سميرة ونجود.. قصتان تعكسان مأساة تزويج الأطفال في العراق
نشر بواسطة: mod1
السبت 18-01-2025
 
   
الحرة - حامد الزبيدي - أربيل

خطف الزواج القسري طفولة سميرة حين كانت تبلغ من العمر 13 عاما فقط، لتبدأ بعدها رحلة عذاب لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا مع رجل يكبرها بربع قرن تقريبًا.

سميرة، وهو اسم مستعار، نشأت في بيئة ريفية جنوب العراق ضمن أسرة مكونة من 11 فردًا، وكان عمرها 13 عامًا فقط حين قرر والدها، دون الرجوع إليها، تزويجها بمالك الأرض الذي يعمل لديه فلاحًا.

"العريس"، إن صحت التسمية في هذه الحالة، كان يكبر سميرة بـ25 عامًا، ولم تكن قد بلغت بعد، حيث جاءت الدورة الشهرية لأول مرة وهي في منزل زوجها، حسب ما قالت لموقع "الحرة".

وبعد عام من زواجها، حملت بطفل ذكر.

وتقول سميرة إن الأطباء نصحوها بإجراء عملية إجهاض بسبب الخطر الذي كان يهدد صحتها نتيجة الحمل.

لكن زوجها رفض إجهاض الجنين، لتبدأ معاناتها منذ الأشهر الأولى للحمل. ومع وصولها إلى الشهر السادس، تدهورت حالتها الصحية بشكل كبير وسط إهمال زوجها لها، مما أدى إلى تعرضها لنزيف حاد.

بعد مضاعفات صحية ووفاة الجنين، تغير سلوك زوجها وأصبح يهجرها، قبل أن يبدأ بتهديدات مستمرة بالطلاق، مما جعلها تشعر بالعزلة والظلم.

ولم تعد تعتبر نفسها شريكة في الحياة الزوجية، بل مجرد عاملة دون أجر، تقضي يومها بأداء مهام منزلية بالإضافة إلى أعمال الزراعة التي كانت تشارك فيها أيضًا.

جسد غير جاهز لحمل المستقبل

وتقول الأخصائية في الأمراض النسائية والتوليد، وفاء صالح، إن القصور لدى الفتاة لا يتعلق بالعمر والنضج العقلي فقط، بل يشمل أيضًا النضج والبلوغ الجنسي والجسدي.

بمعنى أن يصل الجهاز التناسلي الأنثوي، بما في ذلك الرحم والمبايض والمهبل، إلى مرحلة البلوغ، بحيث ينتج بويضات بشكل سليم ويتيح فرصة لحمل ناجح.

وتوضح أن أبرز الأمراض العضوية التي تصيب الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة، لا سيما اللواتي لم يصلن إلى عتبة البلوغ الجنسي، تبدأ منذ اليوم الأول من الزواج.

وحسب الأخصائية، فإن الليلة الأولى من الزواج تسفر عادة عن نزيف وجروح وأحيانًا تمزق العضو التناسلي لديهن لصغر حجمه.

ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى هبوط الرحم، إضافة إلى التهابات حادة قد تستغرق فترة طويلة للعلاج، مما يحد من إمكانية المعاشرة الزوجية، وفقًا لصالح.

وتضيف أنه في حال حدوث حمل، فإن أرحام الفتيات تكون غير مكتملة النضج، ما يؤدي إلى مضاعفات طبية مثل الإجهاض المبكر، الذي قد يتكرر في بعض الحالات.

وفي حال تجاوزت الفتاة هذه المرحلة، فإن عدم نضج الأعضاء التناسلية الأنثوية يعيق توسع الرحم بشكل كافٍ، مما يصعب على الجنين إتمام فترة الحمل كاملة.

وبالتالي يؤدي ذلك إلى ولادة مبكرة، خصوصًا في الشهر السابع، وفقًا للأخصائية في الأمراض النسائية والتوليد.

وتشير إلى أن مرحلة البلوغ الجنسي والجسدي لدى الفتيات تكون في عمر 18 عامًا، وحدوث الإحاضة لا يعني بالضرورة أن الفتاة قد نضجت جنسيًا أو أصبحت مؤهلة للحمل والولادة.

كما أظهرت الإحصائيات العالمية أن الحمل في سن مبكرة يعرض الفتاة لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم غير المسيطر عليه، وقد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الصرع الولادي، وفقًا لما أوضحته صالح.

ويسفر الحمل المبكر أيضًا عن تشنجات عضلية قد تفقد الفتاة وعيها بالكامل، مما يشكل مضاعفات خطيرة للجهاز العصبي واحتمالية الإصابة بالعجز الكلوي، بالإضافة إلى الإصابة بارتفاع نسبة السكر في الدم.

وتؤكد صالح أن جسم الفتاة القاصر غير مهيأ لاستقبال كائن حي آخر بكل مكوناته واحتياجاته، فضلًا عن صعوبة الولادة بسبب ضيق الحوض الذي يكون صغيرًا في هذه المرحلة.

وتشير إلى أن معالجة ظاهرة زواج القاصرات تتطلب اتخاذ عدة إجراءات، أبرزها التعليم الإلزامي وتوعية الفتيات بأهمية إكمال دراستهن لضمان مستقبلهن.

طفولة ضائعة في زواج مفروض

وكما هو الحال مع سميرة، اختبرت نجود مرارة الزواج المبكر، إلا أن زواجها لم يستمر، وانتهى بشابة محملة بآلام نفسية وعبء تربية ثلاثة أطفال.

نجود، وهو أيضًا اسم مستعار، اقترنت رغم إرادتها عام 2011، حين كان عمرها 15 عامًا فقط، قبل أن تنفصل في 2019، وفق ما تروي لموقع "الحرة".

وتقول إن القرار الذي اتخذته أسرتها بحكم العادات والتقاليد دفعت هي وحدها ثمنه طيلة ثماني سنوات، اختبرت خلالها كافة صنوف الظلم والتعنيف، وطمس شخصيتها على يد زوج "أمي"، يكبرها بسبع سنوات.

وتضيف أنها نشأت في عائلة مكونة من تسعة أفراد، وكان رب الأسرة يعمل أجيرًا يوميًا، وحالتهم المادية كانت أقل من متوسطة.

وكانت تطمح، هي الطالبة المتفوقة، أن تصبح مهندسة، لكن قرارًا اتُخذ رغمًا عنها ودون استشارتها سرق أحلامها.

فقد أجبرها زوجها على التخلي عن الدراسة بذريعة أن الأعراف الاجتماعية تحتم على المرأة رعاية زوجها وأطفالها على حساب دراستها.

واعتبرت نجود أن زواجها كان فاشلًا بسبب غياب التفاهم، بالإضافة إلى افتقار الاحترام لها كامرأة، فقد تعرضت للضرب على مدار سنوات.

وأمام تعنيفها، كانت عائلتها تحاول دائمًا إصلاح الوضع خوفًا من الطلاق، إذ يُعتبر الطلاق أمرًا معيبًا للمرأة، حيث كانت تشعر أنها مجرد جارية، تُستخدم فقط للفراش وأعمال المنزل، تروي نجود بحسرة.

وبعد أن تحولت حياتها إلى جحيم حقيقي بسبب إهمال زوجها لمسؤولياته وعدم امتلاكه عملاً ثابتًا، قررت نجود أن تبحث عن عمل.

إلا أنها لم تتمكن من الحصول على وظيفة لعدم امتلاكها شهادة إعدادية، وحاولت العودة إلى الدراسة لتحسين فرصتها في الحصول على وظيفة، لكن عائلة زوجها منعتها من ذلك، مما دفعها إلى اتخاذ قرار الانفصال.

وتحذر نجود من الإقدام على الزواج المبكر، فتجربتها تشير إلى أن ظلمًا كبيرًا وقع عليها من عائلتها، خاصة وأن حياتها تغيرت جذريًا، وفرص ارتباطها تقلصت بشكل كبير بعد أن أصبحت مطلقة وأمًا لثلاثة أطفال وهي في نهاية العشرينات من عمرها.

طفولة مسروقة وراء ستار الزواج

يُعدِّد أستاذ علم الاجتماع، ولي الخفاجي، في حديث مع موقع "الحرة"، أبرز التداعيات الاجتماعية الناجمة عن زواج القاصرات، ومنها ترك الفتيات للتعليم أو إجبارهن عليه لعدم قدرتهن على مواكبة الدراسة وتحمل مسؤوليات الزواج.

كما تتعرض الفتيات القاصرات للعنف الأسري نتيجة صعوبة تكيفهن مع عائلة الزوج، خاصة إذا كانت العائلة ممتدة، مما يجعلهن يشعرن وكأنهن خادمات، خصوصًا أنهن في سن صغيرة لا يُسمح لهن بالعيش في سكن مستقل.

ويقع الزوجان في دوامة من المشاكل المستمرة، نتيجة لصعوبة تحمل مسؤولية الزواج، خصوصًا إذا كانا في مراحل عمرية صغيرة.

ويعاني الزوجان من غياب التوافق الفكري بينهما، لأن هذا الزواج غالبًا ما يُبنى على رضا العائلتين ومظاهر اجتماعية أخرى، بدلًا من أن يكون مبنيًا على اختيار سليم، وقد يؤدي إلى الانفصال، وفقًا لقول الخفاجي.

ويواجه الزوجان مشاكل تتعلق بغياب الاستقرار، حيث تفتقر الفتيات في هذه الأعمار إلى الوعي الكافي بمؤسسة الزواج.

وقد تؤدي تلك المشاكل إلى تصرفات خاطئة، مثل الخيانة الزوجية، نتيجة للتأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي وضغوط أخرى، فيما يتسبب هذا الزواج في حرمان الفتيات من فرصة العمل، ويحد من حرياتهن.

ويشير الخفاجي إلى أن أسباب انتشار زواج القاصرات تشمل القلق الأسري في ظل الظروف الاقتصادية، والفقر والحاجة اللذين يعززان انتشار مثل هذه الزيجات.

كما تلعب العادات والتقاليد الشرقية دورًا في هذه الظاهرة، فيما يسهم ترك الفتيات لمقاعد الدراسة في تسهيل زواجهن في سن مبكرة.

وللحد من ظاهرة زواج القاصرات، يؤكد الخفاجي على أهمية نشر الوعي بمخاطر هذا الزواج وآثاره السلبية، وتعريف المجتمع بأسس الزواج الناجح، حيث تقع المسؤولية على عاتق المؤسسات الدينية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني، بهدف بناء جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل.

وأكد أستاذ علم الاجتماع على ضرورة وجود تشريعات قانونية جديدة لمكافحة زواج القاصرات، مثل منع عقد القران خارج المحاكم، وتحديد سن الزواج، بعيدًا عن رؤى المذاهب السُني والشيعي، ليكون القانون موحدًا يهدف إلى حماية المجتمع.

ويضيف الخفاجي أنه على الرغم من وجود القانون الذي يمنع زواج القاصرات في العراق، فإن هذه الزيجات تعقد بعيداً عن الدوائر الرسمية وتحديداً على يد رجال دين معللين ذلك بأن الزواج قد تم شرعاً، لكن في واقع الحال لايضمن هذا الزواج أي حقوق مدنية للزوجة.

زواج القاصرات.. أحلام مبتورة في مهب الريح

أخصائية الطب النفسي، داليا طه محمود، تقول إن المرحلة العمرية قبل سن الـ18 تعتبر فترة تحول بين مرحلتي المراهقة والبلوغ عند الإنسان، إذ تتخللها تغيرات نفسية وفيزيولوجية غير مستقرة.

بالتالي، فإن الفتيات اللاتي يتزوجن في هذه المرحلة العمرية يكنّ غير مستعدات نفسيًا للزواج بصورته العامة، وأيضًا لممارسة العلاقة الحميمة وسط تقلبات هذه المرحلة، ما يؤدي إلى شعورهن بالنفور والقلق، وفق ما تقول محمود.

وهذا النفور قد يعتبره بعض الأزواج عدم رغبة من جانب الزوجة، ما قد يدفعهم إلى تعنيف زوجاتهم بطريقة قاسية تصل إلى حد الضرب والإهانة.

وتشير محمود إلى أن زواج القاصرات يحدث غالبًا في المناطق الريفية بشكل كبير، بالإضافة إلى المدن، وتحديدًا في المناطق الشعبية والأحياء الفقيرة.

كما يحدث أيضًا في الأسر التي تعاني من الفقر والعوز، وفي العائلات التي تضم عددًا كبيرًا من الأفراد، إذ يلجأ أولياء أمور الفتيات إلى تزويجهن في سن مبكرة للتخلص من الأعباء المادية والاجتماعية.

وأوضحت أن من أبرز الأمراض التي تتعرض لها الفتيات اللاتي يتزوجن بعمر مبكر هي الأمراض النفسية، ومنها الاكتئاب المزمن والقلق النفسي، إضافة إلى أمراض الذُهان النفسي الشديد بسبب التعنيف.

كما تؤكد أيضًا تعرض الفتيات الحوامل أو الأمهات الجدد لأمراض أخرى تتمثل في التوتر المزمن وعدم الاستقرار النفسي، نتيجة الشعور بمسؤولية كبيرة لم يعهدنها من قبل، تتعلق بتربية الطفل.

وهذا الشعور قد يرافقه أيضًا إحساس بأن حياتهن ستقتصر على المهام الأسرية، بعيدًا عن تحقيق أحلامهن.

وتقول محمود إن الأزمات النفسية الناتجة عن زواج القاصرات قد تمتد لسنوات عديدة.

وأصغر حالة زواج مبكر عرفتها محمود كانت لفتاة تزوجت في عمر الـ8 سنوات، وظلت في منزل زوجها لمدة عامين دون أي علاقة شرعية حتى وصلت سن البلوغ.

جريمة مخفية وراء ستار الشريعة والسياسة

تصف الناشطة في مجال حقوق المرأة، تونس أحمد، زواج القاصرات بأنه جريمة ضد الإنسانية، لما يترتب عليه من ظلم للفتيات وتدمير لحياتهن وأحلامهن.

إضافة إلى أن هذا الزواج ينتج أطفالًا ينشأون في بيئات مليئة بالمشاكل النفسية، ما يعمق هذه المشكلات في شخصياتهم ويؤثر سلبًا على سلوكياتهم في المستقبل، وفق الناشطة.

وتشير إلى أن بعض الكتل السياسية الإسلامية تسعى لتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، حيث يتضمن التعديل تشريع زواج الفتيات في سن 9 سنوات وفقًا للشريعة الإسلامية.

ويُعتبر هذا التعديل، حسب أحمد، جزءًا من المساومات السياسية بهدف الضغط على كتل أخرى لتمرير ما تريده من قوانين.

كما يشكل التعديل مصدر قلق لشريحة واسعة من العراقيين، الذين يضغطون على الحكومة لرفضه بشكل قاطع.

وتؤكد أحمد أن هناك جهودًا كبيرة تُبذل من قبل الناشطين لرفع مستوى التوعية والتثقيف للقضاء على ظاهرة زواج القاصرات.

إلا أن هناك عقبات تتمثل في مقاومة هذه الجهود من قبل أتباع بعض الأحزاب الإسلامية، الذين يبررون مواقفهم بأنها تتوافق مع الشريعة والدين، حسب ما قالت أحمد.

وأكدت أن الجهود ستبقى مستمرة ضد تحركات الأحزاب.

وتتابع الناشطة الحقوقية أن الحملات المضادة التي تقودها هذه الأحزاب وصلت إلى التخوين والطعن في الأعراض.

وتوضح أن بعض الناشطات تعرضن للتهديد بالقتل جراء نشاطهن المناهض لتعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي يدفع إلى تجهيل المجتمع واستمرار انتهاك حقوق المرأة.

وتشمل التعديلات الأخرى حرمان المرأة المطلقة من بعض حقوقها ومنح حضانة الأطفال للأب.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced