تعاني المنتديات الشبابية في العراق من واقع مترد، يعود في جذوره إلى تهالك البُنية التحتية وتقادم أغلب المنشآت التي يعود تاريخ تشييدها إلى عقود مضت. وعلى الرغم من وجود مبادرات حكومية لإعادة تأهيل هذه المنشآت، إلا أن غياب التمويل الكافي والتنسيق الفعّال مع الإدارات المحلية لا يزال يشكل عائقاً أمام تحقيق الأهداف المرجوة. اذ تحولت العديد من المنتديات إلى مبانٍ تفتقر إلى مقومات استقطاب الشباب أو تنفيذ أي برامج فاعلة، وسط مخاوف من توجهات لخصخصتها أو إحالتها إلى الاستثمار، ما يُهدد بتحريف دورها الأساسي كمراكز لتطوير المهارات ودعم المبادرات الشبابية.
وفي المقابل، هناك جهود حكومية تسعى إلى إعادة إحياء هذه المنتديات عبر خطط وبرامج تدريبية، بالإضافة إلى إطلاق مسابقات ومبادرات لدعم مشاريع الشباب وتمكينهم على المستوى الوطني.
مؤسسات غير مؤهلة
وذكر مستشار رئيس الوزراء، قاسم الظالمي، في وقت سابق، أن أغلب المؤسسات الشبابية في البلاد قديمة وغير مؤهلة، مؤكداً وجود تنسيق مع الجهات المعنية لإعادة تأهيل تلك المؤسسات. وقال الظالمي: "إن حملة تأهيل المنشآت الشبابية، التي أُطلقت بقرار من المجلس الأعلى للشباب برئاسة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وبمشاركة ستة وزراء يمثلون اللجان القطاعية المسؤولة عن أغلب هذه الهيئات، جاءت بهدف معالجة تردّي واقع هذه المنشآت".
وأضاف ان "العديد من هذه الهيئات والمؤسسات التي أُعيدت إلى إشراف المحافظات لم تشهد أي تطور يُذكر، وبعضها يعاني من تقادم كبير في بنيته التحتية ويحتاج إلى إعادة تأهيل وتجهيز شامل".
وأشار الظالمي إلى أن "أغلب الشباب يعانون من غياب منتديات ومؤسسات شبابية تستقطبهم في محافظاتهم، فيما أن القليل الموجود منها عبارة عن مبانٍ قديمة تفتقر إلى أدنى متطلبات النشاط الشبابي"، مستدركاً: "بعد إجراء زيارات ميدانية، تبيّن لنا أن هذه المؤسسات غير مؤهلة لاستقبال الشباب أو ممارسة أي برامج فاعلة تخدمهم".
يذكر أن سكرتارية المجلس الأعلى للشباب أعلنت عن الموافقة على قيـام المحافظـات كـافـة بإطـلاق حملـة لتأهيل المنشآت الشبابية، مـن أجـل فـتح المجـال للمنظمات والفـرق الشبابية في إقامـة أنشـطتهم ومبـادراتهم بمـا يـخـدم الشباب وبإشراف المجلس الأعلى، استناداً للفقـرة 4 مـن قـرار مجلـس الـوزراء (23465) لسنة (2023).
مسؤولية مجالس المحافظات
وقال المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة، حسام حسن، إن "المنتديات الشبابية لم تعد تحت مسؤولية وزارة الشباب والرياضة منذ عام 2018، وأصبحت تابعة لمجالس المحافظات، أي أن كل محافظة مسؤولة عن منتدياتها".
وأشار في حديث خص به "طريق الشعب" إلى وجود توجيه صدر من قبل رئيس الوزراء يقضي بتفقد المنتديات واحتياجاتها، ما أدى إلى إجراء دراسة بهذا الخصوص، وقد ساهمت الوزارة في هذا الأمر من خلال قيام مسؤوليها بتقييم واقع المنتديات.
وبالحديث عن تقييم الوزارة لهذه المنتديات، ذكر حسن أن "التقييم اختلف من محافظة إلى أخرى"، لافتاً إلى أن اللجان التي شُكّلت من الوزارة ووزعت على المحافظات وجدت أن بعض المنتديات بحاجة إلى إعادة تأهيل، وبعضها الآخر بنيته التحتية متهالكة وتحتاج إلى دعم. وهذا حال اغلب المنتديات. وأكد أن المنتديات، ومنذ لحظة فصلها عن الوزارة، تعاني من وضع سيئ.
وختم قائلاً: "نتمنى أن تعود هذه المنتديات إلى الوزارة لكي تحظى بالاهتمام والرعاية، بما يخدم الشباب ويطور إمكاناتهم".
خطة وطنية لرعاية الشباب
وذكر مسؤول الدائرة الأولى في مجلس الشباب الأعلى بمحافظة الأنبار، محمد مجيد، إن "المجلس الأعلى للشباب هو أحد البرامج الحكومية التطوعية التي أطلقتها الحكومة منذ ما يقارب السنة والنصف، ويهدف إلى تمكين الشباب في مختلف المحافظات".
وأوضح مجيد لـ "طريق الشعب"، أن "المرحلة الأولى من البرنامج استهدفت نحو 5000 شاب وشابة من مختلف محافظات العراق، حيث تم تمكينهم عبر مخيمات تدريبية أقيمت في أربيل، بهدف إعدادهم كقادة ميدانيين داخل مجتمعاتهم".
وواصل الحديث: "تطور هذا البرنامج لاحقاً ليشمل عدة فرق متخصصة، منها، فريق سفراء الشباب، فريق المناخ والبيئة، الفريق الرقمي الوطني، والفريق الوطني لذوي الإعاقة".
وأشار إلى أن "هذه التشكيلات جميعها تعمل تحت مظلة المجلس الأعلى للشباب، كجزء من خطة وطنية ترعاها الحكومة العراقية لتمكين الشباب ورعايتهم".
وبيّن مجيد أن المجلس الأعلى للشباب رعى العديد من المسابقات والمبادرات الوطنية، منها المسابقة الوطنية لدعم مشاريع الشباب، والتي جرى خلالها دعم 100 مشروع شبابي بكلف مالية تراوحت بين 5 إلى 50 مليون دينار عراقي. جائزة العطاء الوطني، إلى جانب العديد من المبادرات الأخرى التي هدفت لخدمة وتمكين الشباب.
وأضاف ان المجلس الأعلى للشباب مؤخراً أطلق مبادرة الخير، لتقديم قروض للمشاريع الشبابية ضمن عدة قطاعات، كما أُضيف الجانب الإغاثي للمبادرة لتغطية احتياجات ذوي الإعاقة، والعوائل المتعففة، والمقبلين على الزواج.
وأكد أن الحكومة، ومن خلال المجلس الأعلى للشباب، لديها خطط أوسع لتمكين الشباب، من خلال برامج تدريبية تُقام داخل المنتديات الشبابية ومراكز التدريب المهني في عموم المحافظات.
ويبين مجيد أن واحدة من أهم المرجعيات التي يمكن أن يعتمد عليها الشباب هي المنتديات الشبابية، لما لها من أهمية بالغة في تقديم الخدمات، والنشاطات، والمبادرات التي تهدف إلى تمكين الشباب وتطوير مهاراتهم ومشاريعهم.
ويؤكد أن دعم هذه المنتديات مهم، كونها تمثل متنفساً للشباب الواعي والمثقف، ولكل من يسعى لتطوير ذاته وعمله.
وفي حال تم إهمال هذه المنتديات، فقد يجد الشباب أنفسهم مضطرين للجوء إلى المقاهي، والتي قد تسهم في تعزيز السلوكيات السلبية، وتفتح الباب أمام تعاطي المخدرات أو اكتساب عادات غير صحية تؤثر على مستقبلهم.
فرض تبعية اجبارية
وفي ذات السياق، سلطت الناشطة المدنية أروين عزيز الضوء على واقع المنتديات الشبابية في العراق، مؤكدة أنها تعاني من إهمال متراكم ومحاولات لاحتوائها ضمن أطر حكومية لا تحمل نية حقيقية لدعم الشباب.
وأوضحت عزيز لـ "طريق الشعب"، أن "الفرق التطوعية او غيرها من الأطر التي تم تشكيلها مؤخراً تحاول فرض تبعية الشباب للحكومة، دون وجود استراتيجيات واضحة لتفعيل دورهم الحقيقي، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تمثل التفافاً على مطالب الشباب بدلاً من الاستجابة لها.
كما أشارت إلى أن البُنى التحتية للمنتديات الشبابية تعاني من التهالك، إذ أن أغلبها يعود تاريخ تأسيسه إلى فترة الستينات، ولم يتم تشييد سوى عدد قليل منها في السنوات اللاحقة، وهي لا تواكب التزايد الكبير في أعداد الشباب حالياً. وأكدت أن هذه المراكز تواجه نقصاً حاداً في التخصيصات المالية، ما يعكس توجهاً غير معلن نحو خصخصتها أو إحالتها إلى الاستثمار، وهو ما سيُغير من طبيعة هذه المنتديات ويحرفها عن أهدافها الأساسية كمراكز لتنمية قدرات الشباب.
وكشفت عزيز عن محاولات سابقة جرت في محافظة كربلاء لتحويل أحد المنتديات إلى مشروع استثماري، في خطوة أثارت مخاوف النشطاء بشأن مستقبل هذه المساحات الحيوية.
وفي تعليقها على موضوع تحويل ملف إدارة المنتديات إلى إدارات المحافظات، قالت إن "هذا التوجه غير صائب"، لأن أغلب الحكومات المحلية لا تُبدي اهتماماً كافياً بالجانب الشبابي، ما يُنذر بمزيد من التراجع في دور هذه المنتديات.
واختتمت عزيز حديثها بالإشارة إلى ضعف تمثيل النساء في فعاليات بعض المنتديات بالمحافظات، حيث تقتصر الأنشطة على الذكور فقط، ما يعكس غياب التوازن الجندري ويفتح الباب أمام تساؤلات عن مدى شمولية هذه المنتديات ودورها في تمكين جميع فئات الشباب.