أثروا على عمل المجلس وإقرار القوانين
لم يقتصر مصطلح "الفضائيين" على المؤسسات الحكومية في العراق، بل تعدى ذلك ووصل إلى قلب السلطة التشريعية التي يُفترض إنها مُنتخبة من قٍبل الشعب، إذ أن 138 عضواً في مجلس النواب من أصل 329 أدوا اليمين الدستورية ولم يحضروا جلسات البرلمان بعد!
"الفضائيون" أو المتغيبين عن تأدية واجباتهم أثروا بشكل كبير على عمل البرلمان، إذ اختلت عشرات الجلسات وتعطلت الكثير من القنوانين بسبب غياباتهم المتكررة، لكن "الغموض" ما يزال يهمين على ذلك الملف، إذ لم تتحرك رئاسة البرلمان لغاية الان لمحاسبة النواب المتغيبين ورواتبهم تصلهم جاهزة من دون عقوبة او غرامة.
ويقصد بتسمية "الفضائيين" في العراق، فئتان، الأولى البطالة المقنعة في مؤسسات الدولة، وهم الأشخاص الذين يتسلمون رواتب من مؤسسات رسمية عدة، لكنهم لا يحضرون الدوام الرسمي ولا يقومون بواجباتهم، والثانية لأشخاص لا وجود لهم على أرض الواقع، وإنما عبارة عن أسماء وهمية ثُبّتت في سجلات صرف المستحقات الشهرية، لكن ما يحصل في البرلمان يمثل الفئة الأولى.
ويضم مجلس النواب 329 عضواً، وبحسب النظام الداخلي للبرلمان، فإن حضور الجلسات واجب وطني ووظيفي، إلا أن غالبية الجلسات التي يشهدها المجلس البرلمان لم يصل الحضور فيها إلى 300 عضو.
وفي أحدت تصريح لوزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء فؤاد حسين، مساء الجمعة، أكد وجود قرابة 100 نائب فضائي، "أدوا القسم ولم يحضروا جلسات البرلمان طيلة الدورة الحالية".
وتعليقاً على ذلك، يتحدث مدير المرصد النيابي مزهر جاسم الساعدي، عن "سنّة سيئة" سنها رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، تمثلت بحجب نشر أسماء النواب المتغيبين. ويقول الساعدي إن "المعدل العام لغيابات أعضاء مجلس النواب، تجاوز الـ100 نائب خلال الدورة التشريعية الخامسة، إذ وصل معدل الغياب إلى 138 نائبا".
وأضاف أن "رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي سن سنّة سيئة، لم تحدث في الدورات السابقة من خلال حجب نشر أسماء النواب المتغيبين"، مبيناً أن "النظام الداخلي لمجلس النواب وقانون المجلس ينص على كشف أسماء المتغيبين للجميع".
وأكد الساعدي أن "هناك نواباً أدوا القسم ولم يصلوا بعدها إلى مبنى البرلمان"، مشيراً الى أن "رئاسة البرلمان يفترض أن تُسائل على ذلك، وهناك منظمات ارادت إقامة دعوى قضائية بحق رئيس مجلس النواب بصفته التي تواجد فيها خلال الدورة الحالية، سواء أكان محمد الحلبوسي ام محسن المندلاوي وصولاً إلى محمود المشهداني". ووفق النظام الداخلي، تُنشر أسماء غيابات أعضاء مجلس النواب على موقع البرلمان وإحدى الصحف الرسمية، ووفق قانون مجلس النواب وتشكيلاته فإن النائب إذا غاب عن ثلث جلسات الفصل التشريعي الواحد تتم إقالته، بحسب مدير المرصد النيابي.
وأشار الساعدي إلى أن "رواتب النواب المتغيبين والفضائيين مستمرة من دون قطوعات أو غرامات، بالرغم من أن النظام الداخلي للمجلس يؤكد على استقطاع مبلغ من المال للنائب المتغيب، تحدده رئاسة البرلمان، إلا ان الرئاسة لم تطبق ذلك".
ولفت مدير المرصد النيابي إلى أن "غيابات النواب أثرت على عمل المجلس وأحدثت خللاً في انعقاد الجلسات"، واصفاً الدورتين البرلمانيتين الرابعة والخامسة بـأنهما "الأسوأ في الانتظام والتشريع".
بدوره، يحمل عضو مجلس النواب محمد عنوز، رئاسة البرلمان وأعضاء المجلس مسؤولية غياب زملائهم، من دون اتخاذ أي إجراءات.
ويقول عنوز إن "غيابات أعضاء مجلس النواب متكررة في كل جلسة منذ بدء الدورة البرلمانية الحالية"، مبيناً أن "جلسة واحدة فقط وصل فيها حضور النواب الى 311 نائباً، بينما باقي الجلسات يتراوح نصابها بين حضور 170 الى 190 نائباً".
واضاف عضو البرلمان العراقي، أن "أسماء النواب المتغيبين يفترض أن تُنشر في الصحف؛ كي يراقب الناخب، النائب الممثل عنه والذي انتخبه في وقت سابق ويرى كيف هو اداءه".
وأشار عنوز إلى أن "أعضاء مجلس النواب وبما فيهم الرئاسة يتحملون مسؤولية تلك الغيابات"، مبينا أن "التحجج بأن الرئاسة وحدها من تتحمل المسؤولية غير صحيح، إذ ان النواب هم من انتخبوا رئاسة المجلس".
وبحسب عضو اللجنة القانونية النيابية، فإن "غيابات النواب أثرت بشكل كبير على عمل البرلمان"، مطالباً بـ"استفتاء دستوري بعد الانتخابات المقبلة لجعل نصاب المجلس ثلثين، لضمان عملية انتخاب رئيس الجمهورية، وأن يكون قرار النصف زائد واحد من الأعضاء وليس من الحضور".
من جهته، يرى رئيس المركز العراقي للدراسات الستراتيجية غازي فيصل، أن طبيعة السلوك السياسي والإداري للبرلمانيين لا ينسجم مع التحديات الكبرى التي يواجهها العراق. ويقول فيصل إن "كلام وزير الخارجية فؤاد حسين عن وجود 100 فضائي في مجلس النواب العراقي دقيق ومبني معلومات رسمية".
وأضاف أن "البرلمان يعد السلطة الأولى في العراق كونها سلطة تشريعية، وهي أهم من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء"، منتقداً "عدم التزام الكثير من النواب بالتزاماتهم تجاه البرلمان والشعب".
وأكد أن "النظام الداخلي للبرلمان يفتقر إلى وجود قواعد أو مبادئ تُلزم النائب بالالتزام بعمله، أو وضع رقابة حوله"، مشيراً إلى أن "50 قانوناً يفترض أن يشرع وفق الدستور، إلا أنها غير مشرعة لغاية الآن".
ورأى فيصل أن "طبيعة السلوك السياسي والإداري للنواب لا ينسجم مع التحديات الكبرى التي يواجهها العراق، إذ أن أغلب النواب منشغلين بتصريحات طائفية وصراعات عبثية لا تخدم البلد".