"كأنّه مخزن".. مرضى في "المستشفى الوحيد" بسنجار
نشر بواسطة: mod1
الجمعة 21-03-2025
 
   
جُمّار-ليث حسين

 

إحدى المراجعات تشبّه المستشفى الوحيد الموجود حالياً في سنجار بالمخزن، فما قصته؟ وأين ذهب المستشفى الرئيسي السابق؟ وكيف يتعالج الآلاف في مبنى متهالك؟

نظر صالح محمود عبر زجاج السيارة إلى البرّ الواسع المجاور للطريق الرابط بين سنجار ودهوك، وفكر بأنه لم يكن ليضطر إلى قطع هذه المسافات في مدد متقاربة لو أن جزءاً بسيطاً من ملايين الدولارات التي لا تنفك تُسرق وتهدر في العراق، خصّص لإنقاذه وإنقاذ غيره من المتاعب والمعاناة.

يسكن صالح في قضاء سنجار، وعندما سقط القضاء عام 2014 في يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، نزح مع أسرته بحثاً عن الأمان، ثم عاد إلى منزله بعد أشهر قليلة من تحرير القضاء في تشرين الثاني 2015.

خلال عام 2016 أصيب بمرض السكري، وبدأت الرحلة المضنية.

كان قضاء سنجار يحتوي على مستشفى رئيسي دمره “داعش”، وبعد طرد التنظيم المتشدد، أنشئ مستشفى بديل كان من المفترض أن يكون مؤقتاً، لكنه ما يزال المستشفى الوحيد منذ أكثر من تسع سنوات.

مشكلة المستشفى البديل أنه يفتقر إلى الأجهزة، والاهتمام، والنظافة والسعة، لذا لا يحصل المرضى فيه على الخدمة والعلاج المناسبين.

وكلما يذهب صالح إليه، يُجبر على قضاء مدة طويلة بانتظار دوره وسط ممرات مكتظة بالمرضى، فلا يوجد مكان مناسب للانتظار، والأسر تنتظر في الممرات، والأطفال يبكون، والمرضى يكافحون لتحصيل القليل من الاهتمام الطبي.

ولا يشكو صالح من طول الانتظار وضيق المكان فحسب، بل من مشكلات أكبر تضرب صميم الخدمات الصحية.

قبل أسابيع، ظهرت تقرّحات في قدمه، وهي من المضاعفات الشائعة لمرضى السكري.

ذهب إلى المستشفى أملاً في تلقّي علاج سريع، ولكن الغرفة التي تم استخدامها لعلاجه لم تكن مناسبة، حيث كانت صغيرة، تكاد تخلو من معدات مناسبة أو حديثة، وتفتقر إلى مكان مناسب للعمل الطبي.

وخشي صالح من أن تصيبه عدوى ما بسبب غياب التعقيم المستمر، وعدم التخلّص من النفايات بشكل دوريّ.

“على العموم، لا يوجد التزام بالإرشادات الصحية” يقول لجمّار.

ويشير إلى أن أنظمة الصرف الصحي في المستشفى تمثّل خطراً كبيراً، فهي تساهم بشكل مباشر في انتشار العدوى.

ويتذكّر عدّة مرات اضطرّ أن يسافر فيها إلى مدن أخرى لإجراء فحوصات، أو تلقّي علاجٍ لم يكن متوافراً في المستشفى، ولاسيما مدينتي الموصل ودهوك.

اقرأ أيضاً

“دخلوا للعلاج فخرجوا مصابين”.. الكبد الفيروسي يعشعش في مستشفيات العراق

وسبب إحجامه عن مراجعة مستشفى سنجار هو أن الأخير يفتقر إلى خدمات التصوير الشعاعي، أو الأجهزة المختبرية المتطورة.

وفي كل مرة يحتاج فيها إلى تحليل بسيط، يتعيّن عليه السفر لمسافة طويلة تستغرق أكثر من ساعتين بالسيارة إلى مدينة أخرى.

“هذا ليس سهلاً، خاصة بالنسبة للمرضى من كبار السن أو العائلات الفقيرة” يضيف.

ويشكل التجاهل الحكومي لهذا الوضع معضلة أخرى لصالح، فمنذ عشر سنوات لم يلمس أيّ تحرّك جاد لإعادة تأهيل المستشفى، ولم يسمع سوى وعود، لا وفاء لها.

لكنه في المقابل يبدي تقديره للكوادر الطبية العاملة في المستشفى، رغم أن مهاراتها وخبراتها لا يمكنها تعويض النقص الكبير في المرافق الطبية.

خطر العلاج

لدى أمينة علي طفلة تحتاج إلى رعاية مستمرة لمعاناتها من مشاكل تنفسية مزمنة منذ الولادة.

تزور أمينة برفقة ابنتها المريضة مستشفى سنجار بشكل دوريّ للحصول على العلاج.

بالنسبة لأمّ، فالوضع السيء في المستشفى يزيد من توترها وقلقها على صحة ابنتها، كون المبنى البديل لا يشبه المستشفيات بأي شيء، كما تقول، وتصفه بأنه “أقرب إلى مخزن أو مركز طبي مؤقت”.

بحسب أمينة، غرف المستشفى ليست نظيفة بما يكفي لاستقبال الأطفال أو المرضى ذوي الحالات الحرجة، خاصة مع رقود مرضى بأعداد كبيرة في غرفة واحدة.

تتذكر أنها ذهبت بابنتها ذات مرة إلى المستشفى بسبب نوبة تنفسية حادة، فوجدت الردهات مكتظة إلى درجة أنها لم تستطع العثور على سرير شاغر.

وتقول في حديث مع جمّار: إن الأطباء بذلوا جهوداً، لكن البيئة المحيطة كانت غير صحية على الإطلاق.

وتعرّج أيضاً على مشكلة الصرف الصحي، والحمامات المشتركة، وحالتها “المروعة”، ما يعكس تدهور النظافة العامة في المستشفى.

“كوالدة، يزعجني أن طفلتي معرّضة لعدوى محتملة في أي وقت. لا أستطيع النوم وأنا أفكر بأن الزيارة القادمة قد تؤدي إلى تفاقم حالتها بدلاً من تحسينها” تقول.

وتفكّر أمينة بتغيير مكان إقامتها، والتوجه حوالي منطقة بعيدة عن سنجار، أو حتى العودة مرة أخرى إلى مخيمات النزوح في دهوك، لتتمكّن من تلقّي الخدمات الصحية في مستشفى مجهز بشكل جيد، غير أن ظروفها المعيشية لا تسمح بذلك.

وتشير إلى أن إعادة تأهيل المبنى الرئيسي للمستشفى تبدو حلماً بعيد المنال في ظلّ التجاهل الحكومي لأوضاع سنجار.

ما باليد حيلة

منذ تحرير سنجار عام 2015، تستخدم الغرف غير المتضررة من مبنى مستشفى سنجار القديم كمستودعات لتخزين الأدوية والعلاجات، من دون أيّ جهود جدية لإعادة إعمار المبنى أو تأهيله.

والشكاوى من هذا الوضع لا تصدر عن المراجعين والمراجعات فقط.

علي خضر، وهو اسم مستعار لأحد موظفي التمريض في المستشفى، اختار عدم البوح عن اسمه الحقيقي خشية التعرّض لمضايقات، يتحدّث بحسرة عن الوضع الكارثي الذي يعيشه المستشفى منذ تحرير القضاء.

ويشرح لجمّار أنه عمل في الموقع البديل منذ إنشائه، وأدرك هو وزملاؤه منذ اللحظة الأولى أن المكان لن يكون كافياً ومناسباً، لكنهم كانوا يتوقعون أن هذا الوضع سيكون مؤقتاً ولن يبقى على ما هو عليه طيلة سنوات.

ويوضح، أن غرف العمليات ليست مؤهلة بشكل كامل، والأجهزة الطبية، إن وجدت، تكون قديمة أو غير متطورة.

اضطرّ خضر مرات عديدة لإحالة حالات طارئة إلى مستشفيات أخرى خارج المدينة، وهو أمر مرهق للمرضى وأسرهم، خاصة الفقراء منهم.

“نحن نحاول بذل أقصى جهد لتأمين بيئة آمنة، لكن من دون دعم حكومي، نبقى عاجزين أمام حجم التحديات” يضيف.

لم يقتصر حديثه على المشكلات المادية فقط، وإنما تطرق إلى التبعات النفسية انطلاقاً من أن العمل في هذه الظروف يضع الطاقم الطبي تحت ضغط هائل، ويتسبب ضيق المساحة والزحام الخانق، بشعور الكوادر الطبية بالعجز يومياً.  

“المرضى محقّون في استيائهم، ونحن نعاني معهم، لكننا لسنا سوى جزء صغير من صورة أكبر تشهدها سنجار” يتابع خضر.

إلى جانب التحديات اليومية التي تواجهها كوادر مستشفى سنجار، تضاف معاناة أخرى تتمثل بغياب أماكن مناسبة لاستراحة الطاقم الطبي، ولذلك يضطرون إلى العمل ساعات طويلة من دون الحصول على راحة كافية.

وتعتمد كلّ من ناحية القيروان والقحطانية، اللتان تضمان عشرات القرى والتجمّعات السكانية، بشكل كامل على مستشفى سنجار العام للحصول على الرعاية الصحية، حيث لا توجد مستشفيات في تلك المناطق سوى مراكز صحية صغيرة غير مؤهلة لمعالجة الحالات الطارئة أو تقديم العلاج المتقدم.

ولهذا السبب، يضطر حيدر حسين إلى السفر في مدد متقاربة للحصول على الرعاية الصحية.

يبلغ حيدر 45 عاماً من عمره، وهو أب لأربعة أطفال، ويعاني من مرض الكلى المزمن ويحتاج إلى غسل كلوي وفحوصات طبية بشكل دوري.

ومنذ خمس سنوات وهو يواجه معاناة يومية بسبب مرضه، فحالته تتطلب منه مراجعة مستشفى سنجار بشكل مستمر للحصول على العلاج اللازم.

ولكن لا يتوافر في المستشفى أيّ قسم لغسل الكلى، أو تقديم العناية اللازمة لمرضى الكلى، ما يضطره إلى قطع أكثر من 120 كم نحو الموصل كلما احتاج علاجاً.

“الذهاب إلى الموصل ليس سهلاً أبداً. الطريق طويل وممل، وأحياناً يتطلّب ساعات للوصول إلى هناك، وعندما أصل إلى المستشفى أضطر إلى الانتظار طويلاً قبل إجراء الغسل أو الفحوصات المطلوبة”، يقول لـجمّار.

وعلاوة على المتاعب، تكلفه كل زيارة إلى الموصل أموالاً باهظة، بينما وضعه المالي لا يسمح بذلك.

ويشدد حيدر على أن مستشفى سنجار بحاجة ماسة إلى تحسين الخدمات وتوفير قسم لغسل الكلى، كما يطالب بتحويل وعود المسؤولين إلى واقع.

حجر أساس

بعد أكثر من عام على الوعود المتتالية التي أطلقها محافظ نينوى والمسؤولين في مديرية صحة نينوى، تم أخيراً في 22 أيلول 2024 وضع حجر الأساس لمستشفى سنجار المقرر أن يكون بسعة مئة سرير.

وعلى الرغم من هذه الخطوة التي كانت منتظرة، إلا أن الإحباط خيّم على الأهالي بسبب بطء العمل في المشروع.

فبعد مرور أشهر من دون تحقيق تقدم ملموس، بدأت تتصاعد المخاوف لدى السكان من أن هذا المشروع لن يلبّي احتياجات المنطقة في الوقت المحدد، وأن الوعود قد تبقى مجرّد كلمات من دون تنفيذ فعلي على أرض الواقع.

وكانت فرنسا قد أعلنت مطلع عام 2021، المباشرة ببناء مستشفى في سنجار، لكن سرعان ما تحول إلى مركز صحي من دون معرفة الأسباب.

يقول دلشاد علي، مدير مستشفى سنجار العام، إن الموقع الحالي كان في الأصل مركزاً صحياً قبل الانهيار الأمني في المنطقة.

ويضيف لجمّار أن المستشفى يقدّم خدماته حالياً عبر أقسام متعددة مثل الاستشارية، والطوارئ، والسونار، والمختبر، والأشعة، وفحص البصر، بالإضافة إلى قسم الولادات.

لكنه يقرّ بأن هذا العدد من الأقسام غير كافٍ، وأن هناك تقصيراً في تقديم الرعاية الصحية، إلا أن الإمكانيات المتاحة حالياً لا تسمح بتقديم المزيد.

من جانبه، يفيد عبد الوهاب سلطان، معاون محافظ نينوى لشؤون الإعمار، بعدم تخصيص أي أموال لصيانة المبنى القديم للمستشفى.

ويشير إلى أن المدة المحددة لإنجاز المستشفى الجديد ذي المئة سرير تبلغ 1080 يوماً، أي ثلاث سنوات، ما يعني أنه لن يكتمل قبل أيلول 2027 في أفضل الأحوال.

وعندما توجه جمّار بالسؤال إلى سلطان عن سبب بطء العمل في المراحل الأولى من المستشفى الجديد، أجاب بأن ذلك يعود إلى استكمال إجراءات تحريات التربة والتأكد من مطابقة التصاميم.

ولا يملك مدير المستشفى الحاليّ أي فكرة عن مستقبله.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced