أول فيلم عن نصب الحرية وجواد سليم..ايمان خضير لرووداو: بذلت جهودا استثنائية في "سمفونية البرونز"
نشر بواسطة: mod1
25-01-2025
 
   
رووداو ديجيتال-معد فياض

منذ افتتاح نصب الحرية، عام 1961، في قلب بغداد، الباب الشرقي، بجانب الرصافة، قبالة جسر الجمهورية، كان يحمل تسمية جسر الملك غازي، وعلى مدى 64 عام مر تحت هذا النصب والتقط صور وتظاهر عنده ملايين العراقيين، فهو سيبقى ايقونة عراقية حضارية مميزة، ويُعد اكبر نصب فني في العالم، بعرض 50 مترا وارتفاع 8 امتار.

المفارقة ان غالبية من العراقيين، الذين ما يزالوا يلتقطون صورا تحت هذا النصب، لا يعرفون قصته واسباب قيامه وتكاليف انشائه، والنحات جواد سليم الذي ابدع منحوتاته ودفع حياته ثمنا من اجل انجازه، والمهندس المعماري رفعت الجادرجي الذي صمم قاعدته وكان اهم سبب في وجود هذا النصب.

اليوم تمر الذكرى الـ 64 على رحيل الفنان جواد محمد سليم علي عبد القادر الخالدي ( 1919- 1961). كانَ رسامًا ونحاتًا. يُعتبر من أكثر النَحاتين تأثيرًا في تاريخ العِراق الحَديث. واحد مؤسسي مجموعة بَغداد للفن الحديث، وهي مَجموعة فَنية شَجعت على استِكشاف تقنيات تَجمع بينَ التُراث العَربي والفَن الحديث. رحل مبكرا بعمر 46 عاما.

بدأت قصة النصب حين تلقى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم مقترحا لإقامة نصب يخلد قيام النظام الجمهوري في العراق، وذلك في بداية عام 1959، فاتصل قاسم بالمعماري المعروف آنذاك رفعت الجادرجي لكي يقوم بالمهمة، فصمم النصب على شكل لافتة عريضة بـعرض 50 مترا وعلى ارتفاع 8 أمتا. وقال الجادرجي حينها إنه أراد أن "يرمز النصب إلى جميع فئات الشعب كتعبير على أنها بطلة الثورة ووقودها، وهي تتصدى لأي فئة سياسية تريد الإضرار بها".

ملصق الفليم

وسارع الجادرجي بنقل فكرة النصب وتكليف قاسم إلى الفنان التشكيلي والنحات العراقي جواد سليم، وقد خول بالعمل دون أي تأثيرات سياسية أو محددات سابقة، فعكف سليم على العمل وصمم النصب على مخططات ورقية (Sketches) لعدة تماثيل مترابطة على طول مساحة الـ50 مترا للنصب وبعثها إلى الجادرجي لعرضها على قاسم.

وعن ذلك، قال الجادرجي إنه استشف أن قاسم، (وبمقترح من النحات خالد الرحال) يريد وضع صورته داخل النصب رغم أنه لم يقلها حرفيا، حيث وصف النصب بأنه يشبه نصبا يونانيا أو رومانيا ونريده أن يرمز للعراق، ويبدو أن حاشية قاسم لمحت بأنه يريد أن يرى نفسه في النصب.

جواد سليم مع زوجته لورنا في لندن

المخرجة السينمائية ايمان خضير، بذلت جهودا استثنائية لكتابة سينارية واخراج  فيلم دوكودراما، Docudrama (دراما وثائقية)، عن نصب الحرية وقصته، بعنوان"سمفونية البرونز"، من انتاج امانة العاصمة، قالت في حديثها لشبكة رووداو للاعلام، اليوم السبت، 25 كانون الثاني 2025، عن بداية تفكيرها بانتاج هذا الفيلم:" كنت كل ما انزل من جسر الجمهورية باتجاه الرصافة، تصير جدارية نصب الحرية  امامي وهي ترتفع، انا اهبط من الجسر بينما الجدارية ترتفع، وهنا فكرة معمارية ابداعية للمعمار الجادرجي، عندها اتذكر مباشرة سنوات النفي التي عشتها في بلدان مختلفة خارج العراق، ودائما تخبرني الجدارية باني في بغداد، كانت مؤشر يذكرني بعودتي الى مدينتي، وتقول لي ان النظام السابق انتهى وانت في مدينتك وهذا بالنسبة لي مثل الحلم الذي تحقق، وهذا يشعرني بالاطمئنان وان الترحال والنفي انتهى..الجانب الثاني انه لم يعمل اي احد اي فيلم عن هذه الجدارية وعن جواد سليم.. فحكومة عبد الكريم قاسم، التي تولت انجاز الجدارية لم تشتغل عن جواد لانه مات عام 1961، والحكومات التي بعده، البعثيين خاصة لم يفكروا بهذا الموضوع، بل يمكن كانوا ضد الجدارية، اذكر هنا ان  النحات والرسام خالد الرحال (1926- 1986)، ناصب العداء لجواد سليم ولنصب الحرية لانه كان يريده لنفسه، وحاول ان يتآمر ضد انشائه ووضع الصعوبات بوجهه، لهذا مثلا اقترح على عبد الكريم قاسم وضع صورته في النصب لكن جواد سليم ورفعت الجادرجي رفضاهذه الفكرة بشدة لانهما ارادا لهذا النصب ان يبقى وان يكون للشعب العراقي، ولو نفذت فكرة الرحال لكان صدام حسين قد هدم النصب بسهولة كما هدم نصب الجندي المجهول لرفعت الجادرجي".

