عبوات أسطوانية ومربعة الشكل، تنتشر في مناطق الحرب، فضول الأطفال يحوم حولها، ولا يعلمون أنها قد تكون السبب في إنهاء حياتهم.
إنها "مخلفات الحروب" سواء في سوريا أو قطاع غزة أو لبنان، وصولا إلى دول أخرى تعاني من صراعات وحروب.
هذه المخلفات لا تختفي خطورتها بمجرد انتهاء الحرب أو وقف إطلاق النار، بل تمتد لما بعد المعارك، وقد يعتقد الأطفال أنها "خردة" حديد يلهون بها، أو قد تكون مدفونة تحت الأرض من دون معرفتهم، لتنفجر عند اقتراب أي شخص منها.
في سوريا قتل أكثر من 169 شخصا منذ بداية 2025، بينهم 31 طفلا وست نساء بمخلفات الحرب، فيما أصيب 205 أشخاص بجروح وحروق بينهم 88 طفلا وسيدة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وتشكل هذه المخلفات في سوريا تهديدا مع عودة العائلات إلى بلداتهم بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ووجود إدارة جديدة في دمشق تحث على عودة اللاجئين والنازحين.
وفي غزة، حيث ما زالت هدنة هشة تسكت صوت الحرب، تحذر منظمات من خطورة مخلفات الحرب خاصة مع انتشار الركام بعد دمار أكثر من 70 في المئة من المباني والبنية التحتية في غزة.
ويعتبر موضوع هذه المخلفات من القضايا الهامة التي تبحث عند الحديث عن إعادة إعمار غزة، والتي قد تتطلب سنوات طويلة لإزالة الركام.
وتعبر هذه المخلفات مشكلة لا تزال تهدد المدنيين، في العراق ولبنان وليبيا وأفغانستان وأذربيجان، والعديد من الدول التي شهدت صراعات لسنوات.
قنابل وذخائر بالجملة
تضم مخلفات الحرب "الذخائر المتفجرة بجميع أشكالها وأنواعها المتروكة أو غير المنفجرة التي تظل في منطقة معينة بعد انتهاء نزاع مسلح ما"، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وقد تكون على شكل "قذائف المدفعية والقنابل اليدوية وقذائف الهاون والقذائف الأخرى، والصواريخ" بسائر أبعادها.
وتفرق اللجنة بين "الذخائر غير المنفجرة" والتي تعتبر "أشد مخلفات الحرب القابلة للانفجار خطورة" وهي تلك التي أطلقت أو ألقيت لكنها لم تنفجر على النحو المنشود، خاصة وأنها قد تنفجر في حالات كثيرة عند "لمسها أو تحريكها".
وبين "الذخائر المتفجرة المتروكة" التي تركت أثناء النزاعات في مواقع غير آمنة من دون حراسة، والتي قد تعبر عن مستودعات الأسلحة والذخائر.
وفي سوريا تشير التقديرات إلى وجود مخلفات الحرب المدمرة بما في ذلك حوالي 320 ألف ذخيرة غير منفجرة، والتي تشكل خطرا يؤثر على خمسة ملايين طفل يعيشون في مناطق شديدة الخطورة تنتشر فيها الذخائر غير المنفجرة والألغام المضادة للأفراد، على ما أكد ريكاردو بيرس مدير التواصل لحالات الطوارئ لدى يونيسف منتصف يناير الماضي.
وأضاف "ان ذلك السبب الرئيسي لوفيات الأطفال في سوريا حاليا ومنذ سنوات".
وأوضح أنه خلال السنوات التسع الماضية تم تسجيل ما لا يقل عن 422 ألف حادثة تتعلق بالذخائر غير المنفجرة في 14 محافظة في عموم البلاد "وأسفر نصفها عن خسائر فادحة يبن الأطفال".
وفي غزة، كان معضلة مخلفات الحرب مشكلة سابقة، فاقمتها الحرب الأخيرة التي استمرت 15 شهرا، وبعد تحقيق دام عدة أسابيع، الذخائر المتفجرة، سواء انفجرت أم لا، موجودة في العديد من المناطق المأهولة بالسكان في غزة، على ما أكد مجلس اللاجئين الدنماركي في نوفمبر الماضي.
وقال المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، جورجي مورييرا دا سيلفا الأحد الماضي، إن منطقة الشرق الأوسط تمر بلحظة حاسمة في ظل قيادة جديدة في لبنان، ونظام جديد في سوريا، ووقف إطلاق النار في غزة.
وأشار إلى أن إزالة الكميات الهائلة من الركام والحطام في غزة هي المهمة الأكثر إلحاحا الآن، بعد جهود إنقاذ الأرواح، خاصة مع وجود نفايات خطرة وذخائر غير منفجرة بينها.
وأكد دا سيلفا أن إعادة الإعمار في هذه الدول يتطلب إزالة التهديدات الناجمة عن المتفجرات غير المنفجرة.
وقال "للأسف، نحن نواجه في العديد من هذه المناطق مستويات مرتفعة من الذخائر غير المنفجرة، سواء في لبنان أو سوريا أو غزة. لذا، من الضروري عند التحضير لإعادة الإعمار والتعافي على المدى الطويل، حشد جميع الجهود اللازمة لإزالة الألغام".
وتحدث عن دور الأمم المتحدة في دعم جهود إزالة الألغام في البلاد، وكذلك القيام بإعادة تأهيل المناطق المتأثرة بانفجار مرفأ بيروت عام 2020.
وأشار إلى أنه على مدى السنوات الـ 25 الماضية، لعب مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع دورا رئيسيا في إزالة الألغام بموجب ولاية "أونماس".
وسيكون هذا "أمرا حاسما لإزالة كل الركام في غزة. وفي سوريا ولبنان. فانتشار الذخائر غير المنفجرة كبير للغاية. لقد فعلنا ذلك في مالي ونفعل ذلك في أوكرانيا".
ومع انتشار هذا الخطر في مناطق تهدد المدنيين، فمن يتحمل مسؤولية إزالتها؟
يضع بروتوكول دولي إزالة مخلفات الحرب والتخلص منها وتدميرها، ضمن الأولويات بعد توقع أي نزاع مسلح.
ويوجب "البروتوكول الدولي بشأن المتفجرات من مخلفات الحرب" الذي أبرم، في عام 2003، على أطراف أي نزاع مسلح اتخاذ تدابير ملموسة للحد من أخطارها.
ويعد هذا الاتفاق الدولي "أداة أساسية للجهود المبذولة للحد من مما ينجم عن الحروب الحديثة من وفيات وإصابات في صفوف المدنيين"، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ويحمل الاتفاق الدولي كل طرف في الحرب مسؤولية "مخلفات الحرب في الإقليم التابع لسيطرته"، وتدعوهم لتقديم "مساعدات تقنية ومالية ومادية وفنية" أو السماح لطرف ثالث مثل المنظمات التابعة للأمم المتحدة أو غيرها بتحديد مناطق مخلفات الحرب وإزالتها والتخلص منها.
ولكن بعض البروتوكولات الدولية لا تشمل الألغام الأرضية أو العبوات الناسفة الخداعية، ولكنها تشمل بقية الذخائر بما في ذلك الذخائر العنقودية.
ووضع الاتفاق الدولي حزمة من الإجراءات بعد توقف أعمال القتال الفعلية، والتي تتضمن:
- توعية المدنيين بأخطار مخلفات الحرب للابتعاد عنها.
- استقصاء وتقدير خطر مخلفات الحرب، وتسجيل أنواع الذخائر وأماكنها، وتحديد المناطق التي قد تكون مفخخة بالألغام.
- تقدير الاحتياجات وترتيبها حسب الأولوية لتحديد المناطق التي تتواجد فيها المخلفات والتخلص منها.
- وضع علامات لتحديد المتفجرات من مخلفات الحرب.
- اتخاذ خطوات لتعبئة الموارد لتنفيذ خطة التخلص من مخلفات الحرب.
- يمكن للدول طلب التعاون مع منظمات دولية معنية في هذا الشأن، إذ يمكن حصولهم على مساعدات فنية ومادية في هذا الإطار، مع توفير الحماية لهم.
ومع استمرار وقف إطلاق النار في غزة، وعودة العديد من النازحين إلى مناطقهم، يحذر الهلال الأحمر الفلسطيني من خطورة مخلفات الحرب هناك.
ومع شح المساعدات الإنسانية، يشير تقرير لمجلس اللاجئين الدنماركي إلى أن سكان غزة يفتقرون إلى كل شيء، وخلال بحثهم عن "الضروريات الأساسية بين الأنقاض" يمكن أن يكونوا عرضة لهذه الأسلحة.
وقال رئيس قسم إدارة ودعم البرامج في دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام "أونماس"، تاكوتو كوبو في نوفمبر الماضي إنه تم إجراء 379 تقييما لمخاطر المتفجرات في غزة.
وقال في نوفمبر الماضي إن الجهود تتركز في غزة على التوعية بمخاطر الذخائر ووضع علامات لتحذير المدنيين.
وأشار كوبو إلى أن خبراء "أونماس" يجرون تقييما للمناطق التي يشتبه في وجود مخاطر فيها للتأكد مما إذا كانت آمنة للاستخدام في العمل الإنساني، ولا يمكن في ظل الظروف الأمنية التخلص من أي عناصر من الذخائر المتفجرة أو تدميرها.
وأكد على أهمية تدابير التخفيف الأساسية على التوعية بالمخاطر ووضع علامات على المناطق لإبلاغ المدنيين بالتهديدات المحتملة.
وحدد مجموعة من التحديات التي تواجههم في الاستجابة لمخلفات الحرب في غزة، والتي تضم: تقييد الحصول على معدات الحماية الشخصية، والقيود على إدخال معدات البحث عن الذخائر المتفجرة، وانقطاع التيار الكهربائي والاتصالات وهو ما يقيد من إجراء اتصالات بشكل فاعل.
ومع تزايد الأمل بعودة النازحين واللاجئين في مناطق الصراعات إلى بيوتهم، تبقى هذه المخلفات تشكل خطرا يعكر صفو الهدوء الذي يعيشونه، وهو ما يحتاج إلى دعم دولي لتطهير مناطق النزاعات من هذه القنابل الموقوتة.
معاذ فريحات