كم عدد المرضى الراقدين في مستشفيات العاصمة بغداد؟ وكم عدد الكوادر الطبية هناك؟ وكم عدد المراجعين والزائرين يومياً؟ بحسب تقرير لديوان الرقابة المالية الاتحادي، فإنّ مستشفيات بغداد تعاني من مشاكل خطيرة ونقص كبير في منظومات السلامة المدنية ومتطلباتها، وواحدة من أخطر هذه المشاكل هي النقص في منظومات إطفاء الحرائق.
للتو أنهى أبو حيدر السوداني عشاءه مع أفراد أسرته، كان ذلك في الرابع من نيسان 2021، لم يكن الجميع حول مائدة الطعام. كان أبوه بشّار السوداني، وبرفقته ابنه حيدر، وشقيقه عبد الحسن في مستشفى ابن الخطيب ببغداد، في إحدى ردهات العزل الصحي للمصابين بفيروس “كورونا”، والجد بشّار كان واحداً من مئات المصابين المحجورين في المستشفى.
“خرجت راكضاً بسروالي الأبيض عندما اتصل بي حيدر وقال لي: بوية الحك.. بوية الحك المستشفى احترقت”، كان أبو حيدر يركض باتجاه المستشفى لإنقاذهم، وصل إلى هناك لكنّ النيران سبقته إلى ردهات العزل الصحي.
“ابني حيدر وشقيقي عبد الحسن حاولوا سحب والدي بشّار من الردهة، لكن كثافة الدخان، وتأخّر وصول فرق الإطفاء الخاصة بالدفاع المدني حال دون ذلك. طلب عبد الحسن من حيدر مغادرة الردهة والمجيء بعربة نقل لإنقاذ جدّه من وسط الحريق، لكنّه ما إن خرج وعاد حتى رأى النيران مشتعلة في ممرات وردهات الطابق الأول كلّه”.
بعد وصول فرق الإطفاء وإخماد الحريق، دخل أبو حيدر ونجله إلى الطابق الأول بحثاً عن والده وشقيقه، “ما إن وصلنا للردهة حتى رأينا شقيقي عبد الحسن يحتضن والدي على سدية الإنعاش الرئوي وقد فارقا الحياة”. نجا الابن فقط.
بعد هذه الفاجعة التي أصابت عائلته، يقول أبو حيدر إنّه لم يعد يثق بوزارة الصحة والحكومة، “لم تكن منظومات استشعار وإطفاء الحرائق موجودة، أما جدران وسقوف المستشفى فكانت مغلّفة بمواد سريعة الاشتعال”.
بشّار السوداني كان واحداً من بين 82 مصاباً بفيروس كورونا ماتوا حرقاً واختناقاً بالحريق الذي اندلع في مستشفى ابن الخطيب، أصيب في الحريق كذلك 110 أشخاص كانوا يقضون مدة الحجر الصحي هناك، ويتلقون الأوكسجين بأجهزة الإنعاش، ويستعدون للتعافي والخروج من المستشفى.
على إثر الحريق؛ قرر رئيس الوزراء، آنذاك، مصطفى الكاظمي، إيقاف وزير الصحة، ومحافظ بغداد، ومسؤولين آخرين عن العمل، وإحالتهم للتحقيق. لاحقاً قدّم وزير الصحة استقالته من منصبه.
الدفاع المدني في العراق كشف لرويترز في نيسان 2021، أنّه حذّر إدارة المستشفى ووزارة الصحة قبل وقوع الحادث من خطر اندلاع حريق في المستشفى، وذكر العميد جودت عبد الرحمن، المتحدث باسم مديرية الدفاع المدني العراقية، أنَّ “المستشفى لم تتوفر به منظومة الإطفاء الرطبة، وكذلك لم يكن هناك منظومة إنذار للحرائق”، بينما قال أربعة من الشهود لرويترز إنّ طفايات الحريق في المستشفى لم تعمل عندما بدأت النيران بالانتشار.
