الهيدروجين الأزرق والشمس.. عن بدائل النفط "الممكنة" في العراق
نشر بواسطة: mod1
الثلاثاء 17-12-2024
 
   
مهند فارس -جمار

ما هي البدائل المتاحة للخروج إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وأقل ضرراً على البيئة والإنسان؟ عن العراق الريعي الذي يعتمد على الوقود الأحفوري في كل شيء، ويواجه أزمة مناخ تضرب الدولة والمجتمع والتنوع الإحيائي..

في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP29)، ذهب عبد اللطيف رشيد، رئيس جمهورية العراق إلى باكو، عاصمة أذربيجان، حيث انعقاد المؤتمر، وألقى كلمةً غير مؤثرة عن تأثّر العراق بالتغيّر المناخي الذي يجتاحه.

ورغم تأكيد خطاب رئيس الجمهورية على أنّ العراق يعتمد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري، كشف رشيد عن وجود عدة “وثائق واستراتيجيات وخطط”، لتمهيد “مسارات عملية للقطاعين العام والخاص للوفاء بالتزامات العراق المناخية”، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتعبئة الموارد المالية، “لمواجهة تحديات التغير المناخي والسير نحو مستقبل أكثر استدامة”.

الرئيس قال للمؤتمرين إنّ العراق يعمل على تنفيذ التزاماته ضمن اتفاقية المناخ وما يليها من وثائق دولية، لتخفيف مساهمته في انبعاثات الغازات الدفيئة، “واكتساب المرونة للتكيف مع آثار التغيرات المناخية، والتحول التدريجي نحو الطاقة المتجددة”.

لكنّ ذلك الخطاب المزدحم بالوعود، لا يشبه أي شيء يحدث على الأرض، ففي الوقت الذي تحدّث فيه رئيس الجمهورية عن “إنجازات” غير متحققة حتى الآن في تحويل مسار العراق من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة؛ يقف العراق ثالثاً بين أكثر تسع دول في العالم حرقاً للغاز المصاحب لإنتاج النفط، بحسب آخر تقارير البنك الدولي.

وفقاً للبنك الدولي، تظلّ روسيا الاتحادية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والعراق، والولايات المتحدة، وجمهورية فنزويلا البوليفارية، والجزائر، وليبيا، ونيجيريا، والمكسيك، الدول التسع الأولى في إحراق الغاز في عام 2023. وتتحمل هذه الدول مجتمعة مسؤولية 75 بالمئة من إحراق الغاز العالمي، في حين أنّها مسؤولة فقط عن 46 بالمئة من إنتاج النفط العالمي.

شمس العراق المهدورة

في الوقت الذي يعتمد العراق على الوقود الأحفوري بنسبة 98 بالمئة لإنتاج الكهرباء، يتجه العالم لتقليل هذا الاعتماد في كل عام، ففي عام 2022، بلغت طاقة الرياح والطاقة الشمسية مستوى قياسياً وصل إلى 12 بالمئة إنتاج من الكهرباء العالمية، ارتفاعاً من 10 بالمئة عام 2021. وفقاً لتقرير أصدره عام 2023 مركز أبحاث الطاقة Ember.

يتمتع العراق بأكثر من 3 آلاف ساعة من سطوع الشمس، من أصل 8700 ساعة في السنة، وهذا يجعله من أكثر بلدان العالم ميزة للاستفادة من الطاقة النظيفة، لإنتاج الكهرباء، لكنّه ما يزال متعثراً في هذا المجال، رغم محاولات لافتة في هذا المجال، منها شراء شركة قطر للطاقة 50 بالمئة من حصة مشروع توتال إنرجيز للطاقة الشمسية في العراق، والذي تصل طاقته الإنتاجية القصوى إلى 1.25 غيغاوات.

وقالت قطر للطاقة إنّ مشروع الطاقة الشمسية، الذي سيتم تطويره على مراحل سيدخل حيز التشغيل بين عامي 2025 و2027، “سيكون قادراً عند اكتماله على توفير ما يصل إلى 1.25 غيغاوات في الذروة من الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية”، مشيرة إلى أن المشروع سيتضمن استخدام “مليوني لوحة شمسية ثنائية الوجه وعالية الكفاءة”. وسيوفر المشروع عند اكتماله، الكهرباء لحوالي 350 ألف منزل في محافظة البصرة.

هذا المشروع هو جزء من مشروع كبير يُسمّى “مشروع نمو الغاز المتكامل في العراق”، والذي تبلغ قيمته 27 مليار دولار، يهدف إلى تعزيز إمدادات الكهرباء في العراق بأساليب منها الحفاظ على الغاز في ثلاثة حقول نفطية بدلاً من حرقه، واستخدامه في تزويد محطات توليد الطاقة.

لكن تحوّل العراق من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة، لا تقف تحدياته عند حقل الكهرباء فقط، فالبلاد تعتمد بشكل ريعي على النفط، وميزانيات العراق السنوية تحدد وفقاً لسعر برميل النفط وحده لا شريك له، وهذا يجعل القطاعين العام والخاص يتحركان إلى الإمام أو الخلف؛ وفقاً لبورصات النفط العالمية، يضاف لها شكل البنى التحتية التي تحتاج إلى عمليات استبدال كبيرة لتتماشى مع متطلبات الطاقة البديلة أو المتجددة أو النظيفة، وهذا تحد آخر يواجهه العراق، ولن يقدر على الهروب منه.

الإشكالية الظاهرة في البنى التحتية هي أنها تعمل بالوقود الأحفوري، ولإدامة الحياة والأعمال اليومية للقطاعين الحكومي والخاص، ولتلبية متطلبات الخدمات الأساسية، يجب أن يستمر العراق في الاعتماد على النفط، جنباً إلى جنب مع خططه في الاستثمار بالطاقة المتجددة والوفاء بالتزاماته الدولية الخاصة بالمناخ.

وهذه الإشكالية قائمة مع إشكاليات أخرى، تتعلق بقوانين الاستثمار، وقانون النفط والغاز، الذي يعلوه الغبار في أدراج البرلمان العراقي منذ سنين طويلة، والبيئة الآمنة لجذب رؤوس الأموال النظيفة، والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من أجل هذا التحوّل، وهذه إشكاليات تمثل عقبة أساسية أمام وعود وأحلام الطاقة النظيفة.

وقود عالي الكبريت

في تشرين الثاني 2024، أعلنت شركة تسويق النفط العراقية المملوكة للدولة (سومو) عن مناقصة لشراء المزيد من شحنات الديزل عالي الكبريت، على أن تصل في كانون الأول، بعد أن أبدت في وقت سابق اهتماماً بشحنة أخرى في تشرين الأول الماضي، الشركة تسعى للحصول على 85 ألف طن من الديزل، الذي تبلغ نسبة الكبريت فيه 2500 جزء في المليون.

وهذه هي المرة الثانية التي تسعى فيها الشركة لشراء شحنات من الديزل الذي تبلغ نسبة الكبريت فيها 2500 جزء في المليون، وهذه الشحنات ضرورية لتشغيل مصافي تكرير النفط في وسط وجنوب العراق، ومنها مصفى الدورة في بغداد، الذي يثار حوله الشكوك والشكاوى، من كونه مصدراً لانبعاثات غازية خانقة، تُعرف محلياً بظاهرة “رائحة الكبريت”.

مشروع الطاقة الشمسية ضمن مشروع نمو الغاز المتكامل في العراق، ليس يتيماً في البلاد، بحسب جعفر البراك، الباحث في مجال النفط والطاقة، الذي يقول لجمّار إن العراق يمتلك العديد من مصادر الطاقة البديلة ومشاريعها التي بدأت منذ عام 2019، توجت، بحسب البراك، بتعاقد الحكومة مع شركة بتروجاينا الصينية، لإنشاء مشروع للطاقة الشمسية في محافظة المثنى بطاقة 750 ميغاواط، وشركة مصدر الإماراتية لتنفيذ مشروع آخر بسعة 1000 ميغاواط، إضافة إلى شركة باور السعودية لإنشاء محطة بسعة 1000 ميغاواط في محافظة النجف، كما خصصت الحكومة 65 مليار دينار عراقي لنصب منظومات الطاقة الشمسية داخل 546 مبنىً حكومياً، مثل مبنى البرلمان، والقصر الحكومي.

يرى البراك أن التحول الكامل نحو الطاقة البديلة يحتاج إلى خطط استراتيجية، واستثمارات ضخمة من أجل “إنشاء مزارع لتوليد الطاقة البديلة”، وتحديث البنية التحتية لشبكات الكهرباء، نظراً لحاجة البلد الى نحو 35 ألف ميغاواط، من أجل تلبية احتياجاته.

ولكن هل يستطيع العراق الاستغناء عن النفط؟ لا يعتقد البراك أن البلد قادر على ذلك، “من الجنون سياسياً واقتصادياً الاستغناء عن هذه الطاقة الرخيصة والغزيرة، والاتجاه إلى طاقات مكلفة في إنتاجها وصيانتها، إذ لا تتجاوز كلفة إنتاج البرميل الواحد 10 دولارات، في حين يتجاوز سعر بيعه 60 دولاراً”.

ويضيف لجمّار، أن العراق أحال مؤخراً الجولتين النفطيتين الخامسة والسادسة لغرض زيادة عمليات التنقيب عن النفط براً وبحراً، وهذا يعني زيادة في عمليات إنتاجه، في حال اكتشفت آبار جديدة.

محمد صالح سلمان، أستاذ الاقتصاد في جامعة بغداد، يرى في حواره مع جمّار أن النفط من أهم الموارد الاقتصادية في البلاد، ويشكل عموده الفقري منذ اكتشافه في عشرينيات القرن الماضي، إذ تسيطر عائداته على اقتصاد البلاد، وتوفر له العملة الصعبة تالياً، ويدخل ناتجه في تمويل موازنته العامة.

ويُرجع سلمان هذا الاعتماد إلى كون النفط المورد الطبيعي الأوفر والأسهل استغلالاً، حيث تقدّر احتياطاته بحوالي 145 مليار برميل، علاوة على انخفاض كلفة استخراجه مقارنة بغيره من الموارد.

الاعتماد على الوارد النفطي يرجع في الوقت نفسه إلى عجز العراق عن تنويع مصادر دخله، فالأوضاع المتوترة التي عاشها البلد خلال العقود الماضية، دمرت القطاعات الاقتصادية، لذا أصبح النفط الطريقة الرئيسية لتعافي الاقتصاد، وتوفير السيولة المالية اللازمة سنوياً لإحياء وتشغيل بنيته التحتية المنهارة.

الهيدروجين المنخفض الكربون

لكنّ العراق يمكنه كذلك التوجه نحو استثمار الهيدروجين المنخفض الكربون، سواء الأزرق أو الأخضر، وهو الآن يعد جزءاً مهماً من الجهود التي تبذلها الدول لمعالجة المخاطر البيئية والاقتصادية التي تتعرض لها جرّاء استخدام الوقود الأحفوري.  

وبحسب الإسكوا، يساهم الهيدروجين المنخفض الكربون في تخفيف الاعتماد على الوقود الأحفوري، سواء كمصدر للدخل من الصادرات أو في مزيج استهلاك الطاقة.

وفي عام 2023، كشف تقرير صادر عن معهد “كابجيميني”، وتناولته صحيفة الشرق الأوسط، أنّ الاستثمارات في الهيدروجين منخفض الكربون والطلب عليه في ازدياد مستمر في مختلف القطاعات، حيث “ازداد الطلب على الهيدروجين عبر صناعات ومناطق جغرافية عدة بأكثر من 10 بالمئة في السنوات الثلاثة الماضية، ومن المتوقع استمرار زيادة النمو خاصة في تطبيقات الهيدروجين التقليدية، مثل تكرير البترول والكيماويات والأسمدة”.

بحسب أرامكو، فإنّ الحراك العالمي المتزايد يدعو للنظر إلى الهيدروجين على أنه عنصر حاسم في التحول إلى طاقة أكثر كفاءة وبأسعار معقولة، مع إمكانية أن يحل محل الوقود ذي المحتوى الكربوني العالي في مجموعة كاملة من التطبيقات، وتشمل تلك التطبيقات توليد الطاقة والحرارة، وتموين الشاحنات بالوقود، وفي عمليات الإنتاج في القطاعات التي يصعب تقليص انبعاثاتها الكربونية مثل الإنشاءات والفولاذ والإسمنت.

وتتوقع أرامكو أن تستثمر الدول حوالي 570 مليار دولار أمريكي في إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030، ويمكن للعراق أن يخطو الخطوات التي خطتها السعودية في هذا الاتجاه، حيث عملت على تشغيل منشأة بتكلفة 12 مليار دولار أمريكي لإنتاج الهيدروجين والبخار والكهرباء في مصفاة جازان، في حين ستُستخدم كمية كبيرة من الغاز لإنتاج الهيدروجين، وسيكون مصدرها حقل الجافورة للغاز غير المصاحب، الذي من المقرر أن يبدأ تشغيله في عام 2025.

كما قامت السعودية ببناء أول محطة وقود هيدروجيني ونجحت في “تشغيل أسطول صغير من المركبات الهيدروجينية الاختبارية، المكونة من سيارات وحافلات في البيئة المحلية”، وهذه التجربة جديرة بأن ينتبه لها العراق ويسعى إلى تطبيقها قبل فوات الأوان.

لا يوجد أمام العراق طريق سوى التجديد، واللحاق بقافلة العالم، قبل أن يفوته ركب الدول التي بدأت منذ سنوات بتنويع مصادر دخلها والاتجاه نحو الطاقة البديلة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، الذي بدأت آثاره الملوثة بالظهور بشكل أكبر، والذي سينضب يوماً ما.

خلافاً لذلك، فإن العراق مقبل على المزيد من المشاكل الاقتصادية والبيئية، التي بدأت فعلياً بالظهور، على شكل تلوث واسع النطاق، وتغير مناخي يهدد المجتمع والتنوع الإحيائي للبلاد، ويؤدي إلى صراعات وحروب في المجتمعات المحلية التي تعاني من نقص المياه والطاقة.

الانضمام إلى مجموعة الدول الهشّة

في كوب 29، تقدمت مجموعة من الدول “الهشّة”، برسالة إلى الأمم المتحدة، سعياً منها لزيادة المساعدات  المالية  إلى  أكثر  من  20  مليار دولار  سنوياً  للتعامل  مع  الكوارث  الطبيعية  والأزمات  الأمنية  التي  تواجه  شعوبها.

هذه المجموعة واحدة من عدة مجموعات تسعى إلى الحصول على الأموال كي تستعد بشكل أفضل لمواجهة تداعيات الطقس المتطرف، في الوقت الذي تريد فيه الدول الاتفاق على هدف سنوي جديد للتمويل.

تسمّى هذه المجموعة من الدول “جي7+”، وهي مجموعة دولية من البلدان الهشّة كانت أول من أطلق المناشدة، انضمت إليها مؤخراً دول فقيرة مثل، بوروندي وتشاد وسيراليون والصومال وتيمور الشرقية واليمن، وكان العراق واحداً من الدول التي انضمت للمجموعة بحثاً عن مساعدات مالية، في حين بلغت ميزانيته السنوية لعام 2024، أكثر من 155 مليار دولار، تعتمد بشكل رئيسي على النفط، ولا تخصص إلا نزراً قليلاً من الأموال لإنقاذ البيئة.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced