يشهد العراق تصاعدًا في جرائم الاتجار بالبشر، حيث يتم استغلال الفئات الضعيفة في العمل القسري، والتسول، والاتجار بالأعضاء. وعادة ما يكون كثيرٌ من المعوقين والمشردين والفقراء ضحية لهذه الظاهرة، بسبب الاهمال الحكومي وسوء التدبير والظروف الاقتصادية الصعبة.
ويعرّف القانون العراقي الاتجار بالبشر بأنه أي استغلال يتم عبر التهديد أو الاحتيال أو القسر، ويشمل البيع، والعمل القسري، والتسول، والمتاجرة بالأعضاء، مع فرض عقوبات مشددة على المتورطين.
وتواجه الجهود الأمنية والتشريعية في اطار مكافحة هذه الجريمة انتقادات مستمرة، ما يستدعي تعزيز العقوبات والتنسيق الأمني.
المتسولون يتكاثرون
وصرّح مسؤول الإعلام في مفوضية حقوق الإنسان، سرمد البياتي، بأن "الظواهر الإنسانية مثل الاتجار بالبشر تعتبر من أبرز القضايا التي تشغل السلطات الأمنية والقضائية في العراق، حيث إن العديد من الجرائم المرتبطة بها تترك آثاراً سلبية على الأسر والمجتمع. هذه الظاهرة تتفاقم في البلدان التي تمر بأزمات وحروب، أو في دول الجوار التي تعاني من مشاكل مشابهة، ما ينعكس على العراق بشكل مباشر".
وأوضح البياتي، أن "عدد المتسولين في الشوارع يتزايد. ويتراوح هؤلاء بين جنسيات عراقية وأجنبية، نتيجة للنزوح والهرب من دول تعاني من الحروب والظروف القاسية. هذه الظاهرة لها تأثيرات سلبية كبيرة على المجتمع، حيث تخلق بيئة غير حضارية، تسهم في انتشار جرائم أكبر مثل الاتجار بالمخدرات أو تجارة الأعضاء البشرية".
وأشار إلى الجهود التي تبذلها وزارة الداخلية لمكافحة هذه الظاهرة، بما في ذلك إجراءات مشددة في المطارات ومنافذ الحدود لمنع تهريب البشر والحد من انتشار الاتجار به. وأكد أن "الوزارة تعمل على تكثيف الجهود الأمنية، بالإضافة إلى تشكيل لجان لمتابعة هذه القضايا".
وأضاف البياتي: "من المهم أن تتم توعية المواطنين بضرورة الإبلاغ عن حالات الاتجار بالبشر أو أي نشاطات مشبوهة، خاصة في ما يتعلق بالبيع أو التبرع بالأعضاء البشرية. يجب أن تكون هناك قوانين صارمة تحكم هذا الموضوع".
وأشار إلى أن المفوضية تواصل متابعة هذه القضايا وتوثيقها بالتعاون مع وزارة الداخلية، مع التأكيد على أهمية التنسيق المستمر بين الجهات الحكومية، لتحقيق أفضل النتائج في مكافحة الاتجار بالبشر.
تهديد خطير للفئات الهشة
يقول عمر العلواني، من منظمة حق لحقوق الإنسان، إن الاتجار بالبشر في العراق يشكل تهديدًا خطيرًا للفئات الضعيفة والمهمشة في المجتمع"، مشيرًا إلى أن "ذوي الإعاقة هم من أكثر الفئات التي تتعرض لهذا النوع من الاستغلال".
العلواني يؤكد لـ "طريق الشعب"، أن "هذا الاستغلال غالبًا ما يكون في “البيئة المغلقة”، مثل الأسرة التي تستغل أبناءها ذوي الإعاقة في أعمال قسرية، أو ضمن عمليات تهريب الأعضاء البشرية".
وقال ان "الفئات الضعيفة في المجتمع، مثل ذوي الإعاقة، هم من أبرز ضحايا هذه الجرائم، خاصة في ما يتعلق بالاتجار بالأعضاء البشرية أو العمل القسري ضمن أسر مغلقة"، مؤكدًا أن "الأطفال والنساء، خاصة الأرامل والمطلقات أو من ينتمين إلى عائلات فقيرة، يعتبرون أيضًا من أبرز الضحايا لهذه الظاهرة".
وتابع العلواني، أن الاتجار بالبشر في العراق ليس محصورًا في تجارة الأعضاء، بل يشمل أيضًا استغلال العمالة الأجنبية، حيث يتعرض هؤلاء العاملون لممارسات استغلالية تشمل احتجاز جوازات سفرهم من قبل أصحاب العمل.
وبيّن، أن هذا يشكل جزءًا من عمليات بيع وشراء غير قانونية للعمال، حيث يتم إجبارهم على العمل في ظروف قاسية دون حقوق أو حماية قانونية.
وزاد العلواني، أن عمليات بيع الأعضاء البشرية قد بدأت تتخذ شكلًا أكثر تنظيمًا، حيث ظهرت مجموعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل (تليغرام وفيسبوك)، تُستخدم لتسويق الأعضاء البشرية، مضيفا أن "هذه العمليات تتم في بعض الأحيان في بعض المناطق شمال البلاد كالسليمانية، حيث تنخفض الرقابة على مثل هذه الأنشطة".
وفيما يتعلق بجهود الحكومة لمكافحة الاتجار بالبشر، أوضح العلواني أن هناك قسمًا خاصًا بمكافحة الاتجار بالبشر في وزارة الداخلية، لكنه فعاليته "محدودة بسبب ضعف الوعي الاجتماعي بالظاهرة، ونقص التنسيق مع مختلف الجهات".
وأكد، أن هناك حاجة لتحسين أداء هذا القسم، وزيادة التعاون مع المجتمع المدني لتعزيز جهود مكافحة هذه الظاهرة.
واختتم العلواني بالقول: "نحن بحاجة إلى إجراءات قانونية أكثر فعالية ووعي اجتماعي أكبر لمكافحة هذه الظاهرة. يجب أن نركز على تشديد الرقابة على جميع أشكال الاتجار بالبشر، سواء كانت تجارة الأعضاء أو الاستغلال القسري للعمال والنساء والأطفال".
اعتراف بجهد حكومي
يقول رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان فاضل الغراوي أن "الحكومة العراقية كثفت جهودها لحماية ضحايا الاتجار بالبشر حيث تمكنت لجان الاتجار بالبشر التابعة للحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان من التعرف على 158 ضحية توزعت بين 38 ضحية من ضحايا الاتجار الجنسي و17 ضحية من ضحايا العمل القسري بينهم طفلان و26 ضحية تعرضوا لاستغلال غير محدد، شمل اثنين من الذكور البالغين وسبعاً من الإناث البالغات، و17 طفلاً إضافة إلى 77 ضحية من ضحايا الاتجار بالبشر في إقليم كردستان".
ويضيف الغراوي في لـ "طريق الشعب"، أن "الحكومة العراقية أحالت 27 ضحية إلى ملجأ ضحايا الاتجار الذي تديره وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في بغداد، كما أحالت 35 ضحية من الأجانب إلى منظمة غير حكومية لتوفير المأوى لهم، بينما تم توجيه بقية الضحايا إلى مرافق الرعاية الصحية أو السماح لهم بالإقامة مع أسرهم. وفي إقليم كردستان تم التعرف على 77 ضحية، بينهم 34 من ضحايا الاتجار بالعمالة 32 أنثى واثنان من الذكور، و43 من الرعايا الأجانب تعرضوا لاستغلال غير محدد، حيث تمت إحالة 72 ضحية إلى خدمات الحماية".
ويشير الى أن "عدد المعتقلين في جرائم الاتجار بالبشر خلال عام 2023 بلغ 636 شخصًا، بينما بلغ عدد المعتقلين خلال عام 2022 نحو 129 شخصًا بينهم 119 بتهمة الاتجار بالجنس، و10 بتهمة العمل القسري، كما أجرت وحدة مكافحة الاتجار بوزارة الداخلية عام 2021 تحقيقات مع 183 شخصًا بينهم 169 بتهمة الاتجار بالجنس و14 بتهمة العمل القسري".
ويواصل الغراوي، أن القضاء العراقي أصدر أحكامًا ضد 184 شخصًا خلال عام 2023 بموجب قانون مكافحة الاتجار بالبشر لعام 2012 شملت 163 شخصًا بتهمة الاتجار بالجنس، و21 شخصًا بتهمة الاتجار بالعمالة. كما حكمت محاكم إقليم كردستان على 12 شخصًا بتهمة الاتجار بالجنس.
واختتم الغراوي حديثه مطالبا الحكومة والبرلمان بتعديل قانون مكافحة الاتجار بالبشر، وتشديد العقوبات على المتاجرين، مع زيادة عدد دُوُر الحماية في جميع المحافظات، وتعزيز نظام البلاغات والإحالة لضمان التعرف المبكر على الضحايا، ودعا إلى تعديل قانون حماية الشهود لتعزيز أطر الحماية للمبلغين عن جرائم الاتجار بالبشر، وإطلاق حملة إعلامية للتوعية بمخاطر هذه الجريمة. كما دعا القوات الأمنية إلى تعزيز الشراكات الاستخباراتية وضبط الحدود مع دول الجوار، وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة هذه الظاهرة.