أعربت نقابة أطباء العراق عن رفضها القاطع لمقترح التعديل الرابع لقانون التدرج الطبي، الذي يهدف إلى إلغاء التعيين المركزي لخريجي 2024-2025. وأكدت أن هذا التعديل سيضاعف معاناة الأطباء الجدد، حيث يفرض فترة تدرج طويلة دون ضمانات للتعيين، ويتجاهل المشاكل الأساسية في النظام الصحي.
وطالب الأطباء بمراجعة نظام القبول في كليات الطب وتفعيل التنسيق بين الجهات المعنية لضمان سياسات صحية مستدامة، وتوفير فرص عمل لائقة للخريجين.
وكشفت نقابة أطباء العراق عن رفضها القاطع لمقترح التعديل الرابع لقانون التدرج الطبي رقم (6) لسنة 2000، الذي تمت قراءته قراءة ثانية خلال جلسة مجلس النواب، وذلك لما يحمله من تداعيات سلبية خطرة على مستقبل الأطباء حديثي التخرج وعلى النظام الصحي في العراق عمومًا.
وذكرت النقابة في بيان اطلعت عليه "طريق الشعب"، أن "المقترح الذي يهدف إلى إلغاء التعيين المركزي بدءا من خريجي العام الدراسي 2024-2025، يمثل إجحافا كبيرا بحق الأطباء الشباب، ويكرس معاناة مضاعفة لخريجي كليات الطب، إذ ينص على فرض فترة تدرج طبي لمدة ثلاث سنوات دون أي ضمان حقيقي للتعيين، ويُلزم الأطباء بالتدرج في مؤسسات القطاع الخاص دون أي التزام من الدولة بتوفير الدعم المالي أو الرواتب، متجاهلًا في الوقت ذاته الواقع الصعب للمؤسسات الصحية الخاصة وقدرتها المحدودة على الاستيعاب".
وأضافت، أن "هذا التعديل لا يُعالج أصل المشكلة المتمثلة في التخطيط غير الدقيق والتوسع غير المنضبط في القبول بكليات الطب، بل ينقل العبء إلى الخريجين عبر تحميلهم نتائج أخطاء لم يساهموا في صنعها، مما ينعكس سلبًا على مستقبلهم الأكاديمي والمهني، خصوصًا فيما يتعلق بفرص الدراسات العليا ومستوى التأهيل السريري".
وأكدت على جميع ملاحظاتها وتحفظاتها على مقترح القانون بشكل رسمي، وذلك خلال اجتماع لجنة الصحة والبيئة النيابية المنعقد بتاريخ 29 نيسان 2024، والذي خُصص لاستضافة نقابات ذوي المهن الطبية والصحية.
وأوضحت النقابة أن "الحل لا يكون بإلغاء التعيين المركزي، بل من خلال مراجعة منظومة القبول في كليات الطب وتنظيمها بما يتلاءم مع حاجة البلد الفعلية، وتفعيل التنسيق بين وزارات التعليم العالي والصحة والتخطيط للخروج بسياسات صحية متوازنة ومستدامة".
ودعت النقابة مجلس النواب إلى رفض التعديل بصيغته الحالية، وفتح حوار جاد وشامل مع الجهات الصحية والنقابية والتعليمية المختصة، للوصول إلى حلول متوازنة وعادلة تضمن حماية حقوق الأطباء الجدد، وتحافظ على جودة التعليم الطبي والرعاية الصحية في العراق.
غياب الرؤية!
يقول د. زهير العبودي، طبيب جراحة، أن "العراق لا يزال غير قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكوادر الطبية، خاصة الأطباء"، مشيرا إلى أن "المشكلة لا تتعلق فقط بالعدد، وإنما بالنوعية أيضًا".
ويضيف العبودي لـ "طريق الشعب"، أن "التوزيع غير العادل للأطباء يؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمات الصحية، حيث تعاني بعض المناطق من نقص حاد في الاختصاصات الطبية الأساسية"، مشيرا الى تجربته في إحدى المؤسسات الصحية بمدينة الصدر: "عدد أطباء الباطنية هناك لا يتجاوز نصف العدد المطلوب، وهو نموذج لمشكلة أوسع يعاني منها القطاع الصحي في العراق".
وأضاف، أن سوء التخطيط وعدم وجود استراتيجية واضحة لاحتياجات القطاع الطبي يؤديان إلى قرارات غير مدروسة، مثل فتح مستشفيات جديدة دون توفير الكوادر اللازمة لتشغيلها. وضرب مثالا بمستشفى الشعب، الذي تم افتتاحه مؤخرا، حيث اضطر القائمون عليه إلى نقل كوادر من مستشفيات أخرى لسد النقص، ما أدى إلى إضعاف الخدمات في المؤسسات الصحية الأخرى.
وشدد العبودي على ضرورة التنسيق بين وزارتي الصحة والتخطيط لضمان التوازن بين عدد الخريجين والاحتياجات الفعلية للقطاع الصحي، مؤكدا أن دراسة الطب مكلفة للغاية سواء على مستوى الأفراد أو الدولة، ولا يمكن ترك الخريجين دون فرص عمل بسبب غياب التخطيط السليم.
وختم حديثه بالقول إن "العراق لا يزال يعاني من سوء التوزيع والتخطيط في القطاع الصحي، ما يستدعي تدخل الجهات المتخصصة لضمان تطوير نظام صحي متكامل، قادر على تلبية احتياجات المواطنين بفعالية".
مزيد من الكليات الأهلية.. مزيد من العاطلين
وأعرب فواز حازم، طالب في السنة الرابعة بكلية الطب، عن قلقه العميق إزاء الواقع المؤلم الذي يعيشه القطاع الصحي في العراق، مشيراً إلى أن "مطلب النقابة منطقي وعلمي"، حيث أن الدول المتقدمة تقوم بتخطيط ودراسة دقيقة قبل إطلاق أي مشروع.
ولفت إلى أن وزارة التعليم العالي تواصل السماح بافتتاح مزيد من الكليات الأهلية وقبول أعداد ضخمة من الطلاب دون مراعاة لمستقبل هؤلاء الخريجين، بدافع مادي من جهة، وتدمير ممنهج من جهة أخرى.
وعدّ حازم هذا الوضع بأنه "يزيد الأمور تعقيدا على الأطباء والخريجين الجدد"، متسائلا عن إمكانية وجود إجراءات تصعيدية حاسمة من قبل النقابة في حال عدم الاستجابة لمطالبهم؟
وحول الوضع في كليات الطب، أوضح حازم أن "المشكلة ليست في قبول طلاب كليات الطب، إذ أن هناك حاجة مستمرة لتطوير هذه الكليات بسبب زيادة عدد السكان"، لكن المشكلة الكبرى تكمن في "تعيين باقي الاختصاصات في وزارة الصحة مثل المختبرات والصيدلة، حيث اكتظت المستشفيات بأعداد فائضة من هذه التخصصات، ما أدى إلى زيادة الميزانية التشغيلية لوزارة الصحة بشكل غير مبرر".
تهديد لمستقبل الأطباء الشباب
وذكر طبيب اختصاص، د. محمد العامر، أن هذا القرار يشكل تهديدا خطيرا لمستقبل الأطباء الشباب، الذين يعانون بالفعل من صعوبات في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
ويقول العامر لـ "طريق الشعب"، إن "هذا التعديل المقترح، الذي يفرض فترة تدرج طبي لمدة ثلاث سنوات دون أي ضمان حقيقي للتعيين، يعكس تجاهلاً لحقوقنا ويحمّلنا أعباء إضافية. فبدلاً من معالجة المشكلات الحقيقية في القطاع الصحي، يتم تحميل الخريجين الجدد تبعات مشاكل النظام الصحي في البلاد".
ويؤكد العامر، أن التعديل لا يقدم حلاً للمشاكل الأساسية التي يعاني منها النظام الصحي العراقي، بل يعمق معاناة الأطباء الجدد، مضيفا انه "بدلاً من إلغاء التعيين المركزي، يجب إعادة النظر في نظام القبول في كليات الطب وتنظيمه بما يتماشى مع احتياجات البلد الفعلية، مع تحسين التنسيق بين الوزارات المعنية لضمان سياسات صحية مستدامة". ويشير العامر إلى أن التوسع الكبير في عدد كليات الطب في العراق قد أدى إلى تخرج أعداد هائلة من الأطباء في السنوات الأخيرة، مضيفا "لقد شهدنا زيادة كبيرة في عدد خريجي كليات الطب، حيث وصل عددهم إلى نحو 90 ألف طبيب في عام 2025، ومن المتوقع أن يزداد العدد كل سنة. وهذا التكدس سيجعل الأطباء في نفس الوضع الذي يعاني منه خريجو الكليات الأخرى، الذين أصبحوا في وضع غير مستقر، حيث لا توجد فرص عمل كافية لهم".
ويتساءل العامر، "كيف يمكن لأطباء درسوا ست سنوات في كليات الطب أن يجدوا أنفسهم دون تعيين؟ ولا أعرف إلى أين تتجه هذه الدولة؟ نحتاج إلى موقف حقيقي، لضمان حقوقنا المستقبلية".
وفيما يتعلق بحلول الأزمة، يرى العامر أن الحكومة يجب أن تركز على تقليص عدد الكليات الأهلية، التي تقبل أعداداً غير منطقية من الطلاب، خاصة في مجالات الطب التي تعاني من زيادة غير مبررة في أعداد الخريجين. ويرى أن هذه الكليات تساهم في تفاقم الأزمة، وأن الحلول التي يتم تبنيها حالياً هي مجرد ترقيعات لا تعالج المشكلة الجوهرية.
ويختتم العامر حديثه بالقول إن "الحكومة غير قادرة على تشغيل برنامج التمويل الذاتي للمستشفيات والمؤسسات الصحية، ما أدى إلى عجز كبير في سداد الرواتب، والمتضرر الأول من هذا الوضع هو الطبيب، ومن ثم يأتي المريض العراقي، الذي يعاني بدوره من تدني مستوى الرعاية الصحية بسبب هذه الأزمات".
أطباء الأسنان
من جانبها، دعت نقابة أطباء الأسنان في العراق، الثلاثاء، البرلمان إلى رفض التعديل الرابع لقانون تدرج ذوي المهن الطبية والصحية رقم 6 لسنة 2000، مطالبة بحل مشكلة أعداد الأطباء من خلال مراجعة منظومة القبول في كليات طب الأسنان وإيقاف استحداث كليات أهلية.
وأبدت النقابة استنكارها الشديد على تجاهل دورها في رسم سياسة المهنة ومستقبل أطباء الأسنان الذين لا يزالون في أرحام الكليات، وذلك بعد التلاعب بالمسودة المتفق عليها لتعديل قانون تدرج ذوي المهن الطبية والصحية رقم 6 لسنة 2000 دون الرجوع إلى أطراف الرأي الأول. وهذا يعد إقصاءً لدور النقابات في تمثيل المهنة وممتهنيها، ويضع تعبيراً آخر لتنصل البرلمان من تمثيل الشعب باعتبار النقابة تمثل أطباء الأسنان وهم جزء من الشعب.