عاد ملف تشكيل مجلس مفوضي حقوق الإنسان في العراق إلى الواجهة، وسط موجة انتقادات طالت مجلس النواب لتأخره في حسم هذا الملف إثر الخلافات السياسية والمحاصصة الحزبية، ما ترك أثرًا سلبيًا على أداء المفوضية.
ويشير مختصون إلى أن غياب مجلس مفوضين منتخب أدى إلى انحسار دور المفوضية، ومع تصاعد ملفات حقوقية شائكة مثل التضييق على حرية التعبير، والانتهاكات التي طالت بعض المعتقلين في السجون مؤخرًا، بدا واضحًا أن المفوضية لم تتمكن من تبني مواقف جادة بسبب غياب المجلس المسؤول عن اتخاذ القرارات.
ومنذ الثالث من اب 2021، تعيش المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق حالة من الفراغ القانوني نتيجة غياب مجلس مفوضين منتخب، وهو ما أدى إلى توقف النشاطات الأساسية للمفوضية.
في عام 2021، أنهى مجلس النواب ولاية الدورة الثانية للمفوضية العليا لحقوق الإنسان بعد انتهاء مدتها القانونية، ومنذ ذلك الحين لم يتمكن من تشكيل مجلس مفوضين جديد، رغم تقديم الترشيحات اللازمة.
وتأسست المفوضية العليا لحقوق الإنسان عام 2012 بموجب قانون (53 لسنة 2008 المعدل)، بعد قرار بحل وزارة حقوق الإنسان رسميًا خلال حكومة نوري المالكي الثانية (2006-2014)، ورغم دورها الأساسي في تعزيز الحقوق والحريات، إلا أن غياب مجلس المفوضين يعطل عملها ويحد من تأثيرها في القضايا الحقوقية.
رفاهية وغير مهمة!
بدوره، يفسر عضو سابق في مفوضية حقوق الإنسان، برود القوى السياسية، تجاه تشكيل مجلس المفوضين، بأنها " الأحزاب تسعى بشكل غير مباشر إلى معاقبة المفوضية من خلال عرقلة تشكيل مجلسها الجديد، خاصة بعد مواقفها السابقة التي تضامنت فيها مع أحداث تشرين، وإصدارها بيانات انتقادية للكثير من الانتهاكات السلبية".
وأشار عضو المفوضية السابق الذي طلب حجب اسمه لـ(المدى)، أن "أغلب القوى السياسية لا تؤمن بمبادئ حقوق الإنسان، وتعتبرها قضية ثانوية أو رفاهية، ما يفسر غياب الاندفاع لتفعيل مجلسها، أو إعادة تشكيلها بشكل يعزز دورها في مراقبة أداء المؤسسات الرسمية وحماية الحريات العامة".
ووثّقت المفوضية العليا لحقوق الإنسان الانتهاكات التي طالت المشاركين في احتجاجات تشرين، من خلال تقارير وبيانات تناولت أعداد الضحايا، كما قدمت شهادات مفصلة حول أعمال العنف التي ارتكبتها الجهات الحكومية، وأسفرت عن مقتل مئات الأشخاص وإصابة آلاف آخرين خلال الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة بغداد وعدة مدن في جنوبي العراق.
ومع وصول عدد من النواب المستقلين إلى مجلس النواب عقب انتخابات عام 2021، تعززت آمال الأوساط الحقوقية في إمكانية الدفع نحو إعادة تشكيل مجلس مفوضية حقوق الإنسان، إلا أن هذه الآمال سرعان ما تراجعت بسبب استمرار الخلافات السياسية.
معارك البرلمان!
من جهته، قال النائب حميد الشبلاوي إن "ملف مفوضية حقوق الإنسان في العراق يواجه عرقلة مستمرة منذ عام 2021، حيث لم تتمكن الجهات السياسية من تشكيل مجلس جديد للمفوضية، ما أدى إلى تراجع تصنيف العراق في حقوق الإنسان دوليًا من "أ" إلى "ب"."
وأضاف الشبلاوي في تصريح لـ(المدى)، أن "المفوضية تمثل العمود الفقري لأي نظام حقوقي في العالم، فهي الجهة المسؤولة عن توثيق الانتهاكات ورفع التقارير إلى المنظمات الدولية، ومع غياب مجلسها، نفقد أداة مهمة تعبر عن معاناة المواطنين وتعزز مكانة العراق في المحافل الدولية".
وأشار إلى أن "القوى السياسية تتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا التعطيل، حيث يتم التعامل مع المفوضية كمؤسسة هامشية بدلًا من اعتبارها ضرورة أساسية لحماية حقوق الإنسان وبناء الدولة".
وتسبب هذا الحال، بأن أوصت سكرتارية لجنة اعتماد المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان في التحالف العالمي في جنيف بتخفيض درجة تصنيف المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق من درجة (A) الى درجة (B) بسبب اخفاق مجلس النواب باختيار مجلس المفوضين وفقدانها استقلاليتها، من خلال إدارتها من قبل وزارة العدل وتراجع مستوى التقارير الدولية المطلوب تقديمها كأحد شروط تقييم فاعلية ادائها.