السينما العراقية في 2024: جهودٌ فرديةٌ وصناعةٌ بائسةٌ
نشر بواسطة: mod1
الأحد 05-01-2025
 
   
ضفة ثالثة

لا تبدو السينما العراقية على أنَّها صناعةٌ كما هي الحال في مصر أو حتى السعودية، التي بدأت فيها النشاطاتُ السينمائيةُ تأخذُ بالتوسع. فالأفلام تُنتَج بدعمٍ من مهرجاناتٍ عالميةٍ، وإن كان هناك من يقول إنَّ دعم الحكومةِ العراقيةِ الحاليةِ له أثرٌ في تحريكِ الإنتاجِ، لكنه لا يصلُ إلى مشهدِ الصناعةِ.

ومع مرورِ كلِّ عامٍ، يتمنّى المهتمون بالسينما بأن يتحوَّل الإنتاجُ إلى صناعةٍ، لكنَّ الأمرَ لا يخلو من كونهِ أمنياتٍ. فأغلبُ دورِ العرضِ السينمائيِّ، التي كانت مشهورةً حتى قبل الاحتلالِ عامَ 2003، تحوَّلت إلى مولاتٍ أو مخازنَ للعطورِ والسجائر. لكنَّ رغمَ ذلك، ثمَّة جهودٌ تُبذَلُ من جهاتٍ معيَّنةٍ في سبيلِ إبقاءِ عجلةِ السينما متوفِّرةً وموجودةً، حتى وإن كان ذلك من خلال المهرجاناتِ السينمائيةِ أو المشاركةِ فيها خارجَ العراقِ، أو إنتاجِ أفلامٍ قصيرةٍ.

أما على صعيدِ الإنتاجِ العربيِّ، فتتصدرهُ بكلِّ تأكيدٍ السينما المصريةُ، إذ أنتجت أكثرَ من 40 فيلمًا، تليها المغربُ في المرتبةِ الثانيةِ، ثم السعوديةُ التي شهدت انطلاقةً سينمائيةً.

ولذا يبرزُ السؤال: ما هي ملامحُ الفعالياتِ السينمائيةِ؟ وهل هناك متغيراتٌ عن الأعوامِ السابقةِ؟

حصيلةُ مهرجاناتٍ وفعالياتٍ

المؤرخُ والباحثُ السينمائيُّ مهدي عباس يعدُّ العامَ المنصرمَ عامًا مليئًا بإنجازاتٍ قد تختلفُ عن الأعوامِ السابقةِ. وأوضحَ أنَّ الأمرَ لا يقتصرُ على الإنتاجِ السينمائيِّ فحسب، بل يشملُ أيضًا إقامةَ مهرجاناتٍ. وأشارَ إلى أنَّ نقابةَ الفنانين قدَّمت خلال عامِ 2024 ما لم تقدمهُ طيلةَ تاريخِها، منها إقامةُ أضخمِ مهرجانٍ سينمائيٍّ في بغدادَ، وهو الأكبرُ في تاريخِ العراقِ. كما أنتجت النقابةُ عشرةَ أفلامٍ سينمائيةٍ وأصدرت ثمانيةَ كتبٍ سينمائيةٍ، فضلًا عن دعمِها للكثيرِ من المهرجاناتِ السينمائيةِ المحليةِ ماديًا ومعنويًا.

وأشارَ عباس إلى أنَّ العراقَ شاركَ خلال عامِ 2024 في 82 مهرجانًا سينمائيًا عربيًا ودوليًا في 32 دولةً عربيةً وأجنبيةً، منها عشرةُ مهرجاناتٍ في تونسَ، وتسعةٌ في مصرَ، وثمانيةٌ في المغربِ، وسبعةٌ في عُمانَ، من خلال مشاركةِ ثمانينَ فيلمًا عراقيًا. ومن بينِ الأفلامِ العراقيةِ التي شاركت في أكثرَ من مهرجانٍ يبرزُ فيلمُ (ترانزيت) لباقرِ الربيعيِّ، الذي شاركَ في 15 مهرجانًا عربيًا ودوليًا.

وأوضحَ عباس أنَّ الأفلامَ العراقيةَ حازت على 34 جائزةً عربيةً ودوليةً، تصدرها فيلمُ (ترانزيت) بتسعِ جوائزَ. وحصلَ 24 فيلمًا عراقيًا على جوائزَ من هذه المهرجاناتِ. ومن بينِ الأفلامِ التي حازت على أكثرَ من جائزةٍ: (شيرين)، (تحت)، (يومٌ عاديٌّ)، (ستوب نوبل)، (ميسي بغداد)، و(شعلة).

