تيرانا حسن لـ"العربي الجديد": ازدواجية المعايير قوّضت حقوق الإنسان
نشر بواسطة: mod1
الأحد 19-01-2025
 
   
العربي الجديد -تيرانا حسن

ينبغي على حلفاء إسرائيل استخدام نفوذهم لوقف الانتهاكات

قضية المعايير المزدوجة ليست بالجديدة، وليست حكراً على دول الغرب

أدلة دامغة على أن الأسلحة الأميركية استخدمت في ضربات هجومية بغزة

على الدول الأطراف في نظام روما تنفيذ أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت

أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش، الخميس الماضي، تقريرها السنوي حول وضع حقوق الإنسان حول العالم لعام 2024، وشمل قرابة مئة دولة، وجاء في أكثر من 500 صفحة. وفي مقابلة مع "العربي الجديد" في نيويورك تحدثت المديرة التنفيذية للمنظمة، تيرانا حسن، عن الوضع في غزة والسودان والمعايير المزدوجة في العديد من الدول، كما فشل الكثير من الديمقراطيات في حماية مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، مشددة على أن هذا ليس وقت التراجع أو وقف المطالبة بالحماية للجميع في كل مكان.

*في تقديمك للتقرير، وصفت 2024 بأنه عام "الحساب أو المحاسبة" ما المقصود بذلك؟

شهدنا فشلاً ذريعاً للحكومات التي تمتلك السلطة أو التي كان بوسعها أن تستخدم سلطتها للتدخل وحماية حياة الناس وكرامتهم. ولعل الأمثلة الأكثر وضوحاً على ذلك في غزة والسودان. وفي الوقت ذاته، والسبب وراء تسميتها سنة المحاسبة أو الحساب، هو أننا في الوقت الذي شهدنا فيه جهوداً تقوض النظام الدولي لحقوق الإنسان، سواء كانت عن قصد أو دونه، فإننا شهدنا كذلك دفاعاً عن حقوق الإنسان، وإن كان من جانب جهات ليست فاعلة أو التي لا تلعب ذلك الدور تقليدياً. وفي سياق غزة كانت جنوب أفريقيا هي الدولة التي كانت على استعداد للوقوف والتوجه إلى محكمة العدل الدولية وتحدي إسرائيل بسبب فشلها في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. وهناك أمثلة أخرى، كانت فيها الدول الأصغر حجماً، على استعداد للوقوف في وجه إسرائيل دفاعاً عن حقوق الإنسان.

*يذكر التقرير الصادر عن منظمتكم أنه على الرغم من الأدلة الواضحة على ارتكاب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية فإن حكومات ديمقراطية، بما فيها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، استمرت في دعم إسرائيل بالأسلحة، والحصانة الدبلوماسية من خلال استخدام حق النقض "فيتو" (الولايات المتحدة تحديداً) في مجلس الأمن. وهنا لا بد من السؤال، ما إذا كان الحديث عن "دعم" يكفي، وربما آن الأوان لنقول "تورط" هذه الدول في الحرب ضد الشعب الفلسطيني؟

لقد أثرنا مخاوفنا مع المسؤولين الأميركيين بشأن استمرارهم في تقديم المساعدات والمبيعات العسكرية ونقلها إلى الجيش الإسرائيلي. وهناك أدلة دامغة على أن الأسلحة الأميركية استخدمت في ضربات هجومية في غزة وانتهكت القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان. وتخاطر الولايات المتحدة بالتواطؤ، سواء في انتهاك قوانينها المحلية أو القوانين الدولية، من خلال الاستمرار في توريد الأسلحة عندما تعلم أن هناك خطراً حقيقياً في استخدامها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد القانون الدولي.

*وما هي التبعات القانونية المترتبة على ذلك بالنسبة لدور دول ثالثة في دعم الاحتلال والحرب، وخاصة في ما يخص قرار محكمة العدل الدولية وعدم قانونية الاحتلال؟

عندما أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري في يوليو/تموز (2024)، بشأن العواقب القانونية لسياسات إسرائيل كانت واحدة من أهم الاستنتاجات التي توصلت إليها المحكمة، هي أن إسرائيل ارتكبت انتهاكات متعددة وخطيرة للقانون الدولي تجاه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها الفصل العنصري (أبارتهايد). وخلصت المحكمة أيضاً إلى أن إسرائيل مسؤولة عن تقديم التعويضات عن الأضرار التي لحقت (بالفلسطينيين نتيجة الاحتلال) وممارساتها غير القانونية. العنصر الآخر المهم يتعلق بالتدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية حول الحرب. والآن أصبح المجتمع الدولي وحلفاء إسرائيل وجميع الدول على دراية بالوضع القانوني لممارسات دولة إسرائيل، وينبغي عليهم القيام بكل ما بوسعهم لضمان وفاء إسرائيل بالتزاماتها والالتزام بأحكام المحكمة أو التدابير المؤقتة للمحكمة. وهذا يعني عملياً أن الولايات المتحدة بصفتها دولة حليفة لإسرائيل، بحسب توصيفها، يجب أن تستخدم نفوذها لوقف الانتهاكات وضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون قيود. وينطبق هذا أيضاً على الاتحاد الأوروبي والبلدان الأخرى في جميع أنحاء العالم، والتي يجب عليها استخدام نفوذها اقتصادياً أو غير ذلك، لضمان عدم استمرار إسرائيل في انتهاك القانون الدولي، وعليها أيضاً ضمان عدم مساهمة تصرفاتها وعلاقاتها مع إسرائيل في ارتكاب هذه الانتهاكات.

*ماذا عن المحكمة الجنائية الدولية وازدواجية المعايير في ردات فعل دول غربية، على وجه التحديد، وتفاعلها مع مذكرة التوقيف الصادرة بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الأمن السابق يوآف غالانت بالمقارنة مع تلك الصادرة بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟

عندما يتعلق الأمر بالدول الموقعة على نظام روما الأساسي، وخاصة بمذكرة الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو وغالانت، فإن الأمر واضح للغاية: يجب على الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تفي بالتزاماتها، كدول أعضاء في المحكمة، وهذا يشمل ضمان تنفيذها أوامر الاعتقال إذا وطئت أقدام نتنياهو وغالانت أراضيها، فلا يوجد حل بديل، ولا يوجد استثناء. وهناك عواقب بموجب نظام روما الأساسي للدول التي تنتهك ذلك، وهذا شيء جارٍ بالفعل الآن مثلاً بسبب فشل منغوليا في قضية بوتين (زيارة الرئيس الروسي لمنغوليا في سبتمبر/أيلول الماضي).

*ما هي عواقب هذه المعايير المزدوجة من قبل الدول الغربية عندما يتعلق الأمر بفلسطين، أو السودان حتى، مقارنة بأوكرانيا مثلاً؟

قضية المعايير المزدوجة ليست بالجديدة، وليست حكراً على الدول الغربية. ولكن في ما يخص سؤالك فإن عواقب المعايير المزدوجة واستمرارها طوال عام 2024، وخاصة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالوضع في غزة والسودان، فإن ضررها لا يقتصر على المدنيين في تلك البلدان فحسب، بل لعب أيضاً دوراً في تقويض حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم وتقويض المؤسسات الدولية ذات الصلة. رأينا كيف استخدمت الولايات المتحدة والدول الأوروبية كل أداة ممكنة لحشد الصفوف لحماية المدنيين، عندما غزت روسيا أوكرانيا، واتخاذ إجراءات فورية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي والعديد من البلدان في جميع أنحاء العالم لدعم اللاجئين، والترحيب بهم في بلدانهم، للمساعدة في إعادة توطين الأوكرانيين. لقد تحركوا في النظام متعدد الأطراف، مستخدمين نظام الأمم المتحدة والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، واستخدموا آليات العدالة الدولية، وكانت الولايات المتحدة مستعدة حتى لدعم التحقيقات في المحكمة الجنائية الدولية ومذكرة التوقيف بحق بوتين والمسؤولين الروس. ولكننا رأينا العكس تماماً عندما تعلق الأمر بغزة، بل رأينا المشرعين الأميركيين يشنون ما يبدو أنه هجوم شامل على المحكمة الجنائية الدولية، من خلال تقديم مشروع قانون من شأنه فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.

* أي دور يمكن أن يلعبه المجتمع المدني والمواطنون في الدول التي فيها أنظمة ديمقراطية، كالولايات المتحدة والدول الأوروبية وغيرها، لمحاسبة حكوماتهم على عدم الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي ودعم حرب الإبادة على غزة، أو حتى أطراف النزاع في السودان وصراعات أخرى عن طريق الأسلحة والغطاء الدبلوماسي؟

هذا واحد من الأمور المهمة التي لاحظناها العام الماضي، وهو درس مهم للغاية يجب أن نتمسك به في 2025 ومفاده أنه عندما تفشل الحكومات (بالوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية) فيجب أن تُحاسب. وهذا هو دور المجتمع المدني. هكذا تزدهر الديمقراطيات، إذا خضعت قراراتها وتصرفاتها للمساءلة. وتلعب منظمات المجتمع المدني، سواء كانت منظمات حقوق الإنسان أو المنظمات القانونية المحلية أو مجموعات المصالح، دوراً في جمع الأدلة وإجراء المناقشات مع صناع القرار، فضلاً عن إعلام الجمهور وتعبئته. ولا يقتصر الأمر على المنظمات غير الحكومية، بل يتعين على وسائل الإعلام الدولية والمحلية في تلك البلدان أن تطرح الأسئلة الصحيحة لتحدي الحكومات، التي تفشل بوضوح في الوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية. ورأينا احتجاجات في الشوارع (الأميركية والغربية) حيث خرج الناخبون لهؤلاء الزعماء الذين لا يفون بالتزاماتهم، إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم. إنهم لا يريدون أن تُستخدم أموالهم باعتبارهم دافعي الضرائب في تمويل انتهاكات حقوق الإنسان، سواء في غزة أو أي مكان آخر.

*في ما يخص السودان تحديداً، يشير التقرير كذلك إلى أن الاستجابة العالمية كانت غير كافية. هل يمكنك توضيح ذلك؟

سأذهب أبعد من القول إنها غير كافية، بل هناك إهمال. يواجه السودان أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث يواجه أكثر من 20 مليون شخص الجوع الحاد، وتم الإعلان عن المجاعة في مخيمات للنازحين داخلياً. وللتذكير فإن مخيمات النازحين هي الأماكن التي يتوجه لها الناس عادةً للحصول على المأوى والأمان والمساعدات الإنسانية الأساسية مثل الغذاء. لكن ما حدث هو أن أطراف النزاع في السودان تجاهلت بشكل صارخ قوانين الحرب، بل كانت هناك هجمات متعمدة واسعة النطاق ضد المدنيين، وقتل ونهب وعنف جنسي واسع النطاق، حتى إننا وثقنا مؤخراً العبودية الجنسية في جنوب كردفان (وسط البلاد). ونعلم كذلك أن الجانبين، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، يمنعان وصول المساعدات الإنسانية، من خلال وضع كل أنواع العقبات الإدارية وجعل الأمر شبه مستحيل، وهذا يتجاوز بيئة العمل التي تتسم بالمخاطر الكبيرة للعاملين في المجال الإنساني.

سيرة تيرانا حسن

تولت تيرانا حسن منصب المديرة التنفيذية لمنظمة هيومن رايتس ووتش في 27 مارس/آذار 2023، وذلك بعد أن كانت تشغل المنصب بالإنابة منذ سبتمبر/أيلول 2022 بعد مغادرة كينيث روث. عملت تيرانا حسن مع أطباء بلا حدود، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، ومنظمة أنقذوا الأطفال، ومديرة لبرنامج الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية. وحسن متخصصة في حماية حقوق الإنسان في النزاعات والأزمات، وتحمل شهادة الماجستير في القانون الدولي لحقوق الإنسان من جامعة أكسفورد.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced