8 إلى 13 بالمئة من النساء حول العالم مصاباتٌ بها، وهناك 70 بالمئة من المصابات غير مشخصاتٍ بعد.. عن متلازمة تكيُّس المبايض التي تعاني منها الكثيرات، وما يزال الطب لا يعرف أسبابها، وفي العراق قلة الوعي تجاهها يفاقم معاناة الكثيرات..
“أكره جسمي وأقرف منه”، أقولها كل يوم، وأنا أشمئز مما أراه في المرآة، وزني الثابت، بثور وجهي، جسد يعلوه شعر أسود في مناطق يجب أن تكون ناعمة أو على الأقل خفيفة الشعر. كرهتُ تذكيرها لي بنقص أنوثتي، لذا أزلتها لأتحاشى النظر إلى جسد “منقوص”.
الشعور بعدم الثقة بالنفس الذي خلقه ذلك لدي، جعلني أتفحص زميلاتي على الدوام في الصف، أريد أن أعرف إذا كانت أجسادهن مشعرة مثلي وإذا كان ثمة شعر أسود خشن يزداد مع كل حلاقة.
أتمعن بأجسادهن فأحسدهن على وزنهن المثالي، أتذكر أقربائي وعائلتي وهم يرددون على مسامعي “انتِ حلوة لو بس تضعفين”.
وأكثر، فكُلما شاهدت إعلاناً عن إزالة الشعر، ألاحظ الفرق بين ساقي امرأة الإعلان الأنثوية النظيفة وساقيّ المشعرتين!
بكائي وشكواي لأمي لم يسعفني.. وصل بي الحال حتى أن أتخيل أن حبة البطاطا اللماعة الناعمة، هي جسدي.. أقول لها “أكو شي خطأ بدورتي الشهرية.. وبجسدي”، لكنها ترفض أن نراجع أيّ طبيب، لكوني غير متزوجة.
فكرت أيجب أن أتزوج وأنا في السابعة عشرة، فقط لأزور طبيبة نسائية؟! وأصلاً أي عريس سيرضى بهذا الجسد المشعر.
ثم سرعان ما بدأ شعري يتساقط أيضاً.
لحسن حظي، تساقطت خصلة بين يدي أمي بينما كانت تجدل شعري، فارتعبت وقررت حماية آخر ملامح أنوثتي، لكن زيوت العطارين ومنتجات الشعر من فيسبوك والصيدلية لم تُفد بشيء.. فقط عندها وافقت أمي أن نراجع طبيبة نسائية.
من يعرف عن متلازمة التكيُّس؟
بطون متكوّرة، نساء شابات مع مرافقات، “العمّة والجنة” و”الأم والبنية”، رجال ينتظرون في الخارج، بكاء أطفال، مشاجرات مع السكرتيرة لتدخل بعض النسوة أولاً، وكل مريضتين أو ثلاث يُدخلن معاً، دون مراعاة لخصوصيتهن.
حينما نادت السكرتيرة باسمي نظرت النسوة إلي، ومن دخلن معي إلى غرفة الفحص نظرن بتعجب حينما قالت أمي للطبيبة إني “بنية”، أي عزباء.
غمرتني الدموع والخجل عندما طلبت مني الطبيبة خلع ملابسي لتفحصني، فكرت أنهم سيرون جسدي “المقرف” الآن، ويكشف سرّي المستتر تحت الملابس الناعمة، لكن الستار الأزرق أنقذني.
أمعنت النظر في جهاز السونار، أحاول مع الطبيبة فهم ما تدلي به الشاشة، حين نطقت بعلتي وأخيراً “عندج تكيّسات على المبايض”.
التشخيص المعروف علمياً باسم متلازمة المبيض متعدد التكيسات (Polycystic ovary syndrome أو تختصر بـ PCOS)، فاق مستوى وعيي آنذاك حيال الصحة النسائية، وتحديداً ما شُخصت به. وربما كانت أمي كذلك لا تفقه شيئاً عن المتلازمة، إذ أغرقت الطبيبة بأسئلة لا تنتهي. أما أنا فلم أركز كثيراً بشرحها، فقد كنتُ منشغلة بإخفاء جسدي عن أعين النسوة، وخرجنا بورقة تحاليل.
“متأكدة هذه عيادة خاصة؟”، سألت أمي فور خروجنا، فردت بنوع من الخبرة، “لعد لو شايفة المستشفى.. يلا هسة تشوفيها”.
دخلت مستشفى سامراء المعتمة. تشبه أقبية مسلسلات الرعب الأمريكية، ذكرتني بعبارة “آيلة للسقوط” رائحة عفن وعرق المراجعين المزدحمين والإنارة الخافتة كانت “تعمي العين”.
سألنا إحدى العاملات في المختبر عن مكان إجراء تحليلات الهرمونات التي وصفتها الطبيبة في ورقة التحويل، لنفاجئ بردها “عيني ماكو بالمستشفى، روحوا مختبر خاص”.
وهكذا أجبرتُ كما عديدات غيري على إجراء التحليل في مختبر خاص، لأن المشافي الحكومية غير قادرة على توفيره.
فقط في طريق العودة من المختبر الخاص، شرحت لي أمي ما أعاني منه بطريقة مقتضبة.
لكن سميعة (47 عاماً)، المرأة التي كانت تجلس بجواري في غرفة الانتظار للطبيبة، كانت قد مهّدت لفهمي حول المتلازمة حتى قبل أن تشخصني الطبيبة.
حكت لي سميعة كيف طلقها زوجها بسبب “شعرها الكثيف”.
لوهلة تذكرت لو أن أمي رفضت أن تأخذني إلى طبيبة نسائية وأني لن أزورها إلا بعدما أتزوج. تخيلت الرجل الذي أحب يرفض ممارسة الحب معي مشمئزاً من جسدي، قائلاً -كما قال زوج سميعة لها- “هذا جسم رجال لو بنت بيوت” ثم يهجرني ويطلقني، كسميعة.
عروسٌ قاصر كانت، لها من العمر 15 عاماً آنذاك، لم تعرف سميعة كيف تتخلص من شعرها الخشن في مناطقها الأنثوية، فكل يوم يريد زوجها جسدها ناعم “كالمرمر” كما أكدت والدتها.
لم تحتمل ألم “الشيرة” وشحة السكر وتكلفته وقت الحصار، لذا استخدمت شفرة رجالية رديئة النوع -الشفرة ذاتها أغلب الأحيان- لتتخلص من الشعر وتصبح ناعمة، لكن الشعر أصبح ينمو بسرعة وكثافة وسبّب طفحاً جلدياً واسمراراً في مناطقها الحساسة.
“جنت صغيرة وعلى الفطرة ما أعرف كلشي عن الأمراض”، لم تكن تعرف السبب وراء جسمها المشعر وخجلت من أن تبوح بسر جسدها لأحد خشية أن توصم بعدم النظافة، فلامها الجميع عندما طلقها زوجها وتزوج غيرها.
ستمضي سنوات طويلة قبل أن تعرف سميعة السبب وراء “جسمها المشعر”، عندما شُخصت بالسكري النوع الثاني بسبب تفاقم مقاومة الأنسولين لديها.
شرحت لها الطبيبة بعد فحوصات عدة أن نمو الشعر الكثيف على جسد المرأة، هو أحد عوارض متلازمة المبيض متعدد التكيسات.
بحثت في الإنترنت عن هذا الاسم الطويل الذي لم أفهم منه سوى مبيض.
لم تحدد البحوث الطبية السبب الدقيق للإصابة بمتلازمة التكيّس، لكن اللواتي لديهن تاريخ عائلي بالمتلازمة أو المصابات بداء السكري من النوع الثاني هن أكثر عرضة للإصابة بها وبسرطان بطانة الرحم وارتفاع ضغط الدم ومستوى الكوليسترول.
أما عوارضها فتتمثل باضطرابات هرمونية والعقم والسمنة وخاصة حول البطن، وكذلك الصلع الذكري أو ترقُّق الشعر. وتؤثر على طول واستمرارية وغزارة الدورة الشهرية، كما تُشكل أكياساً في المبيض مع فرط إفراز هرمون الاندروجين -هرمون ذكري- الذي يزيد من نمو الشعر وحب الشباب.
أردت احتضان هذه المرأة، لستُ الوحيدة إذن!!
رغم عدم استجابة جسدي للعلاج وبمرور ثلاث سنوات من الصراع معه والتأرجح بين الالتزام والاستسلام، قررت بدء رحلة علاج واعية جديدة، لا أخجل فيها مما أعاني.
متلازمة شائعة
أنا وسميعة لسنا حالة نادرة فبحسب منظمة الصحة العالمية، تعدّ متلازمة المبيض متعدد التكيّسات من الاضطرابات الهرمونية الشائعة بين النساء، وهي متلازمة تصيب النساء في سن الإنجاب، إذ أن نحو 8 إلى 13 بالمئة من النساء حول العالم مصابات بها. وعلى الرغم من أنها عادةً ما تظهر خلال فترة المراهقة، إلا أن 70 بالمئة من الحالات ما تزال غير مشخصة.
بحثتُ عن إحصائيات رسمية لمتلازمة التكيس في العراق، لكن أسوة بالكثير من البيانات المفقودة لضعف التوثيق في الجهاز الصحي، سواء في العيادات أو المشافي، لم أصل إلى إحصائية رسمية عن عدد المصابات؛ ومحاولتي للحصول على إحصائيات من بعض المستشفيات الحكومية، واجهتها ردود متشابهة من قبيل “ما عدنه”، “الإحصاء مغلق”، “شنو يعني؟”.
لذا فقد توجهت لأتقصى المعلومات في عيادات الخصوبة، إذ كثيراً ما تشخص النساء بالمتلازمة أثناء معالجة مشاكل خصوبة، كما أخبرني طبيب يعمل في مستشفى النجف. وفقاً للطبيب فتقريباً يتم تشخيص 55-50 امرأة بمتلازمة التكيس في مركز الخصوبة أسبوعياً، أما في العيادة الخاصة 20-15 حالة، وفي المستشفى الاستشارية تأتي 40-35 حالة.
تشير دراسة منشورة في كلية الطب جامعة بابل عام 2020، بعنوان “معدل انتشار متلازمة تكيّسات المبايض والأعراض المتعلقة بها لعينة من النساء في مدينة الحلة/ العراق”، للدكتورة سهى جاسم وتوت إلى أن معدل انتشار متلازمة تكيّس المبايض كانت 28.9 بالمئة؛ علماً أن الدراسة شملت عينة من النساء في مدينة الحلة فقط.
الممرضة الأكاديمية رغد جاسم نصيف التي عانت في السابق من المتلازمة، شرعت في العام الماضي بدراسة مع زميلتها في جامعة كربلاء، ساجدة سعدون لقياس وعي الفتيات المراهقات بالمتلازمة، بالتركيز على 60 طالبة في كلية الإدارة والاقتصاد من جامعة كربلاء، فقد بينت أن الغالبية منهن لم يكنَّ على دراية بالمتلازمة أما اللواتي سمعن بها، فأغلبهن (21 بالمئة) كن قد سمعن عنها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، و3 بالمئة من الدورات التعليمية و8 بالمئة من المؤسسات الصحية. أرادت الباحثتان عبر هذه الدراسة تقصي أسباب جهل العديد من النساء بهذه المتلازمة والأمية الجنسية المنتشرة، التي تأثرت بعوامل عدة منها الاقتصادية والمؤسسية والمجتمعية. ومن بينها عدم الحديث عن الصحة النسائية، الجنسية والإنجابية، لا في الحيز العام ولا في الخاص.
التكتّم يبدأ من العائلة
حينما شُخصت، حذرتني والدتي من إخبار اي شخص بإصابتي؛ خاصة الفتيات في محيطي وأقربائنا.
حينما سألت عن السبب، لم تُجب.
تصورت أن السبب يكمنُ في وجود كلمة “مبيض” و”دورة شهرية” كلمتان محرمتان للنقاش علناً خاصة الدورة التي تكاد لا تذكرها النساء والفتيات إلا همساً أو فباستخدام استعارات من قبيل “اجتي الدودو” أو “اجتي” “البيريود”، الشائعة بين بنات جيلي من العشرينيات، أو استعارات بنات الجيل الأكبر أو الأمهات مثل “الحنينة”، “الشهرية”، “الشسمة”، “ذيج الشغلة”، “الخالة” أو “العمة”.
إذا ما كانت الدورة الشهرية، وهي علامة على صحة المرأة والحياة البشرية ككل تعامل بهذا التكتم بيننا كنساء، فكيف سنناقش هذا الأمر علناً مع الرجال، كيف سيفهمون ما نعانيه؟
كل مرة كنتُ أعود من العيادة، يسألني أبي “شلونه السوك”، محاولة منه ليظهر جهله، ربما ليجنبني الإحراج، رغم أن أمي تطلعه على كل التفاصيل في غيابي.
لذا لم نناقش الأمر معه أو أمامه نهائياً، كأغلب النساء اللواتي صادفتهن، يُجبرن أو يشعرن بضرورة التكتم أمام رجال العائلة، وربما يغمرهن الشعور بالخجل والعار والذنب في حال معرفة أحدهم عن آلامهن.
لكن كم كان سيخفف الدعم المعنوي من وطأة الألم الجسدي والنفسي جراء الأوجاع والعوارض.
نور (19 عاماً) ودت لو تستطيع مشاركة والدها بشكوك لديها حول احتمالية إصابتها بالمتلازمة، فهي يتيمة الأم منذ الصغر ولا تمتلك أختاً أكبر منها تفضي لها، وتشعر بالحرج الشديد أن تخبر قريباتها. لذا اضطرت للتعايُش مع أعراضها لحين غير معلوم.
لكن ليست جميع النسوة وعائلاتهن يستترون وراء حواجز العيب والخجل من الحديث عن الطبيعي.
فهند (20 عاماً) من صلاح الدين، كان والدها من بادر للحديث معها بشكل صريح دون أي استعارة عن الدورة الشهرية، بل ويوصلها للعيادة النسائية بنفسه.
”رغم علم والدي لكن أمي منعت احجي كدامه بس هو تكلم بحرية بحضوري أول مرة فأمي تصالحت وي الموضوع … وماما ما تحب تحجي لاحد لأن تدري شنو حتكون ردة فعلهم من تهويل وتخويف بس غالب المرات تحجي”.
على عكس العادة، هند وعائلتها، لا يعتبرون مناقشة مواضيع الصحة النسائية عيباً. تقول “حتى إذا سألوني رجال حكول شنو الموضوع بدون ما انحرج”.
رغم وعيها بالصحة النسائية، لكنها لم تُشخص نتيجة فحوصات دورية، بل “صدفة”. إذ تزامن ألم في منطقة الحوض -خاصة عند حملها أي شيء ثقيل- مع أعراض المتلازمة من شعر زائد وتأخر موعد الدورة الشهرية، فتصورت أن العلة في الكلية، لكن خلال الفحص الشامل الذي أجرته الطبيبة لها كشف إصابة مبيضها بالتكيّس.
“من تتزوجين عود..”
أن تزوري طبيبة نسائية وأنتِ غير متزوجة ستكونين موضع الكثير من القيل والقال من محيطك، حتى أن بعض الأمهات يرفضن الأمر بشكل قطعي، بل حتى ستوصمين بقلة الحياء إذا كانت لديك معلومات عن الصحة الجنسية، فهذه الأمور للمتزوجات فقط وأي سؤال تطرحينه سيكون الرد “من تتزوجين عود..”.
تقول هدى محمد، طبيبة نسائية في مستشفى سامراء العام، أن أغلب المراجعات للمتلازمة متزوجات. فأعراضها الأساسية، تأخر الدورة الشهرية أو اضطرابها والسمنة ولا تهتم أغلب الفتيات بهذا الموضوع كثيرا قبل الزواج.
وربما يجهلن أهمية الفحوص الدورية، ولا يعرفن موعد دورتهن الشهرية، لذا لا يلاحظن تأخرها.
تصف الطبيبة، رُعب والدة إحدى المريضات عندما وصفت لها مانع “هي ممتزوجة ليش مانع حمل” ولم تقتنع الأم بأهميته.
لكن ببساطة يصف الأطباء حبوب منع الحمل لضبط الدورة الشهرية وتقليل مستويات الهرمونات الذكرية (الاندروجين)، لكن غالبيتهن لا يدركن خطر إهمالها.
أما المتزوجات فشكواهن الأساسية هي العقم أو تأخر الإنجاب “يعني تلكيها فترة طويلة ومو حامل، فمو كل الأمهات واعيات ينتظروها تتزوج ومن ميصير حمل ذاك الوقت تراجع”.
لقد تربينا على كلمة “من تتزوجين” فجسدي الذي أعيش به غير مسموح لي الاهتمام بصحته، حتى اكتشافه مرهون بها. حينما لم تشرح لي عائلتي ولا مدرستي ولا أي حملة أو مؤسسة حكومية بالطريقة المناسبة، ساعدني الأنترنت.
لكن وكما ترى الباحثة رغد، أن وفرة المعلومات تختلف اليوم بسبب مواقع التواصل والانترنت ولجميع النسوة من كافة الطبقات والبيئات فجميعهن يصلن للمدرسة والجامعة والمركز الصحي. فإذا كُن سابقاً لا يعرفن هذه المتلازمة بسبب قلة التوعية والعيب وقلة المصادر للحصول على المعلومة، فالآن بمجرد التصفح أو البحث سواء في مواقع التواصل أو محركات البحث تظهر العديد من مقاطع الفيديو والمقالات.
وساهم الانتشار الهائل لصانعات المحتوى سواء طبيبات أو إخصائيات التغذية، بل حتى الرجال من الأطباء بكسر تابو الحديث عن هذه المتلازمة.
لكن لتجنب الاعتماد على معلومات غير موثوقة المصدر، والمخاطر على المدى الطويل كسرطان الرحم والعقم، يجب أن تكون المؤسسات الصحية المصدر الأول للإرشاد وليست مقالات الأنترنت. فليست كل العوائل تملك المعرفة الكافية بالصحة عامة والجنسية والإنجابية خاصة. وغياب هذه المؤسسات ومنهج الصحة الجنسية في المدارس والجامعات هو سبب انتشار الأمية الجنسية.
التكاليف
العلاج وحده لا يكفي لنتعالج، فهناك تكاليف أخرى يجب أن نلتزم بها وبحسب الحالة العلاجية وتشخيص الطبيب.
بحسب تجربتي، زيارة أخصائية التغذية وأسعار المواصلات واشتراك النادي الرياضي كذلك الطعام الصحي، كلف بمجموعه 200$ شهرياً. كون النظام الصحي للمصابة يجب أن يحوي بروتيناً عالياً ونشويات قليلة والابتعاد عن تناول الدقيق الأبيض.
خلال بحثي عن أسعار تقريبية سواء أسعار العلاج أو كشفية الأطباء أو السونار والتحليل كانت الأسعار تختلف من مريضة لأخرى، بل من صيدلية لأخرى ومحافظة لأخرى.
كما أن بعض الأطباء يرفضون العلاج أو التحليل إذا اتت به المريضة من مكان مختلف عن الذي طلبه.
وهذا ما واجهته كفاح (28 عاماً)، إذ رفضت طبيبتها العلاج “إذا جبت العلاج من غير صيدلية ما راح تستقبله أو حجتها أنها ما تثق بهاي الشركات”.
وهذه الاتفاقيات بين العيادات والصيدليات والمختبرات ترهق النساء من جميع الطبقات وتزيد معاناتهن.
رغم أن كفاح موظفة لكن تكلفة الأدوية تفوق راتبها “الصراحة حتى وأنا موظفة ما گدرت إلا جمعت على ثلاثة أشهر سعر هاي المراجعة كلها، إلي صارت أكثر من راتبي الشهري، من غير أن أكو أكلات وتمارين انا استمريت اسويهن وبعض الأكلات يعني أسعارهن مو قليله”.
هذه معاناة موظفة عزباء تعتبر إمكانيتها المادية جيدة، أما اللواتي من الطبقات المسحوقة اقتصادياً، يصعب عليهن في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة تحمل التكاليف التجميلية التي تأتي بعد العلاج، مثل ليزر إزالة الشعر، او حتى الاستمرار على نمط حياة صحي.
“تعالجت بتغيير نمط الحياة”
استمرت رحلة الباحثة رغد نصيف في العلاج سبع سنوات، حُرمت من الأمومة، وفقدت الأمل بعد أن أخبرتها الطبيبة بلوغها سن اليأس المبكر بسن الثلاثين! بسبب انقطاع الدورة الشهرية وحجم بويضتها صغير جداً.
كجميعنا، مرّت بمرحلة من التشخيصات الخاطئة وجميع ما سبق من عقبات. لكن رغبتها برائحة طفلها، حثتها لتجربة نوع علاج جديد بالاعتماد على تغيير نمط حياتها إلى صحي، قاطعت السكريات ومارست التمارين الرياضية من غرفة نومها.
تشير دراسة أجريت في جامعة بنما، نشرت عام 2016، إلى أن التغييرات في نمط الحياة قد تكون فعالة في تحسين أعراض متلازمة تكيّس المبايض لدى الفتيات ذوات الوزن الزائد، فلا يوجد علاج نهائي للمتلازمة فهي حالة مزمنة سترافقنا العمر كله.
خضعت المشتركات في هذه الدراسة لنظام حياة صحي، وبعد عام لوحظ أن 56.4 بالمئة أصبحن يحضن بانتظام وقلت جميع أعراض المتلازمة من وزن وبثور، وبالتالي تحسنت صحتهن النفسية، ونظرتهن لأنفسهن. تؤكد الدراسة أهمية الوعي بالحفاظ على وزن صحي وممارسة النشاط البدني بانتظام كجزء من معالجة هذه الحالة الصحية.
تعالجت رغد بعد مرور ثلاثة أشهر من اتباعها نمط حياة صحياً. وترى أهمية تسليط الضوء على ارتباط نمط الحياة بالمتلازمة، وليفهم المجتمع تأثير انتشار المطاعم والأكلات السريعة وقلة ممارسة التمارين الرياضية ونمط حياة الفتاة العراقية غير الصحي، الذي يسير بوتيرة واحدة، الدوام ثم البيت والنوم.
نمط الحياة غير الصحي ليس وحده ما يرتبط بالمتلازمة، بل أيضاً العنف بأشكاله في الطفولة، فبحسب دراسة منشورة عام 2023 في موقع ” ScienceDirect” العلمي، بعنوان “تأثير العنف بأشكاله في الطفولة على صحة المرأة الإنجابية، مع التركيز على أعراض متلازمة المبيض المتعدد التكيسات”، إذ أجريت الدراسة على 237 امرأة من جنوب أفريقيا. وأظهرت أن العنف في الطفولة، وخاصة العاطفي، مرتبط جداً بزيادة خطر الإصابة بـالمتلازمة لدى النساء. فاللاتي تعرضن للإساءة العاطفية أكثر عرضة للإصابة بمقدار 5.11 مرة مقارنة بمن لم يتعرضن لها. واللواتي تعرضن للعنف الجسدي أكثر عرضة للإصابة بنسبة 4.21 مرة.
نساء أخريات قررن تجربة اليوغا والتأمل كعلاج نفسي وجسدي، وقد أثبتت دراسة نشرت عام 2020 فعاليتها بتخفيف خطر الإصابة بعنوان ”تأثير اليوغا والتمارين على خطر متلازمة المبيض المتعدد التكيسات بين تلميذات المدارس المراهقات في جنوب الهند”.
في هذه الدراسة، تمت مراقبة 204 فتيات ذوات خطر إصابة عالية، وبعد انخراطهن بتدريبات يوغا انخفضت احتمالية إصابتهن بدرجة ملحوظة.
لا أذكرُ كيف بدأت أمارس اليوغا لكنها كانت بنصيحة إحدى الفتيات اللواتي جربن فعاليتها، ها قد مرت أربع سنوات، رغم استهزاء العديد من محيطي بها، لكن كل صباح مع شروق الشمس، استلذُ بمعانقة جسدي ولمسه وبكوني امرأة، أتعلمُ حبه بوزني الزائد وبثور وجهي، أُحبه اليوم بلا شروط وأدركت كم كان الشعر الذي أقرف منه ليس سوى بضع شعرات، هولها عقلي المتأثر بكل شروط الأنوثة المفروضة بشكل مباشر أو مبطن، وبعد إكمال تماريني أزيل بساط التمرين وأنظر للمرآة وأقبلها، رغم أنف القالب الذي تريد “ريلزات انستكرام” والعائلة أن تفرضه علينا.
أنتجت هذه المقالة ضمن سلسلة ملف “صحة المرأة“ الذي أطلقه جمّار.