يؤكد علماء الآثار أن الري اخترع لأول مرة في بلاد ما بين النهرين القديمة، ما منح الحياة لأقدم الحضارات. وفي هذا السياق، أعلن باحثون عراقيون من جامعة القادسية عن اكتشافهم شبكة قنوات ري قديمة يُعتقد أنها استخدمت من قبل سكان مدينة إريدو في جنوب العراق.
تأسست إريدو حوالي عام 5400 قبل الميلاد، وتعد واحدة من أقدم المراكز الحضرية المعروفة، إذ اعتبرها السومريون القدماء أول مدينة في العالم. ويعود هذا الاكتشاف إلى فريق مشترك من الباحثين من جامعات القادسية ونيوكاسل ودورهام، الذين عملوا على دراسة الموقع لتحديد أهمية هذه القنوات في تاريخ أنظمة الري القديمة.
قال علي الغانم، عالم الآثار وطالب الماجستير في جامعة القادسية: "عملنا على اكتشاف قنوات الري التابعة لمدينة إريدو، والتي يبلغ عددها 4200 قناة، منها 200 قناة رئيسية و4000 قناة فرعية متصلة بالقنوات الرئيسية. كانت هذه القنوات تستمد مياهها من نهر الفرات القديم، ما وفر للمدينة وحقولها الزراعية مصدراً مستداماً للمياه."
من جانبه، أوضح جعفر الجوثري، الأستاذ في قسم الآثار بجامعة القادسية وقائد فريق البحث، أن هذه الشبكة المائية المكتشفة قد تكون من أقدم أنظمة الري في المنطقة، حيث قال: "وجدنا أن شبكات الري هذه قديمة جداً، وربما تعود إلى العصر البابلي وحتى الألف الأول قبل الميلاد. لذا، فهي اكتشاف مهم للغاية، وهذه هي المرة الأولى في جنوب العراق التي نعثر فيها على نظام ري بهذه الروعة."
وأضاف الجوثري أن الباحثين كانوا على علم بوجود هذه القنوات من خلال الألواح المسمارية، لكنه أكد: "كنا نعرف هذه المعلومات من خلال الألواح المسمارية، فقد وثّقها القدماء بالفعل، ولكن هذه هي المرة الأولى التي نراها على أرض الواقع."
أما أوغستا ماكماهون، الأستاذة في جامعة شيكاغو، فقد شددت على أهمية أنظمة الري في بلاد ما بين النهرين قديماً وحديثاً، قائلة: "نحن مهتمون بمعرفة المزيد عن الآثار خارج المواقع الرئيسية في بلاد ما بين النهرين، وخاصة أنظمة الري. يعمل زميلنا جعفر حول إريدو، وهي مدينة أخرى مهمة للغاية جنوب محافظة ذي قار، وقد كشف عن نظام ري مذهل هناك. العراق كان - ولا يزال - يعتمد على الري بسبب محدودية معدلات هطول الأمطار، لذا، فإن هذا النظام له أهمية استثنائية، وهو أول نظام ري تم ابتكاره في العالم."
في ظل أهمية هذا الاكتشاف، دعا علي الغانم الجهات المختصة إلى ضرورة حماية هذه القنوات من العبث والتخريب، مؤكداً: "نطالب الجهات المعنية بتسييج هذه القنوات المائية، لأن أهميتها لا تقل عن أهمية مدينة إريدو نفسها، فهي جزء من تراث المدينة، ولذلك يجب إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي."
تم نشر نتائج البحث في شباط عبر مطبعة جامعة كامبريدج، التي أصدرت الدراسة نيابة عن مجلة Antiquity Publications المتخصصة في علم الآثار.
ورغم أهمية الاكتشاف، لا يزال الموقع بحاجة إلى المزيد من البحث والتنقيب، إذ لم يتم الكشف عن جميع تفاصيل القنوات بعد. ومع ذلك، قام فريق البحث بتغطية بعض أجزاء القنوات للحفاظ عليها من التآكل والتدهور.