أعداد الكلاب السائبة في العراق يمكن أن تجعلها جالية، لكنها جاليةٌ تتعرّض وتُعرِّض المواطنين للخطر، لأن العلاقة بين المواطن والكلب السائب في العراق قائمة على المطاردة والعض والقتل..
بينما كان والد الطفل الضحية، موسى، في المستشفى يرعى زوجته المصابة بجلطة دماغية، تلقى في العاشرة ليلاً من يوم 28 آذار 2020 اتصالاً هاتفياً من أحد أفراد عائلته الذين تركهم برفقة والدته في بيته، يخبره بفقدان “موسى” الذي يبلغ من العمر 3 سنوات.
دقائق ثقيلة مرت على علي قاسم، والد موسى، الذي قرر ترك زوجته في المستشفى. وما أن وصل مسرعاً إلى منزله في شارع أربعين، بحي الخاجية وسط محافظة واسط، حتى فوجئ بوجود آثار دم على مقربة من داره.
علي قاسم النعيمي (32 عاماً)، يقول لجمّار، “تتبعت تلك الآثار حتى عثرت بعد ساعة من وصولي على جثة رضيعي موسى، وهو ملقى في باحة الحديقة العامة، بالقرب من المنزل، وجسده مضرجاً بالدماء، كلب مسعور انقض عليه وسرقه من فناء الدار إلى خارجها”.
يضيف والد الطفل، خلال حديث لجمّار، “بشكل سريع نقلته إلى المستشفى القريب من مكان سكني، لكن لسوء الحظ فارق الحياة دون أن تتمكن الطواقم الطبية من إنقاذه”.
مصيبة النعيمي الذي خسر طفله الوحيد لا تنتهي عند هذا الحد، “تعرّض منزلي لحادث حريق بعد يوم واحد من وفاة موسى، وزوجتي أصبحت جليسة الكرسي المتحرك حزناً على طفلنا، ووالدتي مصابة بالسرطان”.
“مالك شي”، هكذا أخبر أحد قضاة محكمة استئناف الكوت، النعيمي الذي تقدم بشكوى لدى المحكمة، من أجل محاسبة المقصرين في موت طفله، وتعويضه عن خسارته، “طلبت من القاضي الرعاية الأبوية لإعانة نفسي بعد هذه الخسارة، وأرفقت كافة التقارير الطبية مع الدعوى، التي استمرت لمدة سنة كاملة”.
“تعبت من المراجعات المتكرّرة والتسويف والمماطلة في الدعوى، لذا قررت تركها لأنني لا أملك الأموال للاستمرار في المراجعات أو توكيل محامٍ جديد للدعوى”، هكذا كانت البداية والنهاية بالنسبة لقصة موسى والكلب السائب، مأساة تركت العائلة ضحيةً لظاهرة الكلاب السائبة التي تنتشر في العراق.
خطر متزايد وضحايا
لم تكن حادثة قتل الطفل الرضيع هي الأولى من نوعها في مدينة الكوت، سبقتها ثلاثة حوادث، لضحايا للكلاب السائبة.
واحدة من تلك القصص يسردها ذو الفقار العابدي، الحقوقي الواسطي، “تعرضت فتاة في منطقة دور المعلمين بمحافظة واسط في العام 2021 لجرح بمنطقة حساسة من جسدها، أدى إلى فض غشاء بكارتها بعدما طاردها كلب سائب، واستطاع أحد المحامين بعد سنتين من المتابعة الحصول على تعويض مالي للفتاة، قدره 70 مليون دينار، دفعته وزارة المالية”.
لكن العابدي يردف، أنّ الدعاوى الأخرى لم يستطع أصحابها كسبها لعدم توفر الإمكانية المادية للاستمرار في متابعتها وبالتالي أغلقت جميعها.
“يحاول الممثلون القانونيون للدوائر التي تقام ضدها الدعاوى الخاصة بعضة الكلاب السائبة، العمل على استنفاد كل طرق الطعن القانونية وإطالة أمد الدعوى لإجبار المواطن على التراجع وترك الدعوى بشكل نهائي، كما حدث مع والد الطفل موسى، الذي ترك الدعوى بسبب عدم امتلاكه للأموال اللازمة”.
العابدي يؤكد أنّ أغلب المحاكم الجزائية عادة ما تغلق الدعاوى التي تتعلق بالكلاب السائبة على أنّها قضاء وقدر ولا يوجد فاعل.
في حين أنّ المحافظ وممثلي الدوائر المعنية التي سمّاها قانون الصحة الحيوانية وفقاً للمادة 29 من قانون (32) لسنة 2013، هم من يتحملون المسؤولية الجزائية الكاملة جرّاء مثل هذه الحوادث، لكن لا يتم اتخاذ أيّ إجراء بحقهم، وتغلق الدعوى بعد تدوين أقوال الشهود وتصوير الكاميرات إن توفرت، يقول العابدي لجمّار، وهو يشعر بالأسف على هذا الوضع.
محامٍ آخر، هو خليل إبراهيم جياد، تقدم في 13 آذار 2023، بدعوى إلى قاضي محكمة بداءة بغداد الجديدة، بعد تعرّض ولده إبراهيم 8 أعوام لعضة كلب نقل على إثرها إلى مدينة الطب، ونظراً لكون مسؤولية وواجبات اللجنة المشكلة بموجب المادة 26 من قانون الصحة الحيوانية، التي يترأسها المحافظ، هي مكافحة الكلاب السائبة. طلب جياد تعويضاً من المحكمة، وقدره سبعة ملايين دينار، وتحميل اللجنة التي يرأسها المحافظ الرسوم والمصاريف القضائية.
نشر المحامي هذه الوثيقة على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، حاولنا التواصل معه في أكثر من مرة لمعرفة حيثيات الدعوى ومصيرها، لكنه لم يرد.
تنص المادة 26، أولاً، من قانون الصحة الحيوانية، على تشكيل لجنة في مركز كل محافظة تتألف من المحافظ أو من يخوله رئيساً، وعضوية كل من دوائر الصحة والبلدية والزراعة والبيئة والشرطة، وخوّلت هذه المادة في الفقرة ثانياً، اللجنة بالإشراف على حملات مكافحة الكلاب والحيوانات السائبة، وأن تجتمع اللجنة مرة واحدة على الأقل في كل شهر.
وفيما خوّلت المادة 27، الجهات العسكرية صلاحية مكافحة الكلاب السائبة في حدود معسكراتها، منحت المادة 28، المحافظ صلاحية التعاقد مع مختصين في مكافحة الكلاب والحيوانات السائبة في الطرقات العامة، وخارج المنازل، والمناطق الريفية، بالتنسيق مع الجهات المختصة.
وخلال العام 2023، سجلت وزارة الصحة العراقية، 20 إصابة بداء الكلب في جميع المحافظات العراقية، بما فيها إقليم كردستان، وتراوحت أعمار المصابين ما بين أربع سنوات و44 عاماً، بحسب ما كشفه مصدر في الوزارة لجمّار.
تشير إحصائية سابقة أعلنت عنها وزارة الصحة في 7 حزيران 2022، عن تسجيل 900 إصابة بداء الكلب في عموم محافظات البلاد، فيما حذّرت من وجود أعداد كبيرة من الكلاب السائبة داخل المدن، داعية المحافظين للقيام بحملات إبادة للكلاب السائبة.
وقالت الوزارة في وثيقة رسمية في توجيهها للمحافظات، إنّ “داء الكلب مرض فيروسي ينتقل عن طريق عضات الكلاب السائبة، وأن نسبة الوفيات به قد تصل إلى 100% في حال عدم اتخاذ الاجراءات اللازمة”. داعية إلى القيام بحملات إبادة للكلاب السائبة التي هي من مسؤولية المحافظات بموجب قانون الصحة الحيوانية التي يترأسها المحافظ أو من يخوله.
وفقاً لقصي نعمة الحسناوي، مدير دائرة الصحة العامة في صحة الكرخ ببغداد، فإن “كل شخص يتعرض إلى عضة كلب يُعطى لقاحات بجرع تصل إلى ما بين 4ـ5 جرعات”، مشيراً إلى “قلة اللقاحات في المؤسسات الصحية، بسبب كلفتها الباهظة”.
كما يحذر مختصون من تزايد عدد الإصابات، والتهاون بعدم أخذ اللقاحات ضد “داء الكلب”، حيث تكون الأعراض الظاهرة على المصاب مشابهة لأعراض الأنفلونزا، مثل الحمى، والصداع، وإرهاق كامل للجسم، الأمر الذي قد يسمح للمرض بالتطور وقد يؤدي في حالات كثيرة إلى الوفاة.
في ذي قار هناك كلب يعض كل يوم
محافظة ذي قار تسجل شهرياً ما بين 30-40 حالة عضة كلب، وهي احصائية مرتفعة إذا ما قورنت مع المحافظات الأخرى بحسب الدكتور محمد كشاش، مسؤول قسم الصحة العامة في ذي قار، الذي كشف عن وفاة 4 مواطنين جراء الإصابة بداء الكلب خلال الأعوام (2021-2022-2024).
وفي محافظة النجف، سجلت الدوائر المعنية تعرض عدد من المواطنين لعضات الكلاب خلال شهر آذار، قالت إنّهم 126 شخصاً، 83 منهم كانوا ذكوراً، و43 من الإناث، فيما سجلت النجف في عام 2023، 1924 حالة عض، منها 1266 حالة كانت من نصيب الرجال، و658 للإناث، بحسب ماهر العبودي، مدير إعلام صحة النجف.
تلافياً لحوادث عض مشابهة؛ أنشأت الحكومة المحلية في كركوك عام 2022، محمية للكلاب السائبة، بمساحة 12500 متر مربع، في مقاطعة “بنجة علي”، خارج محافظة كركوك.
كانت الغاية منها جمع الكلاب من الأسواق والأزقة داخل المدينة، ووضعها داخل المحمية، وفقاً لفلاح بايجلي، قائممقام كركوك، “بقاء الكلاب في الشوارع له أضرار صحية، ومهدد لسلامة وصحة المواطنين وهي تنقل أمراضاً مختلفة”.
داء الكلب
تفيد منظمة الصحة العالمية بأن داء الكلب مرض يمكن الوقاية منه باللقاحات، ولكن بمجرد ظهور الأعراض السريرية، يصبح داء الكلب قاتلاً.
في كانون الأول 2023، تعرّض الطفل مرتجى حسين الغزي ذو 11 ربيعاً، إلى هجوم كلاب سائبة، عندما كان عائداً إلى منزله، في حي المنصورية وسط الناصرية، عُثر عليه بعد دقائق معدودة ووجهه مغطى بالدماء، بحسب رواية شقيقه الأكبر علي حسين، الذي نقله على وجه السرعة إلى مستشفى الأزهر الأهلي وسط المدينة.
في المستشفى الأهلي تم إخباره بعدم توفر المصل ولا اللقاح، وعليهم نقله إلى مستشفى آخر، وبالفعل نقلوه إلى المستشفى التركي، ومن ثم إلى المستشفى الموسوي، إلى أن استقر به الحال في ردهة طوارئ مستشفى الحبوبي، حيث عملت الكوادر الطبية على تضميد جراح مرتجى، إلا أنهم أخبروا علي أيضاً بعدم توفر المصل المضاد، ولقاح داء الكلب.
“عائلتي والمقربون منا استمروا بالبحث عن المصل في المستشفيات الحكومية والأهلية وكذلك الصيدليات الخاصة لمدة 5 ساعات، حتى تمكنا من الحصول على المصل المضاد”، يقول علي، الذي يصف تلك الساعات التي عاشها بأنها الأصعب طوال حياته.
يضيف علي، “خرجنا من المستشفى وبقينا في المنزل 20 يوماً، بعد ذلك تلقى الجرعة الثانية والثالثة في 2 كانون الثاني 2024، لكن حالته الصحية تدهورت، فنقلناه إلى المستشفى التركي، أخبرونا هناك إنّه مصاب بداء الكلب، وليس له علاج، الأمر الذي دفعنا إلى نقله لمحافظة المثنى، الذين أخبرونا أيضاً بعدم توفر أي علاج لداء الكلب”.
عاد علي بشقيقه إلى الناصرية، نقلوه إلى وحدة العزل في مستشفى الحسين التعليمي، إلا أن الأطباء والممرضين كانوا يخشون التقرب من مرتجى بسبب الفيروس، وقد عكفوا على إعطائه المصل الحيوي، إلى أن مات في 6 كانون الثاني 2024.
بعد وفاة مرتجى، تواصل علي مع مدير بيئة ذي قار لإطلاق حملة لمكافحة الكلاب السائبة، إلا أن المدير أخبره بأن خزينة الدائرة فيها 5 ملايين دينار فقط، وعليه مناشدة المحافظ من أجل تخصيص مبلغ مليار ونصف المليار دينار عراقي من أجل مكافحة الكلاب السائبة.
صعوبة الحصول على اللقاحات
وفقاً للدكتور محمد كشاش، مسؤول قسم الصحة العامة بدائرة صحة ذي قار، فإنّ صحة ذي قار سجلت خلال العام الماضي شحّة بالمصل المضاد لعضة الكلب، مشيراً إلى أنّ المصل واللقاح لا يتوفران في الصيدليات الأهلية، وإنما يتم استيرادهما عبر وزارة الصحة.
صحة ذي قار، كشفت لجمّار، أنّ المصل المضاد توفر خلال هذا العام، 2024، بواقع 300 جرعة، واللقاح، بواقع 80 جرعة، “من المؤمّل أن تصل شحنة بمقدار 1500 جرعة من المصل المضاد”.
تخشى الكوادر الطبية في ذي قار أن تكون حوادث عضات الكلاب متمركزة في الوجه والرقبة، للخوف من قربها من الدماغ، لأن فيروس داء الكلب يضرب الخلايا الدماغية بشكل مباشر، بحسب كشاش، موضحاً أنّ المريض يبقى تحت المتابعة المستمرة لمدة تتراوح بين 10-14 يوماً، يأخذ الجرعة الثانية من المصل المضاد في حال لم تظهر عليه أعراض داء الكلب، وإن ظهرت عليه الأعراض يعطى جرعة من اللقاح.
في 16 نيسان 2024، ذكر وزير الصحة – في وثيقة موجهة إلى مكتب النائبة عن محافظة ذي قار هيفاء الجابري – أنّ لقاح داء الكلب متوفر في مخازن الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية، وتم تجهيز دائرة صحة ذي قار بـ1100 جرعة في 14 آذار 2024، كما جُهّزت بـ30 جرعة من مصل داء الكلب. الوزير أشار في الوثيقة إلى وصول شحنة من مصل داء الكلب عددها تجاوز 22 ألف جرعة.
يعتقد أحمد محمد، وهو طبيب بيطري، أنّ الحل الأمثل لمكافحة الكلاب هو إنشاء محمية لها، وفيها يتم إخصاء الذكر ورفع مبايض الأنثى للحد من تكاثرها، “لأن عملية القتل بهذا الشكل الوحشي مرفوضة ومستهجنة من قبلنا لكن لا أحد يسمعنا”، موضحاً أنّ “هذا المشروع غير مكلف لأنه ينفذ من أطباء البيطرة”.
بحسب محمد، يعاني الأهالي من تفسّخ الكلاب المقتولة، وانبعاث روائح كريهة داخل الأحياء السكنية بسبب عدم رفعها من قبل البلدية، التي تقول إنّها لا تمتلك تخصيصاً مالياً ولا آليات لرفعها، ويقدر محمد وجود أكثر من 5 آلاف كلب سائب في الناصرية، مركز محافظة ذي قار.
قانون مبهم
ألغى قانون الصحة الحيوانية رقم 32، الذي شرّعه البرلمان عام 2013، العمل بقانون رقم 48 لسنة 1986، والذي نصّ على تشكيل لجنة برئاسة محافظ بغداد وعضوية وزارات الزراعة والبيئة والصحة والداخلية، إضافة إلى أمانة العاصمة ومديرية البلديات، للإشراف على عمل فرق مكافحة الكلاب السائبة، في بغداد.
إلا أنّ هذا القانون، بحسب أحمد حارث، مسؤول شعبة حماية وتحسين البيئة في محافظة بغداد، مبهم في العديد من فقراته، كونه لم يذكر كيفية مكافحة الكلاب السائبة، ولم يصدر تعليمات لتبسيط وتسهيل تنفيذ فقرات القانون، أو تفسيره وفقاً لما يعتقد المسؤول الحكومي، الذي يقول بأن مصير الكلاب لم يحدده القانون، ولا يُعرف هل تُقتل الكلاب السائبة، أو يُكتفى بالسيطرة عليها فقط، أو يتم إيواؤها.
حارث، ذكر عام 2022، أنّ القانون أجاز قتل الكلاب المصابة بداء الكلب، وكذلك الحيوانات التي يشتبه بإصاباتها بداء الكلب، أو الكلاب التي لا يوجد لها صاحب يتحمل مصاريف علاجها في المستشفيات، أو إيواءها لغاية التأكد من إصابتها أو عدمه.
وكشف مسؤول شعبة حماية وتحسين البيئة في محافظة بغداد أنّ العاصمة لوحدها تنتشر فيها أكثر من 20 فرقة تعمل في عدد من المناطق داخلها وعلى وأطرافها، وذكر أنّ هذه الفرق سيطرت على قرابة 11 ألف كلب سائب في آذار 2022، “تم تجاوز موضوع الرماة من قبل وزارة الداخلية، إذ تم توفير عدد من الرماة وتفريغهم للعمل طيلة أيام الأسبوع”.
مسؤول شعبة حماية وتحسين البيئة في محافظة بغداد ذكر لجمّار، أنّ بعض منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان وبعض الجهات الأخرى، تقوم بعمل عشوائي، وتصل المحافظة أحياناً تقارير تتعلق بجباية مبالغ من المواطنين مقابل إيواء هذه الكلاب، داعياً المواطنين إلى الامتناع عن التعامل مع أي منظمة أو جهة غير مخولة من قبل محافظة بغداد.
وأشار إلى أنّ هذه المنظمات أو الجهات تجمع الكلاب في مناطق إيواء غير ملائمة صحياً وبيئياً، ما يتسبب بانتشار مرض الجرب بين الكلاب، ويؤدي ذلك بدوره إلى انتشاره في الأماكن القريبة، مشدداً على أهمية تقديم المنظمات طلبات إلى لجنة مكافحة الكلاب السائبة؛ لتنظيم عملها والإشراف عليه، والتأكد من أنّ محلات الإيواء صالحة صحياً وبيئياً.
في محافظة ذي قار تعاقدت بيطرة المحافظة مع متعهد لمكافحة الكلاب السائبة، وقد تم شراء 10 آلاف قرص من مادة “ستركنين” هندية المنشأ، بسعر 700 دينار للقرص الواحد، لغرض المكافحة، وبالفعل باشرت اللجنة المختصة بعملها بواقع 4 فرق، وتم خلال الحملة قتل حوالي 2500 كلب سائب، خلال فترة 14 يوماً، وفقاً لمحمد عزيز، مدير المستشفى البيطري في ذي قار.
عزيز يضيف لـجمّار أنّ الحملة توقفت بعد ذلك، لحين توفير المبالغ المالية من قبل المحافظة، لشراء 10 آلاف قرص جديد من مادة “ستركنين” للعمل مجدداً، شاكياً ارتفاع عدد الكلاب الذي ربما قد يبلغ 8 آلاف كلب في قضاء الناصرية وحدها.
وعن آليات إعطاء المادة السميّة إلى الكلاب، يشرح عزيز قائلاً، “يتم زراعة القرص في رؤوس الدجاج أو أمعاء الأبقار والأغنام، وتقدم إلى الكلاب في الشوارع والأزقة”، مبيناً أنّ هذه المادة لا تنتج في أمريكا أو الدول الأوروبية لأنّ هذه الدول ضد قتل الحيوانات.
أمر مؤسف
يشكو ثائر صبري، مدير قسم الوبائيات في دائرة البيطرة العامة بوزارة الزراعة، من وجود أعداد هائلة من الكلاب السائبة في كافة مناطق العراق، محذراً من إمكانية تسببها بأمراض داء الكلب.
ويضيف، أنّ هذه الكلاب لديها سلوك منحرف وليس بالضرورة تكون حاملة لفيروس داء الكلب، وفي كل الأحوال فإنّ وجود هذه الكلاب كما يعتقد، هو خطر على المجتمع، مؤكداً أنّ طرق المكافحة تحتاج إلى أموال طائلة، “ليس لدينا طرق أخرى غير القتل وهو أمر مؤسف جداً، لأنّ مهمة البيطرة إحياء الحيوان لا قتله”.
يشرح صبري الطرق المتوفرة لمكافحة الكلاب السائبة، القتل بالخراطيش أو مادة “الستركنين”، أو إجراء عمليات عقم للكلاب الذكور والإناث لمنع تكاثرها، أو إنشاء محميات خارج المدينة، وهذه صعبة في الوقت الحاضر؛ لعدم وجود إمكانية لتوفير التخصيصات المالية والأكل واللقاحات للكلاب في المحميات.
بشأن إجراءات دفن الكلاب المقتولة، يشير حسين إلى أنّ الكلاب التي تقتل يتم رفعها ونقلها من قبل دائرة البلدية، ورميها في خندق بعمق ثلاثة أمتار، بمواقع الطمر، ومن ثم تُحرق، وبعدها يجري تعفيرها قبل دفنها، بالتالي ليس لها أي تأثير صحي أو بيئي على حياة المواطنين، بحسب صبري.
على الضفّة الأخرى، ثَمّة من يطالب بوقف عمليات القتل التي تطال الكلاب، محملاً الأُسر العراقية مسؤولية الحوادث التي جرت في بعض المحافظات، في السياق يستنكر نصير العيداني، مؤسس منظمة ربيع الحياة، قتل الكلاب بالطريقة التي أقرّها القانون، موضحاً أنّ “كل إنسان يمتلك ضميراً حياً لا يمكنه قتل الكلاب؛ لأنّها لا تريد سوى الطعام والأمان، وإن 90% من هذه الكلاب هي أليفة وغير مؤذية”.
بالنسبة للعيداني فإنّ قانون الصحة العامة 32 لسنة 2013، الذي ينصّ على مكافحة الكلاب السائبة، هو من القوانين المجحفة؛ لانّ عمليات القتل بشعة، وحتى بعد أن تُقتل الكلاب، تترك في الشوارع بدون رفع أو دفن، “بمعية آخرين سنعمل على إعداد مقترح قانون حماية الكلاب والقطط السائبة، وتقديمه إلى مجلس النواب لغرض تشريعه وحماية تلك الحيوانات من عمليات القتل”.
وتعتقد الناشطة سندس الغرّاوي، ضمن فريق “الرفق بالحيوان” في العراق، أن البديل الافضل للحد من خطر الكلاب السائبة هو تطبيق التجربة التركية التي تتعلق بعقم الكلاب وتلقيحها بدلاً من حبسها في محميات، وينتهي بها المطاف بالموت، لأنّ توفير الطعام لها مكلف مادياً ويتطلب توفير كهرباء ولقاحات وعمال.
وتضيف، “مشكلتنا في العراق أن المواطن لا يتقبل الحيوان سواء كان ملقحاً أو لا، وهناك حالات عنف ضد الكلاب عبر حرقها أو رشها بالمياه الحارة”، داعية إلى تعديل القوانين التي تمنح الجهات المختصة صلاحية قتل الكلاب السائبة في الشوارع.
بالتزامن مع هذا الجدل، حول انتشار الكلاب السائبة، والقوانين الخاصة بمكافحتها، ونقاشات الطرق الأفضل للسيطرة عليها، سجّل مستشفى الحسين التعليمي في ذي قار في 14 حزيران 2024، إصابة 14 طفلاً بعضات كلاب، بعض هؤلاء الأطفال نجا بأعجوبة من الموت، وكانت العضات في منطقة الرأس والعين.