أما على صعيدِ الإنتاجِ، فقد وصفَ عباس العامَ بالمجدبِ للسينما، حيثُ لم يتمَّ إنتاجُ سوى فيلمين في بغدادَ، بينما تمَّ إنتاجُ 12 فيلمًا روائيًا طويلًا في إقليمِ كردستانَ، وحقَّق معظمُها نجاحًا جماهيريًا وفنيًا كبيرًا.

"العراق شاركَ خلال عامِ 2024 في 82 مهرجانًا سينمائيًا عربيًا ودوليًا في 32 دولةً عربيةً وأجنبيةً"

وأضافَ عباس أنَّ بغدادَ شهدت عرضَ أفلامٍ تجاريةٍ بلغ عددُها 232 فيلمًا، بينها 29 فيلمَ أنيميشن. وتُعدُّ الأفلامُ الأميركيةُ الأكثرَ عرضًا، حيثُ بلغ عددُها 83 فيلمًا، تليها الأفلامُ المصريةُ بـ36 فيلمًا، ثم ثمانيةُ أفلامٍ بريطانيةٍ، وخمسةُ أفلامٍ يابانيةٍ، وأربعةٌ لكلٍّ من الصينِ وكندا. كما عُرِضَت ثلاثةُ أفلامٍ فرنسيةٍ، وفيلمان لكلٍّ من ألمانيا والعراق والسعودية وإيرلندا وإسبانيا وكوريا الجنوبية، وفيلمٌ واحدٌ لكلٍّ من إندونيسيا، وفيتنام، وبلغاريا، والهند، والكويت، وإيطاليا، والدنمارك.

جسدٌ منخور

يقول الناقد والصحافي علي حمود الحسن: "بينما تراجعت دور العرض السينمائية وصارت مجرد ذكرى تثير الحنين، تشظت لصالح الشاشات الصغيرة التي أصبحت تُرتدى على الخوذات أو النظارات ليشاهد المرء فيلمه المفضل. بذلك، يمكن القول إن صناعة الأفلام تجدد نفسها بابتكار دائم".

وأشار الحسن إلى أن "صناعة الأفلام في بلادنا ما زالت بلا بوصلة واضحة، فلا توجد سوى محاولات فردية تُنتج أفلامًا، بعضها جيد يشارك في مهرجانات ويحصل على جوائز، لكنها بمجملها لا تُشكّل أسلوبًا أو ظاهرة يُعتدّ بها". وأضاف: "لا جديد يُذكر في هذا العام، عدا فيلم عدي رشيد الذي شارك في مهرجان البحر الأحمر الأخير وحصل على جائزة السيناريو".

وأوضح الحسن أن "السينمائيين الشباب طوّروا تجاربهم الإنتاجية عبر المشاركة في أسواق عشرات المهرجانات العالمية، وحققوا نتائج طيبة، لكن أفلامهم لم تُعرض جماهيريًا". وأضاف: "الآمال انتعشت بعد تخصيص منحة مالية لإنعاش صناعة الأفلام، لكن الخوف يكمن في مصادرتها من قبل من لا يحرص على تطوير السينما، خصوصًا بعد إخفاقات الحرس القديم، مثل فضيحة بغداد عاصمة الثقافة 2004، حيث تبخرت مئات الملايين من الدنانير".

وختم بقوله: "لا يمكن إنعاش هذا الجسد المنخور بالروتين والبيروقراطية بدون تسليم زمام الأمور لصناع السينما الشباب".

تحوّل مشهود

أما المخرج سعد العصامي، فيرى أن "عام 2024 شهد تحولًا ملحوظًا في المشهد السينمائي العراقي، حيث حقق الفنان رائد محسن إنجازًا تاريخيًا بفوزه بجائزة أفضل ممثل في مهرجان هلسنكي السينمائي عن فيلم آخر السعاة. هذا الفوز يؤكد عودة السينما العراقية إلى الواجهة العالمية بعد سنوات من التحديات".

وأضاف العصامي: "رائد محسن أصبح أول ممثل عراقي يحصد أكبر عدد من جوائز أفضل ممثل سينمائي عن فيلم ’آخر السعاة’. ويعكس هذا الإنجاز التطور الكبير الذي تشهده السينما العراقية على مستوى الإنتاج والإخراج والتمثيل. كما أنه يفتح آفاقًا جديدة لصناعة السينما في العراق، ويجذب اهتمام المخرجين والمنتجين والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم".

وعن دور الحكومة في دعم السينما، أوضح العصامي أنه "لا يمكن الحديث عن تطور السينما من دون الإشارة إلى الدور الهام للحكومة. فقد شهدنا إطلاق منحة السينما التي تساهم في تمويل الأفلام العراقية الواعدة، وإقامة مهرجان بغداد السينمائي الذي يوفر منصة لعرض الأفلام العراقية والتفاعل مع صناع السينما عالميًا".

"يرى المخرج السينمائي عزام صالح أنَّ السينما العراقية تظلُّ محاولاتٍ فرديةً من الشباب، أو من الذين يحصلون على تمويلٍ خارجيٍّ، بدون أن تُدرس الحقيقة بدراسةٍ مستفيضةٍ تُفضي إلى مشروعٍ صناعيٍّ وطنيٍّ"

وأشار إلى أن "الإنجازات التي يحققها الشباب السينمائي ودعم الحكومة يعكسان مستقبلًا واعدًا للسينما العراقية. فمع وجود مواهب شابة وطموحة، وإنتاجات سينمائية عالية الجودة، ودعم حكومي متزايد، يمكن للسينما العراقية أن تحتل مكانة مرموقة عالميًا".

وختم بقوله: "رغم أن عام 2024 لم يكن عامًا حافلًا بالإنجازات، إلا أننا نطمح لعودة السينما العراقية بقوة. أملنا بدعم الحكومة أن تُفتح آفاق جديدة لصناعة السينما في العراق، وأن نشهد المزيد من الأفلام التي تفتخر بها الأمة العربية والعالم".

رأس المال وغياب الحضور

من جهته يرى المخرج السينمائي عزام صالح أنَّ السينما العراقية تظلُّ محاولاتٍ فرديةً من الشباب، أو من الذين يحصلون على تمويلٍ خارجيٍّ، بدون أن تُدرس الحقيقة بدراسةٍ مستفيضةٍ تُفضي إلى مشروعٍ صناعيٍّ وطنيٍّ يُعبِّر عن خيال المواطن العراقي. ويؤكِّد أنَّ المنح والمناسبات ليست سوى ذرٍّ للرماد في العيون.

ويرى عزام أنَّ السينما مشروعٌ اقتصاديٌّ، صناعيٌّ، وجماليٌّ فنيٌّ يبدأ برأس مالٍ تحت إدارةٍ رشيدةٍ ومتمكنةٍ، وبمشاركة صُنَّاعٍ مهرةٍ من المخرجين، وكتَّاب السيناريو، والفنيين، ومن ثمَّ التسويق، وقبل ذلك صناعة النجوم واختيار المواضيع المناسبة. لكنه أشار إلى أنَّ هذه العناصر غير متوفرةٍ حاليًّا، ولهذا السبب لا تحظى السينما العراقية بحضورٍ محليٍّ قويٍّ.

وذكر أنَّ أحد أهمِّ الأسباب وراء ذلك هو جبن رأس المال الخاص عن المغامرة في إنتاجٍ وعرض الأعمال السينمائية. ويؤكِّد أنَّنا بحاجةٍ إلى مَن يحرِّك هذا الجمود في إنتاج السينما، خاصةً أنَّ العراق بلدٌ يمتلك حضاراتٍ تمتدُّ لآلاف السنين، ويجب أن يكون فاعلًا في مجالات الثقافة والفنون، لإعلام العالم بما قدَّمه للبشرية. ويرى أنَّ السينما تُعدُّ أفضل الوسائل وأكثرها اختزالًا وحداثةً لنقل هذه الرسائل.

واقترح عزام أن يبدأ التحريك بإنشاء قطاعاتٍ مختلطةٍ بين الدولة والقطاع الخاص، تعمل بنظام الأسهم، مع التركيز على تدريب الشباب في مجالات تقنيات الكاميرا، والمونتاج، والجرافيك، وإنشاء ورشٍ متخصصةٍ لكتابة السيناريو الذي يُعدُّ الحلقة الأولى والمهمة في صناعة السينما. كما دعا إلى الترويج لفناني العراق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإعدادهم بشكلٍ كاملٍ ليكون لهم حضورٌ قويٌّ على المستويين المحليِّ والعربيِّ.

وأكَّد على أهمية تطوير قاعات العرض، وتنظيم المهرجانات المحلية المدعومة من وزارة الثقافة والشباب، وهيئة الإعلام والاتصالات، بالإضافة إلى إقامة مهرجانٍ عالميٍّ كبيرٍ مشابهٍ لمهرجانات القاهرة، والبحر الأحمر، ودهوك، والسليمانية. كما شدَّد على ضرورة فصل السينما عن المسرح في دائرة السينما والمسرح، وإنشاء جمعيةٍ مستقلةٍ للسينما العراقية، تكون مدعومةً من الحكومة، وتتغيَّر عضويتها كل سنتين لتقديم برامج إنتاجٍ وانتشارٍ على المستويات المحليِّ والعربيِّ والعالميِّ.

وختم بالقول: إنْ تحقَّقت هذه المقترحات، سيؤدي ذلك إلى ظهور سينما عراقيةٍ بمواصفاتٍ جيدةٍ.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced