يتبرّع أحياناً موظفون في مؤسسة حكومية عراقية من أموالهم الخاصة للحفاظ على جانب من جوانب أدب الطفل الذي قلّما يصل إليه رذاذ من الموازنات الانفجارية.
بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921، صدرت مجلة “التلميذ العراقي” كأول مجلة مخصصة للأطفال في العراق، وكان من أبرز كتابها الشعراء معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي ومحمد رضا الشبيبي وعبد المحسن الكاظمي، والمؤرخ محمد بهجت الأثري.
مهدت المجلة للاهتمام بأدب الطفل وإصدار مطبوعات متخصصة فيه.
بعد ذلك ظهرت مجلة “الكشاف العراقي”، والتي كانت موجهة إلى الفتيان المنتسبين والمنتمين إلى مخيمات الكشافة، ثم ظهرت مجلات “الطلبة” و”الفتوة”، أعقبتها مجلة “دنيا الأطفال” التي كانت تصدر بموافقة وزارة المعارف سابقاً (وزارة الثقافة حالياً).
ثم توالت المطبوعات وازداد الاهتمام بأدب الطفل بشكل ملحوظ، حتى أن المطبوعات العراقية كانت جاذبة لأهم الكتّاب والصحفيين والرسامين في داخل العراق وخارجه ومن جنسيات متعددة.
ولادة دار
عام 1969 أنشئت دار ثقافة الأطفال ضمن تشكيلات وزارة الثقافة على يد مجموعة موهوبة من كُتّاب أدب الطفل مثل شفيق مهدي، ومن الفنانين التشكيليين مثل طالب مكي، وهي أول مؤسسة حكومية تُعنى بثقافة الطفل في العراق، كما أنها أحدثت تغييراً كبيراً في واقع أدب الطفل من خلال إصدارها مختلف المطبوعات وإقامتها مهرجانات ومؤتمرات خاصة بشؤون الطفل.
مجلة “مجلتي” وصحيفة “المزمار” كانتا من أبرز المطبوعات التي تطبعها الدار، وقد تحولت “المزمار” من صحيفة إلى مجلة في منتصف السبعينيات.
كانت الدار تطبع 250 ألف نسخة لكل عدد من هاتين المجلتين، فكانت الأكثر انتشاراً ورسوخاً في ذاكرة الأجيال العراقية التي واكبت سنوات انتشارها.
وتستهدف “مجلتي” الفئة العمرية من 9-12 عاماً، بينما تستهدف “المزمار” الأعمار من 12-18 عاماً.
د. علاء نجاح، وهو أستاذ إعلام في الجامعة العراقية، ما زال يتذكر المجلتين وشغفه بهما أيام طفولته.
يقول نجاح لـ”جمّار” إنه كان يطلق تسمية “الصغيرة” على “مجلتي” و”الكبيرة” على “المزمار”، استناداً إلى فرق حجم الورق بينهما، وأنه ما زال حتى اليوم يحتفظ بنسخ منهما.
“هاتان المجلتان شكلتا ثقافتي الأولية، فكنت أقرأهما أسبوعياً من الغلاف إلى الغلاف” يضيف.
وكان نجاح يتبادل مع أصدقائه المجلات وكتب القصص، فكان يحصل على الأعداد التي ليست بحوزته من الأصدقاء.
وأورث أبناءه وأبناء شقيقاته وأشقائه نسخاً من هاتين المجلتين، وقرأوهما بنهم.
كذلك تتذكر كوثر، من سكنة بغداد، كيف كانت لـ”مجلتي” و”المزمار” مكانة مميزة في طفولتها أيام التسعينيات عندما كانت التكنولوجيا محدودة التوغل في المجتمعات.
“كانت المجلات هي الأنيس الحقيقي للأطفال إلى جانب اللعب في زقاق الحي”، تقول لـ”جمّار”.
وتتذكر أن المعلمات كن يجلبن المجلات إلى المدرسة ويبعنها على التلاميذ، وكانت كوثر تدخر من مصروفها اليومي لتتمكن من شرائها.
وتشير إلى أنها اكتسبت خزيناً معرفياً بفضل المجلات التي غرزت في داخلها حب القراءة والاطلاع ومتعة البحث.
التوهج والغياب
كانت دار ثقافة الأطفال تطبع نحو 100 كتاب سنوياً في تخصصات متعددة تتنوع بين العلمية والثقافية والأدبية، مثل القواميس والموسوعات المعرفية وسلاسل “الكومكس” والكتب المترجمة.
وفي بعض الأحيان كان عدد النسخ يتجاوز 100 ألف نسخة في أغلب السنوات، وكانت بعض الصحف تصدر ملاحق أسبوعية خاصة بنشر المواد الموجهة للأطفال واليافعين.
كما حرصت الدار على تلبية اهتمامات جميع الفئات العمرية من الأطفال والبراعم وسنّ المدرسة والفتيان، فكانت تصدر السلسلة القصصية الإبداعية بموضوعات متنوعة، بالإضافة للإصدارات البحثية للكبار وأصحاب التخصص.
ومن أمثلة الكتب التي صدرت مؤخراً عن الدار هو كتاب “الألوان”، وهو نص مسرحي تعليمي، وقصص “أنا الملك” و”الفتى السومري”.
وكانت لدار ثقافة الأطفال فعاليات ونشاطات عديدة ومتنوعة، وسابقاً كانت الدار تنظم زيارات ميدانية إلى المدارس تقيم خلالها عروضاً مسرحية ضمن فعاليات المسرح الجوال، وتصل هذه الزيارات أيضاً إلى سجن الأحداث.
“كنا نقيم هذه العروض المسرحية داخل سجن الأحداث ونحاول إشراكهم وإعادة دمجهم مع المجتمع” تقول وجدان صالح، مديرة قسم التحرير في دار ثقافة الأطفال.
كما كان النزلاء في سجن الأحداث يتلقون دورات تدريبية في مجالات الرسم والموسيقى والتمثيل تستمر لمدة أسبوع.
وفي السنوات الأخيرة يمكن تلمس أثر تراجع أداء الدار بشكل كبير، إلى الحد الذي يُعتقد فيه أحياناً أنها غائبة عن المشهد الأدبي والثقافي.
لكن صالح تقول إن الدار مستمرة في نشاطاتها وإصداراتها، وأن “مجلتي” و”المزمار” لم تتوقفا عن الصدور منذ عام 1969 حتى الزمن الحالي.
وتضيف أن لدى الدار إصدارات أخرى مثل المسلسلات المصورة المتنوعة، القصصية والمسرحية والشعرية والمترجمة، والدراسات والبحوث الخاصة بثقافة الطفل، وأربعة أعداد تحمل عنوان “نشرتي” للفئة من 6 إلى 12 سنة، و”مدرستي” للفئة من 13 إلى 15 سنة.
وعلى الرغم مما تواجهه الدار من صعوبات مالية، إلا أن هناك نشاطات ومهرجانات محدودة الإمكانيات تقيمها أقسام العلاقات العامة والفنون الدرامية ومسرح الطفل وسينما الطفل، كما أن هناك معارض رسم تقام للأطفال وزيارات ميدانية للمدارس ودورات صيفية ومهرجان ربيع الأطفال الذي يقام سنوياً خلال العطلة الربيعية، بالإضافة لإقامة سفرات سياحية وتعليمية وفعاليات للطلبة المتفوقين، بحسب صالح.
وتنتج الدار ضمن قسم الفنون الدرامية عرضين مسرحيين سنوياً، وهو أقل مما كان ينتج في السابق عندما كان التمويل أفضل.
ومن النتاجات الحديثة للدار مسرحيات “الدمية” و”الظل” و”الفزاعة”.
“لدينا مسرح العرائس ومسرح الخيال وأيضاً الأفلام الكومكس من الرسوم المتحركة، كما أنتجنا عدداً من أغاني الأطفال” تقول صالح.
وتتعاون الدار مع مكتبات المؤسسات الحكومية بشكل محدود لتزويدها بمطبوعات أدب الطفل، إما بصيغة هدية عندما تتوافر الإمكانية لذلك أو بصيغة بيع.
5 بالمئة فقط
شح التمويل وسوء توزيعه وتأخره هو المشكلة الكبرى للدار، وفي بعض الأحيان يصل إلى درجة الانقطاع التام وعدم توفر رواتب الموظفين لأشهر عدة، أو تأخرها أياماً، ما يدفعهم إلى الإنفاق من أموالهم المدخرة لتغطية فعاليات ونشاطات الدار.
وبسبب هذا الوضع، يشعر الموظفون بالإحباط الكامل وفقدان الشغف بالعمل والإنجاز، كما أن ذلك يؤدي إلى تقصير كبير في عمليات الطباعة، ما يؤثر كثيراً على جودة المطبوعات وعددها.
ولا تستطيع إدارة الدار في أحيان كثيرة دفع مستحقات الرسامين والكتّاب بسبب عدم وجود تخصيص مالي أو تأخره.
“هناك موظفون تتراكم أجورهم لسنوات ولا يتم دفعها” تقول صالح.
وتشير إحصاءات إلى وجود 14 مليون طفل في العراق، بينما أعمال الدار حالياً لا تغطي أكثر من خمسة بالمئة من هذا العدد في أفضل الأحوال.
وتصف صالح هذا الواقع بأنه “مؤشر خطير على تراجع الإنتاج بشكل كبير في مجال أدب الطفل وفقر التغطية قياساً بأعداد الأطفال في العراق”.
تنتج دار ثقافة الأطفال بين ألف وألفي نسخة من كل عدد من “مجلتي” و”المزمار”، وفي عام 2023 طبعت 12 عدداً، لكنها في عام 2024 لم تستطع إصدار الأعداد نفسها.
وقد تمر أعوام تنخفض فيها الإصدارات إلى حد كبير، ففي عام 2016 طبع عدد واحد فقط بتبرع من الموظفين، وفي بعض الأعوام تُطبع أربع أو ست نسخ فقط من كل عدد.
يحدث هذا كله بعد أن كانت الدار تصدر 250 ألف مطبوع منوّع يغطي جميع مناطق العراق وحتى خارجه في العقود الأولى من تأسيسها.
كما أن عدد الصفحات سابقاً كان يتراوح 40 و160 صفحة، وكانت المطبوعات تصل إلى بعض المدارس من خلال زيارات المندوبين ويتم بيع المطبوع الواحد بـ250 ديناراً عراقياً وذلك قبل غزو العراق عام 2003، أما حالياً فالمطبوع يباع بـ500 دينار، بينما تكلفة طباعته تبلغ 1850 ديناراً.
كثرة تغلب النفع
في دار ثقافة الأطفال عدد ليس بالقليل من الموظفين الإداريين الذين يشكلون عبئاً أحياناً مع قلة الموارد المالية، يقابل ذلك عدد قليل من الأسماء المتخصصة بالجانب الإبداعي والفني.
ولا تمتلك الدار العدد الكافي من الكتّاب والرسامين الذين يستطيعون تغطية عدد الصفحات الأربعين لكل مجلة، ويقوم على تصميم المجلات موظف واحد ومنضد واحد ومصحح واحد، ما يضطر كل موظف إلى القيام بأكثر من مهمة بالإضافة إلى مسؤوليته عن الصفحات، فتضطر الدار للتعاون مع كتّاب ورسامين من خارجها لسد الحاجة.
وتوضح صالح أن الدار خسرت عدداً من الرسامين بسبب سوء الوضع المالي، حتى انتهى الأمر بوجود رسام واحد فقط.
كما أن الدار تواجه عدم الانسجام بين الكوادر الإدارية والكوادر الإبداعية، فالروتين الإداري لا يتناسب مع العمل الإبداعي.
“الدار بحاجة إلى التحرر من الروتين الإداري” تقول صالح.
من مظاهر الروتين الإداري أن أجور الكتّاب والرسامين، على الرغم من أنها غير منتظمة وغير مجزية، تتأخر حتى السنة التالية لإكمال إجراءات صرفها.
فرفع أسماء الكادر الإبداعي والفني إلى وزارة المالية يكون بعد إنجاز أعداد المطبوعات ووصولها إلى المخازن، وهذه العملية تكتمل مع نهاية السنة المالية، ما يؤجل صرف المستحقات إلى السنة التالية أو التي بعدها.
ولهذا السبب لم يتسلم الكتاب والرسامون مستحقات سنوات سابقة لعدم إصدار الموافقة من قبل وزارة المالية وتأخر الموازنة، وهذه المشكلة تتكرّر من دون حلول.
يضاف إلى ذلك، أن بعض الموظفين على ملاك الدار ينجزون أعمالاً إبداعية من المفترض أن يتلقوا أجوراً عنها فوق رواتبهم، لكنهم في أحيان كثيرة لا يتلقون هذه الأجور.
ويتم دفع الأجور وتحديد قدرها بحسب حجم المنجز الإبداعي الوارد تعريفه في لائحة موضوعة من قبل وزارة المالية.
انحسار المنافذ
كان لدار ثقافة الأطفال منافذ بيع عديدة، وكانت المجلات والكتب وجميع الإصدارات تُوزع في المكتبات وتكون في متناول يد العائلات وأطفالها، أما الآن فالمنافذ اقتصرت على مقر الدار نفسها الواقع قبالة متنزه الزوراء وسط بغداد، والمركز الثقافي للطفل العراقي (الفانوس السحري)، بالإضافة إلى معارض الكتب.
وتشير صالح إلى أن نتاجات الدار لا تصل إلى المكتبات حالياً، لأن المطبوعات لا تلبي الاحتياجات من ناحية العدد.
وفي وقت قريب، كانت للدار منافذ بيع داخل متنزه الزوراء وأيضاً في القشلة قرب شارع المتنبي وفي مكتبات عديدة، لكن جميع هذه المنافذ توقفت بسبب شح التمويل والكوادر.
ولعل تراجع أداء الدار مهّد الطريق أمام “منشورات مصابيح” لكتّاب الطفل، وهي دار نشر عراقية مستقلة نظمت جولات واسعة في بغداد لمشروع استهدف الأطفال من أجل إحياء روح الحكاية في دواخلهم وصناعة القصص في سنوات اتسمت بالفوضى والخوف بعد 2003.
رئيس ومؤسس الدار الشاعر والقاص قاسم سعودي، زار قرابة 80 مدرسة قبل تأسيس الدار حاملاً مشروعه “تعال نكتب في بغداد”، والذي قام من خلاله بتعليم الأطفال كتابة القصص ضمن ورش مجانية.
“بدأ الاهتمام عندما عرفت أن الكتابة للأطفال تفتح باب الملكوت على الأمل. لحظات من استنشاق كيس كبير جداً من الهواء وسط عاصفة من الطين والتراب الأحمر. هذا هو فعل الكتابة التنويري للطفل والذي يصعب الوصول إليه” يقول سعودي لـ”جمّار”.
تم تأسيس منشورات مصابيح لكتّاب الطفل عام 2019 في بغداد، وأصدرت حتى الآن نحو 70 كتاباً للأطفال والناشئة، تنوعت بين كتب القصص القصيرة والروايات والقصائد.
ولأنها دار مستقلة، تمتعت “مصابيح” بمساحة كبيرة من الحرية في ما يخص جوانب التفكير الإبداعي والتفاعل، كما توزع إصداراتها في كل محافظات العراق، بالإضافة لمشاركاتها في المعارض الدولية للكتب في عديد من الدول العربية.
التعاون ممنوع
تواجه دور النشر المستقلة تحديات يبدو أنها لا تختلف كثيراً عن تحديات المؤسسات الرسمية في العراق، فتبرز أمامها مشكلات الدعم المالي والتسويق والتفاعل المجتمعي والالتفات إلى ضرورة الاهتمام بأدب الطفل كأحد أهم أنواع الآداب.
وتطمح هذه الدور إلى توسيع رقعة إنتاجها وتنمية مجالات تعاونها مع المؤسسات، ولاسيما الحكومية منها، وعلى وجه الخصوص دار ثقافة الأطفال، لكن هذا ما يزال صعباً حتى الآن، ما يؤثر على عملية الإنتاج الإبداعي الموجه للطفل بشكل عام.
ويشعر أصحاب الدور المستقلة بوجود جميع الحواجز التي تقسم المشهد الإنتاجي الثقافي بين جهات عدة غير متعاونة في ما بينها بما يخدم أدب الطفل، كما أن هذه الدور لا تحظى حتى الآن بأي اهتمام حكومي ملموس على أرض الواقع.
“وزارة الثقافة ودار ثقافة الأطفال تعملان ضمن الإمكانات المحدودة كما نعرف، لذلك نحتاج إلى كثير من طاقة الإبداع والابتكار والدعم على صعيد المبادرات المتعلقة بالطفولة” يضيف سعودي.
ويقترح تنظيم معارض كتب خاصة بكتّاب الطفل ومؤتمرات وندوات ومختلف النشاطات الأخرى، وتفعيل مكتبات المدارس مجدداً.
وتعزو صالح عدم قدرة دار ثقافة الأطفال على التعاون مع دور النشر المستقلة والمؤسسات الثقافية الخاصة، إلى اختلاف التعليمات والضوابط والمحددات.
وتشير إلى وجود تعليمات وزارية لا يمكن تجاهلها، وهذه التعليمات تتضمّن الجهات المسموح بالتعاون معها، وهي غالباً ما تكون جهات حكومية أو دولية رسمية، لأسباب تتعلق بتدقيقات ديوان الرقابة المالية.
شح المحترفين
التقلبات في العراق وأوضاعه غير المستقرة والحروب والموت والفقر ألقت بظلالها على أدب الطفل وتسببت بتأخره كثيراً عن ذلك الموجود في البلدان العربية وبلدان العالم، من ناحية جودة المطبوعات ومحتواها، ورصانة سائر الفعاليات الأخرى.
ويلفت سعودي إلى أن أدب الطفل العراقي منذ نشأته “وهو يبدع ويثابر وينتج على الرغم من متواليات الحروب والحصارات والأزمات”.
ويضيف “المبدع العراقي حصل على جوائز وأضواء كثيرة محلياً وعربياً، لكن نحتاج إلى مواكبة العالم، ولاسيما أن دور النشر الخاصة بأدب الطفل في العراق لا تتعدى أصابع اليد الواحد، لكن لا بأس نحن نعمل وغيرنا يعمل ولن نتوقف”.
ما يُلاحظ في إصدارات دار ثقافة الأطفال هو عدم مواكبة المطبوعات مع ما يجري في العالم من تغيرات ترفع جودة النتاجات الأدبية الخاصة بالأطفال على مستويات مختلفة تشمل النص المكتوب واحترافيته وبعده عن الأنماط الكلاسيكية القديمة، بالإضافة إلى الرسوم وجودة الورق والأغلفة والألوان والإخراج.
كما يغيب الانفتاح على تجارب عربية وعالمية أو التعاون مع كتّاب ورسامين من خارج العراق، علاوة على غياب الإنتاج الرقمي الذي يعد ترفاً في ظل نقص التمويل وعدم كفايته لسد حاجة المطبوع الورقي.
الصفحة الرسمية لدار ثقافة الأطفال على الإنترنت أنجزت بشكل مجاني بتبرع من أحد الموظفين، وتعزو صالح ذلك إلى افتقار الدار للكوادر الفنية المحترفة بسبب ضعف التمويل ومحدوديته.
“بدأنا باستخدام الذكاء الاصطناعي في الرسوم في بعض الجوانب، لكن الخلل دائماً خارج عن إرادتنا، ولو حظيت الدار بدعم كاف لاستطاعت المنافسة” تقول لنا.
صعوبة الوصول
تتحدث أنفال عبد، وهي أم وباحثة اجتماعية، عن واقع أدب الطفل حالياً في العراق وعن اهتمام الآباء والأمهات بتغذية أطفالهم بالقصص والحكايات بالقول “أعتقد أنني الأم الوحيدة من بين صديقاتي التي تهتم بشراء القصص والمجلات لأطفالها”.
الاهتمامات باتت مختلفة كما ترى أنفال، وتتمنى أن تستطيع شراء “مجلتي” و”المزمار” لأطفالها، لكنها تواجه صعوبة في الوصول إلى أماكن بيعها وتجهل أين تقع.
وتقترح تنظيم حملات تسويق ونشر ومشاركة في فعاليات المدارس على سبيل المثال لهذه الإصدارات كي يسهل الوصول إليها.
كما تشدد على ضرورة إخراج أدب الطفل في العراق من نمطية الحكايات القديمة التي تتحدث عن الأميرة والفارس، ومحاولة كتابة القصص بطريقة حديثة تواكب ذكاء الأطفال في الزمن الراهن.
وإزاء تشبع الطفل العراقي بمصطلحات الحروب والعنف والحرمان، يتحدث سعودي عن بصيص أمل.
يقول إنه اكتشف من خلال الورش التدريبية أن الطفل العراقي “شجاع وذكي في إنتاج حكاياته الخاصة، على الرغم من أدوات الجذب الكبرى في قطار العولمة السريع وعوالمه التقنية والحياتية”.
لكنه يقر بوجود تقصير من ناحية تكثيف الجهود والمبادرات المجتمعية والتربوية والحكومية والأسرية لحماية الأطفال من القسوة وحملهم على نبذ العنف والكراهية.
ويؤشر سعودي غياب دور المدارس في تعزيز حب التلاميذ لأدب الطفل وحكاياته وعوالمه، وينتقد تجاهل دروس مثل التربية الفنية المهمة في تنمية مهارات التلاميذ الذهنية والإبداعية.
وفي هذه الأثناء، ينظر نجاح بارتياح إلى أطفاله وهم يطالعون مجلات الطفولة بدلاً من التسمر أمام شاشات الهواتف المحمولة، ويتمنى أن يحظى كل الأطفال بأنشطة ومطبوعات تقربهم من الواقع الحقيقي وتبعدهم عن الواقع الافتراضي للزمن الحديث.