يزداد المشهد في محافظات جنوب العراق تعقيداً، تحديداً في محافظة ذي قار حيث ينفّذ فيها المعلمون احتجاجات غاضبة منذ خمسة أيام، من أجل المطالبة بزيادة رواتبهم وحمايتهم من الاعتداءات. فقد سُجّل في هذه التحرّكات تعنيفاً متعمّداً من قبل قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، الأمر الذي أدّى إلى تأجيج احتجاجات المعلمين الذين وصل عدد المصابين بينهم إلى نحو 50 معلماً ومعلمة.
وعلى الرغم من إعلان السلطات العراقية اتّخاذ سبع خطوات لاستيعاب غضب التربويين الذين أعلنوا إضراباً عاماً، فإن المواجهات مع قوات الأمن لم تنتهِ، خصوصاً في مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار. وقد وُجّهت الأنظار وكذلك الانتقادات إلى العنف المفرط المستخدَم لتفريق المتظاهرين، إذ إنّها أعادت إلى الأذهان تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 التي راح ضحيتها أكثر من 800 عراقي.
ويطالب التربويون في العراق بتحسين ظروفهم المعيشية، وبإقرار قوانين تحمي حقوق المعلم العراقي، بالإضافة إلى امتيازات مثل توزيع قطع الأراضي السكنية وتسهيلات أخرى تخصّ هذه الفئة من المجتمع، إلى جانب إضافة مخصصات مالية بنسبة 100% على الرواتب الأصلية.
وبهدف إنصاف الكوادر التربوية والتعليمية في العراق وموظفي وزارة التربية في البلاد، أقرّت الحكومة العراقية إجراءات لـ"علاج مطلب السكن الذي كان في مقدّمة مطالب التربويين من خلال المضيّ في إجراءات توزيع قطع الأراضي للملاكات التربوية والتعليمية في بغداد والمحافظات، وتشكيل لجنة عليا لإنشاء الأحياء السكنية الخاصة بالكوادر التربوية والتعليمية وموظفي وزارة التربية"، وفقاً لما جاء في بيان رسمي.
وأوعزت الحكومة كذلك بـ"صرف أجور النقل للمشرفين التربويين، المرصودة من ضمن موازنة كلّ مديرية تربية تابعة للوزارة"، فيما "طُلب من وزارة التربية صرف 100 ألف دينار عراقي (نحو 75 دولاراً أميركياً) لتسيير عمل إدارات المدارس لكلّ فصل دراسي، وتفعيل مواد قانون حماية المعلم (8 لسنة 2018)، إلى جانب جرد المدارس النائية والملاكات التربوية في هذه المدارس التي تبعد مسافات تزيد على 100 كيلومتر عن مراكز المدن"، على أن "تُقدَّم إلى وزارة التربية لإيجاد الحلول المناسبة لإنصافهم (التربويين)".
بالإضافة إلى ذلك، طُلب من وزارة المالية "دراسة احتساب سنوات الخدمة المجانية لأغراض العلاوة والترفيع، ومنح قروض مالية للملاكات التربوية والتعليمية من المصارف الحكومية، بنسب فائدة بسيطة لتحسين المستوى المعيشي".
وقد أشعرت هذه القرارات التربويين بـ"الارتياح"، لكنّهم لم يتراجعوا عن الاحتجاج من أجل مطالب أخرى، تحديداً في ذي قار، بهدف معاقبة الضباط وقوات الأمن الذين اعتدوا على المتظاهرين وأقدموا على ضربهم وتحديداً النسوة من بينهم اللواتي تعرّضنَ إلى تعنيف متعمّد. ويقول المعلم مثنى جمعة من مدينة الناصرية لـ"العربي الجديد" إنّ "التظاهرات لن تتراجع حتى يُعاقَب قائد الشرطة والضباط الذي أقدموا على الاعتداء المتعمّد على المعلمين والمعلمات"، وشدّد على "وجوب أن يحقّق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع وزير الداخلية (عبد الأمير الشمري) في هذا الشأن". وأكمل جمعة أنّ "إهانة المعلم وإذلاله يمثلات قمّة الاستخفاف بالعملية التربوية التعليمية في العراق"، مشيراً إلى أنّ "التظاهرات قد تستمرّ وقد تتراجع ثم تظهر من جديد، لأنّ الحكومات العراقية كلها لم تنصف هذه الشريحة ومضت في استغلالها، مع العلم أنّها أساس بناء المجتمع".
واليوم الخميس، عقد مجلس النواب العراقي جلسة ناقش فيها مطالب المعلمين المتظاهرين، وتضمّنت بنود الجلسة ومحاورها تعديل على قانون وزارة التربية بما يخدم المعلمين. وبعد نحو ساعة من الوقت، رُفعت الجلسة للتداول في المقترحات في جلسة لاحقة. وسُجّلت في خلال جلسة اليوم دعوة قدّمها النائب المستقل هادي السلامي إلى رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، دعاه فيها إلى بحث استضافة رئيس الوزراء في المجلس لمناقشة تحقيق مطالب التربويين وتعديل سلّم الرواتب.