بدأت الخلافات بين الكتل المتنفذة تتصاعد بشكل ملحوظ وتؤثر على أداء البرلمان في السنة التشريعية الأخيرة من عمر الدورة النيابية الحالية، والتي بدأت بتعثر انعقاد الجلسات البرلمانية، برغم ادعاء تلك الكتل وجود اتفاقات وتوافقات في ما بينها على إقرار بعض القوانين، وعلى رأسها قانونا العفو العام والتقاعد.
وأمس الاربعاء قاطعت غالبية الكتل السياسية جلسة المجلس، ما اضطر رئاسة المجلس "إلى تأجيل انعقاد الجلسة لعدم اكتمال النصاب القانوني".
وكانت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب قد نشرت جدول أعمال الجلسة التي كان مقرراً عقدها أمس الأربعاء، والذي تضمن التصويت على عدد من مشاريع القوانين المهمة، أبرزها قانون جهاز المخابرات، فضلاً عن قراءة مقترح تعديل قانون التقاعد.
وفي بلد يواجه أزمات سياسية واقتصادية، بات مجلس النواب، محور انتقادات لاذعة بسبب تراجع دوره التشريعي والرقابي؛ فبدلًا من أن يمارس النواب مسؤولياتهم الدستورية في سنّ القوانين ومراقبة أداء الحكومة، انحرفت بوصلة الأداء نحو مصالح حزبية وشخصية، ما عمّق حالة عدم الثقة بالعملية السياسية بنمطها القائم على المحاصصة والتخادم المكوناتي.
هذا التراجع ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج نظام سياسي مأزوم وهجين يتداخل فيه التشريع بالتنفيذ، ما أدى إلى غياب المعارضة الحقيقية وتراجع أداء المجلس إلى حدّ خطير. ، حيث يقف البرلمان عاجزًا عن تقديم أية حلول ناجعة.
فشل وانعدام ثقة
وفي هذا الشأن قال عضو مجلس النواب جياي تيمور: إن "عقد الجلسات بصيغتها الحالية غير ملائم ولا يبشر بالخير، فما فشلنا في تحقيقه خلال الفصل التشريعي السابق، وما فشلت فيه الدورات البرلمانية السابقة، يعود إلى بقاء الأسباب نفسها، ولذلك لا نتوقع نتائج مختلفة".
وشدد في حديث صحافي تابعته "طريق الشعب"، على أهمية أن "يدرك جميع أعضاء مجلس النواب أنهم أولًا عراقيون، قبل أن يتبنوا انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو القومية، لكن للأسف هذا ما لا نراه على أرض الواقع، حيث يسعى كل طرف لتحقيق مصالحه الخاصة، ما أدى إلى انعدام الثقة بشكل كبير".
وأضاف تيمور قائلاً إنه "نظراً لانعدام الثقة، نشهد محاولة تمرير القوانين الجدلية في سلة واحدة، لأنهم يخشون أن يتم تأجيل التصويت أو تعطيله إذا تم إدراجها بشكل منفصل. فعندما يكون قانونٌ ما في ذيل قائمة التصويت، يتوجس الداعمون له من مغادرة النواب قاعة الجلسة قبل التصويت، ما يؤدي إلى عدم إقراره. لذلك يلجؤون إلى جمع القوانين الجدلية في سلة واحدة لضمان التصويت عليها".
ودعا الى تأجيل القوانين المثيرة للجدل و"التفرغ لإقرار تشريعات أخرى تمس حياة المواطن العراقي بشكل مباشر. كما دعا رئاسة المجلس إلى عدم إدراج القوانين الجدلية في جدول الأعمال، وبدلًا من ذلك التركيز على القوانين ذات الأولوية للمواطنين".
برلمان عاجز
من جهته، قال المحلل السياسي داوود سلمان إنه يفترض بمجلس النواب أن يكون مؤسسة تشريعية ورقابية، هدفها الأول خدمة المواطن وتشريع القوانين التي تمس حياته بشكل مباشر، بالإضافة إلى مراقبة أداء الحكومة لضمان سير العمل بما يخدم المصلحة العامة. ولكن، للأسف، ما نشهده اليوم هو غياب هذا الدور بشكل شبه كامل.
وأضاف سلمان، أن "مجلس النواب فقد هويته التشريعية والرقابية وأصبح أداة بيد رؤساء الكتل السياسية. بدلاً من العمل لصالح الشعب، يتم توظيفه لتحقيق مصالح شخصية وسياسية، مما أدى إلى تفشي الابتزاز والمساومات على حساب المواطن وحقوقه".
وواصل القول في حديث مع "طريق الشعب"، إنه في الآونة الأخيرة، "لاحظنا أن بعض النواب يتخلون عن أدوارهم الرئيسية ويتحولون إلى ما يشبه موظفي البلديات، حيث ينشغلون بمتابعة قضايا ثانوية مثل تعبيد الشوارع واستقبال الناس الباحثين عن رواتب الرعاية الاجتماعية، بينما يغيب دورهم الحقيقي في الرقابة والتشريع. هذا التراجع في الأداء يشكل انعكاساً لغياب الإرادة الحقيقية للإصلاح داخل المؤسسة التشريعية".
وتابع قائلاً: إن "ما يزيد الطين بلة هو القرارات التي تُتخذ بعيدًا عن مصالح الشعب، مثل الموافقة بالإجماع على استيراد سيارات بمليارات الدنانير قبل أيام، في وقت تعاني فيه الدولة من عجز مالي قد يؤثر حتى على رواتب الموظفين والمتقاعدين. هذه المفارقة تعكس حالة الانفصام التام بين مجلس النواب والمواطنين، وتساهم في تعزيز فقدان الثقة بالنظام الديمقراطي ككل".
وأردف سلمان بالقول: إن "البيئة السياسية التي نتجت بعد 2003 أفرزت برلمانات ضعيفة وغير قادرة على تلبية تطلعات الشعب خلال عقدين. مجلس النواب الحالي، على غرار الدورات السابقة، عجز عن تقديم أي حلول حقيقية لأزمات البلاد، سواء كانت تتعلق بالكهرباء، أزمة السكن، أو تقلبات سعر الدولار".
وخلص إلى القول: إن "غياب الدور الحقيقي للبرلمان يعني غياب حقوق المواطن، وتكرار المشهد نفسه مع كل دورة انتخابية حيث يتم التأكيد أن الإصلاح الحقيقي يتطلب إعادة هيكلة شاملة للنظام السياسي، وإحلال قيادات تمتلك غيرة وطنية وتضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار".
ما سبب هذا الانحراف؟
إلى ذلك قال المراقب للشأن السياسي جعفر الكعبي، إن من أهم واجبات مجلس النواب الاهتمام بمصالح الناس من خلال تشريع القوانين التي تخدمهم، بالإضافة إلى دوره الرقابي على مختلف السلطات، بما في ذلك السلطة التنفيذية، لضمان تنفيذ التشريعات بشكل سليم.
وأضاف الكعبي في حديث مع "طريق الشعب"، أن "روح النظام البرلماني تكمن في الفصل بين السلطات، لكن في العراق، تحول هذا النظام إلى نموذج هجين بعيد عن أسسه الحقيقية".
وزاد ان "عضو مجلس النواب أصبح يمارس أدوارًا خارجة عن مهامه الدستورية، حيث تحول إلى معقب للمعاملات ومنفذ للمقاولات، بل وأداة للضغط على الحكومة ـ كما شهدنا سابقاً ـ وابتزازها لتحقيق مكاسب حزبية أو شخصية. هذا الأمر أدى إلى إضاعة البوصلة الأساسية لعمله الرقابي والتشريعي".
وأشار إلى أن "السبب الرئيس لهذا الانحراف، يعود إلى اشتراك جميع الأحزاب والائتلافات في السلطتين التشريعية والتنفيذية، ما ألغى وجود معارضة حقيقية".
وأكد في الختام، أن "غياب المعارضة الفاعلة أدى إلى ضعف الرقابة على أداء الحكومة وترك الساحة مفتوحة أمام التجاوزات والانحرافات التي تضر بمصلحة الشعب".