بعد ثلاثة أشهر من هذه المأساة، وتحديداً في 12 تموز 2021، حريق آخر يندلع بمركز النقاء للعزل الصحي، في مستشفى الحسين التعليمي بمدينة الناصرية جنوبي العراق، وفقاً للحصيلة التي أعلنتها السلطات العراقية، قتل 92 شخصاً، بينما أصيب أكثر من 100 شخص آخرين.
المركز كان مخصصاً لعزل المصابين بفيروس كورونا، ومن هؤلاء عائلة الدكتور علاء ريسان، الأستاذ في كلية الصيدلة بجامعة ذي قار، الذي فقد سبعة أشخاص من عائلته في ذلك الحريق، “والدتي وزوجتي وشقيقتي وأربعة من إخوتي جميعهم قضوا بسبب الحريق الذي طال مركز العزل في مستشفى الناصرية، ولولا تمكن الناس من إنقاذي لكنت ثامنهم”، ريسان كان متواجداً في المستشفى لحظة اندلاع النيران.
بعد مرور تسعة أشهر، اكتشف الدكتور علاء ريسان أنّ أمّه التي دفنها لم تكن هي والدته، فالجثّة كانت لامرأة أخرى، اكتشف ذلك من خلال إجراء تحليل الحمض النووي (DNA)، “أمي كانت ما تزال في الطب العدلي في مستشفى الحسين التعليمي، الأمر الذي دفعنا إلى فتح القبر مجدداً واستبدال الجثة بإذن من المحكمة وبحضور كوادر الطب العدلي”.
على إثر ذلك أعلن رئيس الوزراء، آنذاك، مصطفى الكاظمي، فتح تحقيق بالحادث، وإقالة مدير دائرة الصحة في ذي قار، وكذلك مدير المستشفى، وصدرت أيضاً أوامر قبض ضد 13 شخصاً بتهمة “التقصير وإهمال متطلبات السلامة”.
تحقيق الشرطة والدفاع المدني، ذكر أنّ الحريق سببه “شرر متطاير من أسلاك تالفة”، أدّى إلى انفجار خزان أوكسجين في مركز العزل المشيّد من مادة “السندويج بنل” سريعة الاشتعال. يصف الدكتور علاء ريسان التحقيق بأنّه “بائس ومجامل ومتلاعب بالحقائق بسبب تدخلات حزبية، وهدفه امتصاص غضب الشارع”.
الحادثان يسلطان الضوء على تردّي نظام الرعاية الصحية في العراق، والدمار الذي لحق به بسبب الحروب المتتالية، وعقوبات مجلس الأمن في عهد صدام حسين، ثم الغزو الأمريكي عام 2003، وما تلاه من صراعات طائفية، وفساد تفشّى في مؤسسات الدولة كلها، ومنها وزارة الصحة.
الحرائق قد تندلع في مستشفيات أخرى
بعد عام على حريقي مستشفى ابن الخطيب في بغداد، ومستشفى الحسين التعليمي في الناصرية، أنهى ديوان الرقابة المالية، وهي مؤسسة رسمية، نتائج “أعمال رقابة الأداء التخصصي على إجراءات الدوائر ذات العلاقة في توفير وتطبيق متطلبات السلامة والدفاع المدني في المستشفيات والمراكز التابعة لوزارة الصحة والحدّ من الحرائق”.
شملت الزيارات الميدانية وعمليات التدقيق المؤسسات الصحية التالية: 11 مركزاً صحياً ضمن دائرة مدينة الطب في بغداد، 22 مستشفى ومركزاً صحياً في دائرة صحة بغداد فرع الرصافة، 15 مستشفى ومركزاً صحياً في دائرة صحة بغداد، فرع الكرخ، بالإضافة إلى مركزين صحيين ضمن دائرة الأمور الفنية.
استند ديوان الرقابة المالية في عمليات التدقيق والرقابة لهذه المستشفيات والمراكز الصحية على: قانون الدفاع المدني العراقي رقم 44 لسنة 2013، والمحددات العالمية NFPA 101 لـ Life safety code الخاصة بالتصاميم الإنشائية والمعمارية والخدمية، وتعليمات المحددات البيئية لإنشاء المشاريع ومراقبة سلامة تنفيذها رقم 3 لسنة 2011، والدليل الاسترشادي المرجعي الخاص بمستلزمات الوقاية من الحرائق في الأبنية رقم 646 لسنة 1996، الصادر من الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، والدليل الوطني للغازات الطبية، الصادر عن وزارة الصحة، دائرة الأمور الفنية، وتعليمات رقم 4 لسنة 1989، الخاصة بتعليمات سلامة خزن وتداول المواد الكيماوية.
كشفت نتائج التدقيق أنّ 70 بالمئة من مستشفيات العاصمة بغداد أضافت ملحقات إنشائية على التصميم الأساسي، من دون استحصال موافقات مديرية الدفاع المدني الرسمية، في مخالفة لقانون الدفاع المدني 44 لسنة 2013، وتحديداً المادة 33 من القانون التي تنص على “إحالة المخططات لجميع الأبنية متعددة الطوابق إلى مديرية الدفاع المدني لدراستها وتحديد تدابير الوقاية والإنذار من الحريق، ووسائل الإطفاء وغيرها وفقاً للتعليمات والمواصفات المعتمدة من قبل مديرية الدفاع المدني”.
بالإضافة إلى 14 مستشفى فيها أضرار في الإنشاءات المدنيّة، بسبب انتهاء الأعمار التصميمية لها، وانعدام الجدوى الاقتصادية من تأهيلها، وارتفاع تكاليف تأهيلها وصيانتها المستمرة، وكذلك عدم تضمين التصاميم الأساسية لتلك الأبنية متطلبات السلامة والدفاع المدني، والسيطرة على الحوادث.
في حزيران 2013، أصدرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأمانة العاصمة بغداد، تعميماً منعت بموجبه تغليف واجهات الأبنية ومداخلها بمواد قابلة وسريعة الاشتعال، مثل الأليكابوند، لكن نتائج التدقيق كشفت أنّ 50 بالمئة من مستشفيات العاصمة بغداد مغلّفة بشكل كلي أو جزئي بمادة الأليكابوند، التي تتكون من مواد بوليمرية سريعة الاشتعال والانتشار، وتنتج غازات سامة خلال عمليات الاحتراق.
بالإضافة إلى الأليكابوند، فإن مديرية الدفاع المدني منعت استخدام مادة السندويج بنل (sandwich panels) كونها من المواد شديدة الخطورة، وسريعة الاشتعال، ولها قابلية عالية لنشر الحرائق بسرعة، وتنتج مواد سامة أثناء احتراقها، لكن هذا لم يمنع وزارة الصحة من استخدام السندويج بنل في 68 بالمئة من مستشفيات العاصمة بغداد.
عن هذه المخالفات، سألنا نواس صباح شاكر، مدير شعبة إعلام الدفاع المدني، وعرضنا عليه ما ورد في تقرير ديوان الرقابة المالية، وذكر لنا أن “الإضافات الإنشائية التي تتعلق بالبناء تشرف عليها الدوائر الهندسية، ووزارة الإسكان هي المعنية بسلامة المبنى، وقدرته على التحمّل”، مضيفاً أن مديرية الدفاع المدني تختص فقط بإجراءات السلامة، ومن ضمنها “متطلبات الدفاع المدني، ومخارج الطوارئ، ومتحسسات الحريق، والكاميرات، وهي من ضمن متطلبات شروط السلامة”.
وأكد لنا شاكر كذلك أنّ استخدام السنويج أينما يكون “فهو محرّم، ويُمنع استخدامه، سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، وبناء على ذلك أبلغ الدفاع المدني كلّ الوزراء بضرورة إزالة هذه المخالفات في القطاع الحكومي، سواء في المستشفيات أو المدارس المتنقّلة (كرفانية) أو مع وزارة الصناعة”.
مستشفيات عالية الخطورة
نتائج التدقيق في متطلبات السلامة والدفاع المدني، حذرت من خطورة الوضع في ثلاثة مستشفيات على وجه الخصوص، وهي: مستشفى الزعفرانية، ومستشفى اليرموك، ومستشفى ابن البلدي للأطفال والنسائية، التي أظهرت نتائج التدقيق أنّ إدارة هذه المستشفيات ما زالت ترتكب مخالفات واضحة فيما يتعلق بإجراءات السلامة والدفاع المدني.
بعد احتراق المستشفى نتيجة تماس كهربائي عام 2012، وبسبب بنائه بمادة “السندويج بنل” عالية الخطورة وسريعة الاشتعال، أعادت وزارة الصحة بناء مستشفى الزعفرانية العام بمادة “السندويج بنل” مرتكبة المخالفات ذاتها التي أدت في السابق إلى احتراق المستشفى.
ليست هذه المخالفات الوحيدة في المستشفى الذي سجّل زيارة أكثر من 50 ألف مراجع خلال شهر نيسان 2024، فهناك مخالفات أخرى في البناء ومتطلبات السلامة، مثل استخدام مادة “الرول بلاستك” القابلة للاشتعال في تغليف المبنى بالكامل، وتغليف مبنى الطوارئ بمادة “الإليكابوند”، واستخدام السقوف الثانوية سريعة الاشتعال في تغليف سقوف المستشفى بالكامل، وكذلك وجود مساكن متنقّلة “كرفانات سندويج بنل” بالقرب من مولدات الكهرباء وخزانات الوقود، وانعدام السلالم في المبنى واعتمادها على المصاعد فقط.
مستشفى اليرموك يمتلك أيضاً تاريخاً مع الحرائق، ففي عام 2016 أدى حريق في ردهة الخدّج إلى مقتل 13 طفلاً وفقدان طفلين اثنين جرّاء احتراقهما بالكامل، وقبل هذه المأساة كان في رصيد المستشفى حريقان آخران في عامي 2013 و2014، أدّيا إلى خسائر مادية كبيرة.
على الرغم من المطالبات الرسمية لديوان الرقابة المالية، وكذلك توصيات اللجنة المشكّلة من قبل رئاسة الوزراء في الأمر الإداري (م.ب312425626) عام 2016، والتي تتضمن ضرورة إزالة جميع المخالفات التي أدت إلى حدوث الحرائق، إلا أن نتائج التدقيق كشفت أن “إدارة مستشفى اليرموك لم تعمل على تلافي جميع المخالفات المؤشّرة على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على تأشيرها والتحذير منها”، وذكرت نتائج التدقيق الأخيرة لمستشفى اليرموك أن “احتمال حدوث حرائق أخرى ما يزال قائماً”.
ابن البلدي للأطفال والنسائية، مستشفىً آخر، معرّض في أي وقت لاندلاع حريق بسبب وجود ثلاث خَزانات من مادة البروبان (C3H8) بالقرب من المولدات الكهربائية وخزانات الوقود في المستشفى، ومادة “البروبان” هي واحدة من المواد الكيماوية سريعة وشديدة الاشتعال والانتشار، ووجودها بالقرب من خَزانات الوقود والمولدات الكهربائية للمستشفى يعد خطراً يجب تلافي وقوعه، خاصةً وأن تلك المادة لا يحتاجها المستشفى وانتفت الحاجة لاستخدامها منذ فترات طويلة، لكن إدارة المستشفى ما زالت تخزنها في بيئة وظروف غير آمنة داخل مبناها.
عام 2012، أدرجت وزارة الصحة مستشفى المحمودية العام ضمن مشروع للتأهيل والتطوير، لكن هذا المشروع لم ينفّذ حتى الآن، أما المستشفى فهو مجموعة من “الكرفانات”، عددها 47، ثابتة ومتحركة، من مادة “السندويج بنل”، وهي خالية من متطلبات السلامة، ورغم تحذيرات مركز الدفاع المدني في قضاء المحمودية من خطورة هذه المشيّدات مسبقة الصنع “الكرفانية” إلا أن الموقع ما يزال مشغولاً كموقع بديل عن المبنى الأصليّ المشمول بالتأهيل منذ 2012.
مستشفيات بلا مخارج طوارئ
إحدى متطلبات السلامة في المباني هي وجود مخارج الطوارئ، لكن هذا لا ينطبق على ثمانية مستشفيات في بغداد، فهي لا تحتوي على سلالم طوارئ داخلية أو خارجية، تساعد في عمليات الإخلاء في حالات الطوارئ كالحرائق وغيرها، المستشفيات الثمانية التي تخلو من سلالم الطوارئ يبلغ ارتفاعها أكثر من عشرة أمتار (أكثر من طابقين).
المستشفيات التي لا تحتوي على سلالم طوارئ داخلية أو خارجية، المصدر: ديوان الرقابة المالية.
وحتى المستشفيات التي تحتوي على سلالم الطوارئ، يعاني قسم منها عدم توفر شروط السلامة والأمان، من حيث توفّر إضاءة الطوارئ، ومنظومات تفريغ الهواء، ودافعات الهواء (Pressure Positive) في أسفل السلم، فمثلاً في مستشفى فاطمة الزهراء للنسائية والأطفال، فإن الأبواب المؤدية إلى مخارج الطوارئ مصنوعة من الخشب، بينما لا توجد علامات استدلالية مضيئة لمخارج الطوارئ.
أما في مستشفى السلام الميداني فقد أُغلق أحد أبواب الطوارئ بواسطة كتل أسمنتية من قبل إدارة معرض بغداد الدولي للكتاب. وفي مركز بغداد للعلاج الإشعاعي والطب النووي، فإن مخرج الطوارئ يقع ضمن غرفة السيطرة الكهربائية (غرفة البوردات) بينما في مستشفى أطفال العلوية فإن مخارج الطوارئ لا تؤدي إلى خارج المستشفى.
كذلك لا تتوفر مخارج طوارئ للطوابق الأرضية في كل من هذه المستشفيات: مركز بغداد للعلاج الإشعاعي والطب النووي، مستشفى الكرخ للولادة، بنايات الإدارة ودار الأطباء، التابعة لمستشفى الكرامة التعليمي، وبنايات (الإدارة ودار الأطباء القديم ودار الأطباء الجديد والاستشارية الجديدة والاستشارية القديمة والباطنية) التابعة لمستشفى اليرموك. خلافاً لتعليمات الدفاع المدني العراقي، والمحددات العالمية (NFPA 101) لـ (Life safety code) الخاصة بالتصاميم الإنشائية والمعمارية والخدمية.
يضاف إلى ذلك 28 بالمئة من مستشفيات العاصمة العراقية بغداد لا تتوفر فيها إضاءة طوارئ بديلة تعمل على التيار المستمر (DC) والتي تساعد على إنارة الأماكن في حال حدوث حريق وانقطاع التيار الكهربائي عنها، لمساعدة شاغلي تلك الأبنية للاستدلال على طرق ومخارج الطوارئ، بالإضافة إلى عطلها أو عملها بشكل جزئي في 72 بالمئة من المستشفيات العراقية الأخرى.
عدم التزام المستشفيات بتعليمات الدفاع المدني، من حيث توفير متطلبات السلامة المدنية، وتوفير منظومات الإطفاء، وكذلك مخارج الطوارئ وغيرها، يرجعه نواس صباح شاكر، مدير شعبة إعلام الدفاع المدني، إلى “التعذر بعدم وجود تخصيصات مالية، كما أن متطلبات الدفاع المدني تحتاج إلى صيانة بشكل مستمر، لذلك يتعذرون بعدم وجود مخصصات مالية لوضع منظومات إطفاء حديثة، ومتحسسات الحريق أو أجهزة الاستشعار”، ويؤكد شاكر أنَّ الدفاع المدني يضغط بهذا الاتجاه حتى يتم تصحيح هذه القرارات.
الأجهزة والتأسيسات الكهربائية والمولدات الكهربائية
جزء من المستشفيات في بغداد يعاني من قدم المصاعد الكهربائية، وهي عرضة بشكل دائم للأعطال بسبب حاجتها الدائمة للصيانة، وهذا يحمّل بقية المصاعد ضغطاً إضافياً، ويلزمها بجهد كبير، ويعرضها أيضاً للأعطال واحتمالية وقوع الحوادث. وبحسب نتائج تدقيق ديوان الرقابة المالية، فإنّ جميع مستشفيات بغداد لم تستحصل شهادات فحص هندسي للمصاعد، على الرغم من أهميتها الكبيرة لضمان استخدامها.
كذلك فإن متطلبات السلامة والأمان غير متوفرة في أغلب مصاعد المستشفيات، بحسب نتائج التدقيق، وهي غير مرتبطة بأجهزة حفظ الطاقة، التي تضمن وصول المصعد إلى أقرب طابق عند انقطاع التيار الكهربائي في حال حدوث طارئ، وتشغيل إضاءة الطوارئ ومفرغات الهواء بداخله لضمان سلامة المستخدمين.
واحدة من المظاهر التي يستطيع المراجع لمستشفيات بغداد ملاحظتها هي استخدام أجهزة التبريد المنزلي (SPLIT UNIT) وهذا ما حذّرت منه نتائج التدقيق الرقابي باعتباره يؤدي إلى زيادة احتمالية حدوث حرائق، بسبب التماس الكهربائي، وزيادة الأحمال الكهربائية، وكثرة التسليكات غير الآمنة الخاصة بتلك الأجهزة وتقاطعها مع السقوف الثانوية، ومواد التغليف سريعة الاشتعال.
كذلك فإن غرف السيطرة الكهربائية في قسم من المستشفيات بحاجة إلى إعادة تنظيم للتسليكات الكهربائية، وتوفير متطلبات السلامة والأمان من خلال توفير أجهزة تبريد مناسبة لتلك الغرف، لمنع ارتفاع درجة الحرارة للمحولات، ولوحات السيطرة الكهربائية، لتلافي حدوث حرائق جرّاء التماس الكهربائي الذي كان سبباً في وقوع حرائق سابقة، كما في حريق مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية.
عدم توفير متطلبات السلامة والأمان في مواقع مولدات الطاقة الكهربائية، وخزانات الوقود الخاصة بها، في أغلب المستشفيات، وكذلك عدم وجود مسافات أمان بين المولدات والخزانات وأبنية المستشفيات، وكذلك عدم إحاطة خزانات الوقود بحوض فيضي مبني من مواد مقاومة للحرائق، يعمل على حجز الوقود في حال حدوث تسرب في الوقود، وحريق في الخزانات، ويمنعه من الانتشار والوصول إلى باقي أجزاء المستشفى، بالإضافة إلى وجود حشائش وبقايا زيوت ووقود بالقرب من تلك المولدات، مما يشكل خطراً في حدوث الحرائق، وانتشارها بشكل يصعب السيطرة عليه.
في منطقة الحبيبية ببغداد، يقع مستشفى الصدر العام، مَن يمرّ بجواره سيرى عدداً من المولدات الكهربائية (الأهلية) على الرصيف الخاص به، مع خزانات الوقود الخاصة بها، من دون اعتماد التسليك الآمن للأسلاك الممتدة منها إلى منازل المواطنين في المنطقة، وكذلك من دون بناء أحواض فيضية تحيط بخزانات الوقود، وهذا يشكل خطراً كبيراً على المستشفى وينذر بنشوب حرائق في أية لحظة.
منظومات الإنذار وإطفاء الحرائق
عندما وقع حريق مستشفى ابن الخطيب في بغداد، قال المتحدث باسم مديرية الدفاع المدني العراقية العميد جودت عبد الرحمن: “لم تتوفر منظومة الإطفاء الرطبة وكذلك لم يكن هناك منظومة إنذار للحرائق.. لو توفر كل ذلك لأصبحت السيطرة على النيران بوقت أقل ممكنة، ولكان هناك عدد أقل من الضحايا”.
وهذا الأمر ينطبق على جزء كبير من مستشفيات العاصمة العراقية بغداد، حيث يؤدي عطل أغلب منظومات التحسس والإنذار المبكر والإنذار اليدوي للحرائق، وعدم توفرها أو عملها بشكل جزئي في البعض الآخر من المستشفيات، فمن بين 30 مستشفى ومركزاً جرى فحصها وتدقيقها، كانت منظومات الإنذار والإطفاء عاطلة في 19 منها، وغير موجودة من الأساس في سبعة مستشفيات، وتعمل بشكل جزئي في أربعة مستشفيات، بينما قال ديوان الرقابة المالية إن 52 بالمئة من مستشفيات بغداد تعاني من عطل في منظومات الإنذار وإطفاء الحرائق.
أما منظومة الإطفاء ذاتية العمل (WET RISER SPRINKLERS SYSTEM) فهي لا تتوفر في جميع المستشفيات على الرغم من أهميتها في السيطرة على الحرائق وإخمادها بكفاءة عالية ومنع انتشارها في الردهات والأقسام الخاصة بالمستشفى، وبخاصة تلك التي لا تحتوي على أجهزة طبية ومختبرية تتأثر بالمياه.
كذلك عدم توفر منظومة الإطفاء الرطبة (HOSE REEL WET EXTINGUISH SYSTEM) في 20 مستشفى من أصل 46 مستشفى، وعطلها أو عملها بشكل جزئي في القسم الآخر، مما يشكل صعوبة في السيطرة على الحرائق ومنع انتشارها، وكون هذه المنظومة تعد من أهم منظومات إطفاء الحرائق المعتمدة عالمياً.
عدد من مستشفيات بغداد قامت بربط مضخة المياه الخاصة بهذه المنظومة بكهرباء المستشفى، ولم توفر مولّداً للطاقة الكهربائية خاص بالمنظومة، الأمر الذي سيؤدي إلى فقدان هذه المنظومة لأهميتها أثناء حدوث الحريق، لأنّ أول إجراء لمكافحة الحرائق بحسب تعليمات مديرية الدفاع المدني هي إطفاء الكهرباء بشكل تام عن مكان الحريق.
هذه الإخفاقات بتوفير متطلبات السلامة في مستشفيات العاصمة العراقية بغداد، تثير مخاوف المراجعين والكوادر الطبية على حد سواء، الطبيب كرار الحكيم، المقيم في مدينة الطب ببغداد، التي تعد من أهم المرافق الصحية في العراق، لا يخفي الصعوبات والتحديات التي يواجهها بسبب سوء إجراءات السلامة داخل المؤسسات الصحية، ويلاحظ أنها تزداد عاماً بعد آخر.
الخطر لا يقتصر على الكوادر الطبية والمراجعين في مستشفيات العاصمة بغداد، فكذلك فرق الدفاع المدني وفرق الإطفاء التابعة لتلك المستشفيات تعاني من النقص في أعدادها ومعدّاتها، خاصةً الملاكات الخافرة.
يرصد تقرير ديوان الرقابة المالية نقصاً في تدريب فرق الإطفاء، ونقصاً في مستلزمات الوقاية الشخصية لملاكات الدفاع المدني أيضاً، مثل أقنعة الغاز، وأجهزة التنفس، والبدلات والكفوف المضادة للنيران، والأحذية كذلك. يضاف لها عدم توفر معدات ضرورية في حال نشوب حريق، مثل أجهزة القطع والفؤوس.
ليست هذه المصاعب الوحيدة التي تواجهها فرق الإطفاء في حال وقوع حريق في مستشفيات بغداد، فالوصول عند اندلاع النيران يمثّل تحدياً لها، خاصة في مجمّع مدينة الطب، حيث يوجد 11 مستشفىً في تلك المنطقة تقع ضمن خطوط سير شديدة الازدحام، خاصة في أوقات الدوام الرسمي.
عن هذه المخالفات الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية، وكذلك للرد على أسئلتنا فيما يخص انعدام متطلبات السلامة المدنية في مستشفيات العاصمة بغداد، تواصلنا مع وزارة الصحة، وتحديداً مع سيف البدر، المتحدث باسم الوزارة، الذي طلب أن نزوده بتقرير ديوان الرقابة المالية، “ليرى إن كان بإمكانه الرد أو لا”، وبالفعل زودناه بالتقرير، ثمَّ حاولنا معه مرّة ثانية من أجل الرد بعد الاطلاع على التقرير، لكنّه امتنع عن إعطائنا إجابات أو تعليقات على ما ورد في هذا التحقيق.