والعمل السكن، حسب ما اوضح عبد الزهرة الهنداوي، المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط.
العراقيون كانوا يسمون يوم بقائهم في بيوتهم خلال الاحصاء السكاني بـ (الكرصة) أي يكرصون في بيوتهم ولا يخرجون، وهذا اليوم لا علاقة له بعيد الكرصة المندائي، ومن هذا اليوم استمد المخرج المسرحي الراحل قاسم محمد موضوع مسرحية (نفوس) التي اعدها عن مسرحية (البرجوازيون) للكاتب الروسي مكسيم غوركي، والتي قدمتها فرقة المسرح الفني الحديث ببغداد عام 1971، حيث عكست الصراع بين افراد عائلة عراقية خلال مكوثهم في البيت في يوم إجراء الاحصاء السكاني.
الهنداوي قال لشبكة رووداو الاعلامية اليوم الاحد (17 تشرين الثاني 2024): "أمامنا 3 ايام على موعد بدء عملية الاحصاء السكاني، واتخذنا الاستعدادت الكاملة لانجاح العملية في موعدها المقرر"، موضحاً: "لقد صدر قرار إجراء التعداد من قبل رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، في تموز 2023، وبدأنا استعداداتنا من ذلك التاريخ عملياً، ومن شهر تموز 2023 حتى نيسان 2024 قمنا بعمليات اعداد الخطط والتفاصيل المكتبية والاستشارات".
الهنداوي، أردف أنه "في شهر نيسان الماضي تحولنا الى الخطط العملية حيث تعاقدنا مع شركات عالمية لتصنيع الاجهزة اللوحية والبرامجيات ومركز البيانات، ونحن نتحدث هنا عن 7 اشهر من الاستعدادات العملية".
وبلغة الأقام، ذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، أن "هناك 120 الف باحث ميداني سيشاركون باجراء عمليات التعداد في 18 محافظة عراقية، العراق وبضمنه أقليم كوردستان، وسيذهبون الى كل بقعة داخل العراق، جبال ومدن وقرى وارياف ومناطق الاهوار والمناطق الصحراوية للوصول الى البدو الرحل، وستظهر النتائج الاولية للتعداد خلال 48 ساعة والتفصيلية خلال شهرين"، مضيفاً أن "الميزانية المخصصة لاجراء عمليات التعداد بلغت 450 مليار دينار".
وذَكر عبد الزهرة الهنداوي أن "عملية الاحصاء السكاني الذي سيجري يومي 20 و21 من الشهر الجاري لا تشمل عراقيي الخارج في هذه المرحلة بل فقط العراقيين الذين في داخل العراق، وفي مرحلة أخرى سيتم تعداد العراقيين الذين هم في الخارج".
وشدد المتحدث باسم وزارة التخطيط على ان "استمارة التعداد لا تتضمن أية أسئلة تتعلق بقومية أو مذهب أو طائفة المواطن".
في رده عن سؤال حول كيفية التعامل مع غير العراقيين الذين يحتمل انهم حملوا الجنسية العراقية بعد 2003، قال: "بصراحة لا استطيع ان اعلق على هذه المعلومة ولا امتلك اجابة علن هذا السؤال، ويبدو هناك مبالغة في هذه التفاصيل، فنحن سنتعامل مع اي مواطن عراقي يحمل البطاقة الوطنية الموحدة او هوية الاحوال الشخصية وسيم اعتماد تعداد 1957 في المناطق المتنازع عليها اذا كانت هناك اشكالية".
وأكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي أن "عدم وجود احصاء سكاني ومعلوماتي منذ عام 1997 خلق لنا الكثير من الاشكاليات في كافة المجالات الحياتية والخدمية حيث لا توجد صورة واضحة للمشهد العراقي، وبالتالي انعكس سلباً على مستوى الحياة".
في رده عن الارقام المعلنة للعراقيين دون إجراء تعداد سكاني وفيما اذا كانت مجرد تقديرات عشوائية، قال إن "الارقام المعلنة ليست عشوائية بل عندنا تقديرات لعدد السكان وفق معلومات الخصوبة والانجاب وهذه معتمدة عالمياً وتحسب سنوياً فيما يتعلق بعدد السكان وعندنا تقديرات سنوية، ففي عام 2010 كان عدد العراقيين 32 مليون نسمة".
وكان مهدي الحافظ وزير التخطيط في أول وزارة شكلها رئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي عام 2004، وفي لقاء صحفي لي معه قد شدد وقت ذاك ومنذ وقت مبكر على اهمية إجراء الاحصاء السكاني في العراق من اجل اعداد الخطط المرسومة بدقة لبناء دولة ناجحة.
يذكر ان أول تعداد سكاني جرى في العراق كان عام 1920 من قبل الإدارة البريطانية. وثاني تعداد نُظم عام 1927 وألغيت نتائجه لكثرة الأخطاء التي رافقت العملية. تم ثالث تعداد عام 1934 لغرض الانتخابات. وبرغم بساطة بياناته إلا أنه مرجعية للدولة في خططها وبرامجها الحكومية بقيت معتمدة عليه حتى أجري تعداد آخر في 1947 وبلغ فيه عدد العراقيين 4 ملايين و826 ألف نسمة.
وجرى تنظيم تعداد في 1957 وأظهرت فيه النتائج أن عدد العراقيين هو (6 ملايين و300 ألف نسمة)، كما جرى تعداد عام 1965 (بدلاً من 1967) وفي تعداد 1977 أظهرت النتائج أن عدد العراقيين (12 مليون نسمة)، وخلال الحرب العراقية الايرانية اجري التعداد عام 1987 وكان عدد العراقيين 18 مليون نسمة، وبهذه المناسبة غنى الفنان (الراحل) داوود القيسي انشودته المشهورة "18 مليون نسمة.. 18 مليون احنة" وشهد عام 1997 تنظيم آخر تعداد سكاني في العراق، والعملية شابتها الكثير من المشاكل، فلم يشمل الاستطلاع إلا 15 محافظة بعد استبعاد محافظات إقليم كوردستان، الأمر الذي دفع بعض الباحثين لعدم الاعتراف بنتائجه والاكتفاء ببيانات الإحصاء الذي سبقه بعشر سنوات وشمل جميع محافظات العراق.