معد فياض عند نصب الحرية

تضيف ايمان خضير " كان الرحال يتجسس على النصب ليرى فيما اذا تم وضع صورة قاسم ام لا، وحسب الجادرجي فانهم كانوا خلال وضع الوحدات النحتية يقومون بتغطيتها بالقماش حتى لا يراها الرحال  لذي كان يراقبهم من خلال نوافذ عمارة مرجان المقابلة للنصب، لكنه لم يستطيع ان يتبين فيما اذا كانت صورة قاسم موجودة ام لا، بل كان يكتب لمكتب قاسم ضاغطا عليهم حول موضوع الصورة. .وكان قاسم غير راضيا على الجدارية لعدم وجود صورته لهذا في افتتاحه للنصب لم يذكر اسمي جواد ورفعت لكنه قال في خطابه " احيي المهندسين الذين نفذوا هذا النصب".

تؤكد ايمان خضير" لهذا قررت ان اعمل هذا الفيلم عن جواد سليم اذ ليس من المعقول ان مبدع اكبر جدارية في العالم حسب ما اكده جبرا ابراهيم جبرا، ولم نشتغل عنه اي عمل؟ بينما برج ايفل اشتغل عليه الفرنسيون افلام وثائقية وديكو دراما ودراما وملصقات وطوابع وبطاقات بريدية، بينما العراق اهمل نصب الحرية بلا مبرر، مع ان البلد يمتلك العقول المبدعة والاموال اللازمة". معبرة عن رايها بان :" هناك عملية اقصاء مقصودة لعدم نتاج اي عمل ثقافي مهم في العراقززوهكذا كنت اقرأ وابحث وقد شدني جدا ما كتبه رفعت الجادرجي، بصدق وبنزاهة وامانة عن نصب الحرية ، تحدث عما انجزه هو وما انجزه وعانى منه جواد سليم بلا استعراض.. وجاءت شهادة لورنا سليم، زوجة جواد التي اوردتها انعام كجه جي في كتابها.. وذكر لي الفنان التشكيلي فيصل لعيبي بعد مشاهدته للفيلم واشادته الكبيرة به بان بلقيس شرارة، زوجة رفعت الجادرجي، اخبرته بان زوجها عندما زار جواد في المستشفى في ايطاليا وجده منهار نفسيا للغاية بسبب قلقه على النصب والبيروقراطية  في المعاملات التي اخرت التحويلات المالية وخشيته من عدم امكانية تنفيذ النصب.. كان يعيش محنة معقدة، عدم وصول المخصصات المالية للمصهر في فلورنسا، من جهة ومؤامرات خالد الرحال الذي لازم وزارة الدفاع لتحريض عبد الكريم قاسم بالضغط لوضع صورته في النصب ويعرض عليهم ان ينفذ هو بنفسه الصورة بدلا عن جواد".

جواد سليم امام نصب الحرية قبل اكتماله

وعن الفترة الزمنية التي استغرقتها لانجاز فيلمها"سمفونية البرونز"، اوضحت المخرجة وكاتبة السيناريو، ايمان خضير" انتاج الفيلم استغرق سنة ونصف السنة، والعمل لم يكن متواصلا اوانه سار باستمرارية. نحن بدانا منذ 18 شهرا بتصوير مشاهد المستشفى والمقهى، وفجأة ابلغتنا امانة العاصمة، الجهة المنتجة للفيلم، بالتوقف لاسباب تتعلق بالميزانية، حيث كان يفترض ان يعرض في احتفالية مرور 11 قرن لبناء بغداد.. وتوقف المشروع حتى عام 2024". موضحة بان :" فترة التحضير والبحوث والكتب الصادرة عنه واعماله كانت عملية متعبة جدا مثلا البحث عن كتاب الكاتب والناقد  جبرا ابراهيم جبرا (جواد سليم ونصب الحرية) الصادر عام 1974 عن وزارة الثقافة والاعلام باللغتين الانكليزية والعربية، الذي لم يعد متوفرا ولم يتم اعادة طبعه. واستطعت ان احصل عليه بشق الانفس عن طريق بعض الاصدقاء، كذلك كتاب الكاتبة انعام كجه جي عن زوجة جواد لورنا سليم  (لورنا.. سنواتها مع جواد سليم)، ومذكرات المعماري  رفعت الجادرجي، (غيبه الموت في لندن، في 10 نيسان عام  بسبب فايروس كورونا 2020)، والمعنون (شا رع طه وهمرسمث) الصادر عام 2017".

تستطرد المخرجة السينمائية إيمان خضير " لكن الصعوبة الحقيقية التي واجهتها هي محاولاتي للحصول على الملف الرسمي الذي يتضمن الميزانية المخصصة لانجاز النصب..اذكر هنا اني بعد السقوط في 2003 كنت اذهب باستمرار الى دار الكتب والوثائق وبالصدفة عثرت على ملف محفوظ بواسطة جهاز (المايكرو فيلم) وهو عبارة عن صور، وفوجئت بهذا النظام المنقرض، وعثرت على الميزانية التي خصصت لانجاز نصبي الجندي المجهول الذي انجزه الجادرجي  والحرية، واحتفظت بصورة الميزانية.. فيما بعد عندما احتجت لهذه المعلومات اكتشقت ان ضررا اصاب( الهارد)  الذي حفظت عليه المعلزمات، ثم عدت الى دار الوثائق والكتب للبحث عن الملف ثانية لكنهم اخبروني بان مثل هذا الملف غير موجود اصلا، لكنني اصريت على وجوده واخبرتهم باني سبق وات تقلت عنه معلومات مهمة ..وبعد تعقيدات ادارية وبيروقراطية وجدت الملف وصورته..نحن نفتقر الى التكنولوجيا الحديثة التي تمكننا من البحث عن معلومات او صور ارشيفية مهمة..واكتشفت ان ملفات الفترة الملكية فقط محولة الى مايكروفيلم".

قرات ايمان خضير، ومن اجل مصداقية المعلومات التي تتعلق بميزانية وتفاصيل نصب الحرية، وحسب ما ذكرته" عشرات الصفحات التي تتعلق بنصب الحرية لاني اردت ان اعرف الآلية التي كانوا يعملون بها ووجدت ان هناك عدد كبير من الوزارات والمؤسسات المشاركة في انجاز هذا النصب مثل وزارات ومؤسسات: الخارجية والمالية والدفاع ووزارة الارشاد(قبل ان تتحول الى وزارة الثقافة) والتربية والبعثات ومكتب عبد الكريم قاسم وامانة العاصمة.. كل هذه المؤسسات اشتركت من اجل ان يتم انجاز النصب في فلورنسا بايطاليا، وما يتعلق بالتحويلات المالية والموافقات، ولنا ان نتصور انه اذا حدث خطأ واحد في المخاطبات، ستعود الدورة من جديد من بغداد وصولا الى ايطاليا، وفهممت اسباب انهيار جواد سليم وتدهور حالته الصحية في ايطاليا والتي ادت فيما بعد الى وفاته قبل ان يرى النصب..بسبب هذه البيروقراطية ولانها تجربة جديدة بالنسبة للحكومة العراقية فالاول مرة يصير مثل هذا النصب بهذا الحجم وايضا بهذه التكلفة (200) الف دينار وقتذاك حيث كان الدينار يساوي 3 دولارات ونصف الدولار..انا اصريت على العثور على هذه الوثائق ومعرفة المبلغ الذي يعلن في الفيلم للمرة الاولى".

خلال تصوير مشاهد المتحف العراقي

ان مثل هذا الجهد الكبير لانجاز فيلم درامي وثائقي لا بد ان تواجهه عقبات ومصاعب كثيرة، لكن هذه العراقيل لم تدفع المخرجة ايمان خضير الى حافة اليأس او التراجع او اختصار بعض المراحل والتفاصيل المهمة، تقول:" تصور ان امانة العاصمة ارسلت مذكرات رسمية رسمية  وزارة الثقافة والسياحة والآثار لغرض تسهيل مهمتنا لتصوير بعض المشاهد في المتحف العراقي الذي كان جواد يعمل فيه مرمما للاثار، والوزارة حولتني الى المتحف، الذي مارست ادارته معي منتهى الصعوبات، حيث طالبوا باموال حتى يوافقون على التصوير، وتم منحهم الاموال، ثم مزقوا واخفوا كتاب موافقة الوزارة ثلاث مرات..وفوجئت بانهم لا يعرفون جواد سليم وسالوا من هذا جواد المنشغلين به؟ قلنا لهم الم تشاهدوا نصب الحرية؟ قالوا نعم، سالناهم هل تعرفون من انجزه قالوا لا..تصور موظفين يعملون في المتحف العراقي الذي كان جواد يعمل فيه ولا يعرفوه".

الصعوبة الثانية التي واجهتها ايضا، ان امانة العاصمة طلبت بمذكرة رسمية من شبكة الاعلام العراقية للتعاون معنا وتكليف مدير مكتبهم في روما لتصوير بعض اللقطات للمعهد الذي درس فيه جواد هناك، واستغرقنا في مراسلات مع مدير مكتبهم طوال 45 يوم وانا اتابع واتصل ولم يصوروا هذه اللقطات بحجة انه يحتاج موافقات اصولية هناك واقترحت عليه ان يصور هذه اللقطات بواسطة الموبايل باعتباره سائح مثلا، ولم يصورها وانا احتفظ بكل مراسلاتي معه.. هذه مؤسسات ثقافية رسمية كان يفترض ان تتعاون مع مشروع عراقي ثقافي ..ثم ياتي دور جمعية الفنانين التشكيليين التي اسسها جواد سليم، حيث كنت قد اقترحت عليهم انتاج الفيلم قبل ان اقدم مقترحي  لامانة العاصمة، لكنني فوجئت باعتذار رئيس الجمعية عن دعم المشروع لانني لسيت عضوة في الجمعية وانهم يدعمون اعضاء الجمعية فقط".

لقد بذلت كاتبة السيناريو والمخرجة السينمائية ايمان خضير جهد ابداعي استثنائي بروح عنيدة قاومت كل الصعاب من اجل تحقيق حلمها بانجاز هذا الفيلم عن جدارية الحرية. فهي زاوجت بين الدراما والوثيقة، وعن طريق ممثلين يقتربون كثيرا بالشبه من جواد سليم ورفعت الجادرجي، وهذه بحد ذاتها عملية صعبة، نعني ايجاد الشبيه، وتعمقت في دراسة تصرفات جواد سليم وعرض جانب من طفولته وشبابه.

أضهرت ايمان خضير اهامام جواد سليم بالمنحوتات العراقية القديمة واسلوبها وتفاصيل نحتها ليزاوج بينها وبين النحت المعاصر لابراز اسلوبه المتقفرد بهذا الجانب، كما استعانت بنقاد ادب وفنون تشكيلية، مثل: ياسين النصير، وجمال العتابي وعلي عبد الامير، وتلميذ جواد سليم الذي ساعده في فلورنسا النحات صادق ربيع الذي كانت شهادته مهمة للغاية واضافت المزيد من المصداقية للفيلم.

المخرجة وكاتبة السيناريو ايمان خضير قدمت وثيقة سينمائية فريدة من نوعها وبمعلوماتها وعلى مدى 84 دقيقة منحتنا خلالها جهدا معرفيا وفنيا يحتاج الوضع الثقافي العراقي وغير العراقي مثله، بل سيعتمد عليه الكثير من الباحثين كونه جهد اكاديمي متميز.

تقول ايمان خضير محتفية بانجازها: "ان عناصر عديدة شجعتني لانجاز هذا الفيلم، جواد سليم ورفعت الجادرجي وكونه يتناول بحثيا وفنيا قصة اكبر جدارية في العالم. كانت العملية متعبة جدا وبذلت جهودا استثنائية، لكنني سعيد لانني انجزت الفيلم".

 
   
 

أمير أمين

مرحبة ..تحية لإبنة الناصرية الاخت العزيزة ايمان خضير على جهدها الرائع الذي اتمنى ان اراه ويراه جميع ابناء العراق ..ثانياً كتب عن جواد سليم انه مات مبكراً بعمر 46 عاماً والصحيح هو 42 عام لأنه مولود عام 1919 ومات في عام 1961 ..أنا كتبت مقالاً في الحوار المتمدن عن نصب الحرية قبل 15 عام ممكن الاطلاع عليه للإستفادة وهو بعنوان ( نصب الحرية من أهم إنجازات ثورة 14 تموز ) تحياتي لكم




 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced