لمناسبة يوم المرأة العالمي، وبرعاية وزير الثقافة غسان سلامة، دعا الصالون الأدبي والثقافي لكازينو لبنان الى استضافة "قصيدة الغناء" جاهدة وهبه للاحتفاء بصوتٍ لم يغب (ام كلثوم في خمسين غيابها)، وبأصوات نسائية خالدة صنعت تاريخ الأغنية بحناجر من ذهب. وكانت وهبة قدمت اخيرا عملها الجديد، من كلمات ادونيس ومن الحانها.
جاهدة وهبه تضيء قصيدة أدونيس بالألحان وتحيي اليوم العالمي للمرأة في كازينو لبنان
لمناسبة يوم المرأة العالمي، وبرعاية وزير الثقافة غسان سلامة، دعا الصالون الأدبي والثقافي لكازينو لبنان الى استضافة "قصيدة الغناء" جاهدة وهبه للاحتفاء بصوتٍ لم يغب (ام كلثوم في خمسين غيابها)، وبأصوات نسائية خالدة صنعت تاريخ الأغنية بحناجر من ذهب. وكانت وهبة قدمت اخيرا عملها الجديد، من كلمات ادونيس ومن الحانها.
عمار مروة
جاهدة وهبه فنانة متعددة المواهب والقدرات. تدخل إلى عالم الموسيقى بصوتها وألحانها مقتدرة، لتُلحن لثقافة النور قصائد ونصوصًا بعينها تختارها بروح لا تساوم على الالتزام بالقيم التي تمجد الإنسان والحرية والتوق إلى الجمال.
لديها، بهذا المعنى والصدد، قدرة ثقافية مُقنعة بألحانها الشرقية قبل صوتها (وربما أحيانًا العكس)، لتشرح بهما لجمهور عربي وعالمي عريض وواسع حقيقة الصراع الذي يخوضه الإنسان ضد الفقر والجهل والتمييز والظلام. تصل بأفكارها للمتعبين من ثقل الواقع المُتهالك بالهموم والهزائم، تصلهم مكللة بجدوى الفن وضرورته في الحياة العربية.
تصل إلى جمهورها الواسع بألحانها وصوتها وفكرها الفني بسهولة نسبية. تعمّم فيهم ضرورة الاستمرار في إنجاز مشروع الحداثة المنطلقة من لغة لحنية شرق-عربية ممتلئة موسيقيًا بأجواء الطرب، الذي يتوسل نزعة روحانية تصوفية واضحة لا تخطئها الأذن.
في هذا العمل الجديد، تحاكي السيدة جاهدة وهبه بألحانها قصيدة الشاعر والمفكر العربي العملاق أدونيس، ومعها كل من الفنانين المقتدرين في عالم التأليف والتوزيع الموسيقي، الأخوين عياد وساري خليفة، ليؤديا معها بالتوزيع تفاصيل عزف وغناء هذا العمل الموسيقي الرائع.
منذ اللحظة الأولى، يبرز في هذا العمل احترافية عالية في فن التلحين والتوزيع كما العلو في التنفيذ عزفًا وغناءً!
تتصدّر الروح الطربية طبيعة العمل ببذخ فني شاهق! بذخ يزدهر بتصاعدية مزدوجة غناءً وعزفًا ليعلو العمل في كل تفاصيله الموسيقية.
لا بد من التنويه بعد فخامة الصوت بقدرات الأخوين خليفة، المترعة بالترف والفخامة، التي ساهمت بإيصال العمل ببلاغة فنية تتصل بروح الكمال.
لعلها الروح الجماعية التي تدفع إلى مثالية التنفيذ، وتصل من باب التنافس، حيث كل فرد يريد أن يعطي أجمل ما عنده.
تنحاز ألحان جاهدة في هذا العمل، كعادتها، بوعي فني يعرف كيف يمسك بتلابيب الطرب بأسلوب مُعقلن يحمل بصمة شخصية خاصة. تشتهر هذه البصمة بسماحة فنية فيها لهجة أو accent طربية شرق-عربية منفتحة.
نزعة طربية مُعقلنة أسست منذ بدايات أعمالها لروح فنية آخذة في التبلور ببصمة طربية تسكن تقنيات التوزيع الأوركسترالي الغربي، التي تناسب المحلية الشرق-عربية بلا أي عقدة نقص أو استسهال لمناهج مدرسية لا هم لها إلا استنساخ مفهوم copy-paste الذي يطغى على الأعمال الغنائية الدارجة (stereotype)، والتي تفتقد لروح المتعة الطربية الأصيلة التي اشتهرت بها أعمال السيدة جاهدة وهبه ببذخ وعلو شاهقين.
لجاهدة الكثير من الأعمال المتنوعة الزاخرة بروح المتعة الطربية، التي تخرج من صميم روح المقامات العربية، فتدخل العقل الموسيقي من باب المقام الطربي، تاركة في القلب حلاوة تلامس الروح وتبقى تتردد فيه لأطول فترة ممكنة، تكفي لإخراجه من نخبويّة الانغلاق على جمهور واحد فقط "نخبة ثقافية".
لعل جاهدة، بثقافتها الواسعة والتزامها بروح المقام والطرب، تتابع، سواء بقصد أو بدون قصد، العمل على تطوير مشروع الحداثة الفنية المؤنسنة، التي ترتفع فوق الجراح.
مشروع تعرف جاهدة، بقصد أو بدون قصد، كيف تخرج متحررة من مطبّاته المونوتونية، متسلحة بهويتها وأخلاقها وحرفيتها وثقافتها الموسيقية والفكرية التحررية، التي تبتعد عن الانعزال بقدر ما تقارب النخبوية الفنية من أبوابها الشعبية والوطنية.
هذا يأخذنا أيضًا إلى ذكائها الفني في مقارعة الهبوط الفني، والابتعاد في نفس الوقت عن مأزق مفهوم الالتزام الفني إنسانيًا بعيدًا عن التصنع بمقاربة الفن باللعب بمفهوم سياسي يتعامل بالفن ثقافيًا بين يمين فني غبي وهابط ويسار انتهازي متأرجح في ضفتي الفن.
تخرج جاهدة بشفافية فنية سليمة، ببراءة إلى عالمية النور بلا أي خوف أو وجل أو تردد أو تهيب.
لعلها، بقدراتها وفهمها، الفنانة العربية الوحيدة المُعبّرة عن تطلعات جيل فني يقف بثبات على أرض متمردة على إغراءات السهولة خارج هذا الانحراف الفني الضارب في إسفاف وهبوط ساحة الفن العربي.
هي إذن وجه نسائي عربي متعدد القدرات والمواهب، تقف منذ بداياتها بعلو وثبات واحتراف كشخصية نسائية لا متنازلة، وتفرض نفسها على عالم احتكر فيه الرجل مجال الفن والتلحين الموسيقي المتطور، ليستمر ضمن لعبة إغراءات ما بين السياسة والفكر والفن، حيث تسلطت فيه بعض النساء كشاهدات بصوتهن فقط كمغنيات أو مطربات.