غياب الرقابة يهدد أرواح المرضى في المستشفيات الأهلية
نشر بواسطة: mod1
الإثنين 14-04-2025
 
   
تبارك عبد المجيد

يشهد القطاع الصحي الأهلي في العراق تدهوراً ملحوظاً، حيث أصبح يشكل تهديداً لصحة المواطنين بدلاً من أن يكون داعماً للقطاع الصحي العام. ويعود ذلك إلى غياب الرقابة الفاعلة من جانب وزارة الصحة، ما سمح للمستشفيات الأهلية بتقديم خدمات طبية رديئة، وتشخيصات خاطئة، واستغلال مالي للمواطنين. إضافة إلى ذلك، يزداد الوضع تعقيداً بسبب توظيف عمالة غير مؤهلة، ما يعرض حياة المرضى لمخاطر صحية كبيرة.

ويسهم الفساد السياسي والتجاري بدوره في منح تراخيص للمستشفيات بطرق غير قانونية، ما يزيد من تفاقم الأزمة الصحية. في حين أن المستشفيات الحكومية تعاني من تدهور في مستوى خدماتها، حيث يواجه الأطباء تهديدات أمنية، ما يدفع الكثيرين إلى اللجوء للمستشفيات الأهلية رغم المشاكل الكثيرة التي تعاني منها.

وفي ظل ذلك، يشهد التعليم الطبي في العراق توسعاً غير مدروس في الكليات الأهلية، ما أدى إلى تخريج أعداد كبيرة من الطلاب دون توفير فرص عمل كافية لهم، ما يهدد مستقبل المهنة الصحية في البلاد.

استغلال الناس مالياً

تقول د. حنين جبار، تعمل في أحد المستشفيات الأهلية، أن "المستشفيات الأهلية في العراق تحولت من خيار بديل لدعم القطاع الصحي إلى مشكلة تهدد حياة المواطنين بسبب غياب الرقابة الفاعلة من وزارة الصحة". وأضافت أن "المرضى أصبحوا يقاسون خدمات طبية رديئة، تشخيصات خاطئة، واستغلال مالي فاضح من بعض هذه المستشفيات، التي تعمل خارج أي إطار قانوني".

وأشارت جبار إلى أن "العديد من المستشفيات لا تلتزم بالبروتوكولات الصحية ولا تخضع لمعايير السلامة الطبية، مما يعرض حياة المرضى للخطر". لافتة إلى أن "التوظيف العشوائي لعمالة غير مؤهلة من دول مجاورة يزيد من تفاقم المشكلة ويعرض المرضى لمخاطر صحية كبيرة".

وأكدت أن "غياب الرقابة من وزارة الصحة يسمح لهذه المستشفيات بالتلاعب والاحتيال على المواطنين، كما أن بعض المستشفيات تحصل على تراخيص بطرق غير قانونية بفضل النفوذ السياسي أو المالي لبعض مالكيها". وأشارت إلى أنها لجأت للتعليم الأهلي بسبب الأجور، لافتة إلى أن هذا القطاع يتوافر على فرص عمل كثيرة ومغرية.

وتشير قائلةً: "تعتمد العديد من هذه المستشفيات على توظيف كادر طبي غير مدرب بشكل كافٍ، حيث يتم استغلالهم مادياً ومهنياً، في حين يتم استبعاد الكفاءات الوطنية لصالح عمالة أقل تكلفة". وأضافت أن هناك تجاوزات قانونية في القطاع الأهلي، حيث يتم استقدام ممرضين وأطباء من الخارج تحت غطاء "العمالة الأجنبية"، بحيث يدخلون البلاد بتأشيرات عمل عادية وليس ككوادر طبية، حيث يسمح هذا الأسلوب بتوظيف عمالة رخيصة دون الحاجة إلى التدقيق في شهاداتهم أو خبراتهم الطبية، وبالتالي فإن احتمالية حدوث أخطاء طبية تكون عالية".

ودعت جبار إلى "إصلاح جذري في القطاع الصحي الأهلي، يتضمن تفعيل الرقابة، ومراجعة آليات منح التراخيص، وفرض عقوبات صارمة على المستشفيات المخالفة"، مشيرة إلى أن "استمرار الفوضى في هذا القطاع يهدد حياة المواطنين ويضع مستقبل النظام الصحي على المحك".

صيدليات بعيدة عن الرقابة

يقول د. مناف الموسوي، محلل سياسي، إن الحديث عن القطاع الخاص في الجانب الصحي يشمل بشكل أساسي الصيدليات والمستشفيات الأهلية، مشيراً إلى وجود تحديات كبيرة في هذين المجالين داخل العراق.

وأوضح الموسوي لـ "طريق الشعب"، أن "هناك نسبة كبيرة من الصيدليات لا تخضع للرقابة، ولا توجد سيطرة نوعية ثابتة على الأدوية الداخلة إلى البلاد". وأضاف، أن "معظم هذه الأدوية تُسوّق على أنها تحمل علامات تجارية عالمية، لكنها في الحقيقة تُصنّع في دول مجاورة، ما يؤثر على جودتها ودقتها، وهو ما قد يسبب مشاكل صحية خطيرة". ولفت إلى أن "هذا الملف بدأ يشهد تحسناً مؤخراً من خلال المتابعة والمحاسبة".

أما في ما يخص المستشفيات الأهلية، فقد أشار الموسوي إلى أن "ضعف الوضع الأمني وعدم الاستقرار في العراق خلال السنوات الماضية حال دون تطوير هذا القطاع بالشكل المطلوب، رغم أن العراق كان يُعد من الدول الرائدة في مجال الصحة في الشرق الأوسط". وانتقد الموسوي "تركّز الاستثمارات في قطاعات غير أساسية كالمولات والمشاريع التجارية، على حساب القطاعات الحيوية كالصحة".

وأكد أن "القطاع الصحي بحاجة ماسة إلى استثمارات حقيقية، لبناء مستشفيات حديثة وكبيرة، قادرة على تخفيف العبء عن القطاع الحكومي وتقديم خدمات طبية متقدمة، بل ويمكن أن تكون جاذبة حتى للمرضى من خارج العراق، كما يحدث في دول مثل تركيا والأردن والهند".

التأمين الصحي

كما شدد الموسوي على أهمية تفعيل البطاقة التأمينية الصحية، قائلاً إن "تطبيق هذا النظام يسهم بشكل كبير في تطوير أداء القطاع الصحي وتنظيمه، لكنه ما يزال غائباً عن السياسات الصحية الحالية".

وختم بالقول إن "الإهمال الذي تعرض له قطاع الصحة يعود في جزء منه إلى أن بعض الاستثمارات، مثل المستشفيات، لا تجلب أرباحاً فورية مثل الاستثمارات في مجالات أخرى، وهو ما جعل هذا القطاع خارج دائرة الاهتمام السياسي والاقتصادي في السنوات الماضية".

نظام إداري هش وشركات وهمية

فيما قال المحلل السياسي محمد زنكنة أن "قطاع الصحة الاهلي بات اليوم أحد أبرز ضحايا الفوضى المستمرة. ففي ظل غياب الرقابة وضعف الأداء الحكومي، أصبح هذا القطاع رهينة لشبكات نفوذ تتعامل معها كفرصة للربح السريع والفاحش، لا كمجال حيوي يتعلق بحياة المواطنين".

ويؤكد زنكنة لـ "طريق الشعب"، أن "هذه الشبكات لا تعمل في فراغ، بل تستثمر في هشاشة النظام الإداري لتعزيز مصالح شركات وهمية، تحقق أرباحًا هائلة عبر مسارات غير قانونية، ما يسهم في تفاقم أزمة الصحة وارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر".

وأشار إلى، أن "الميليشيات المسلحة تلعب دورا محوريا في تسهيل عمليات التهريب، مستفيدة من الثغرات الحدودية لتمرير الأدوية المغشوشة أو منتهية الصلاحية، التي تؤدي إلى حالات تسمم واسعة النطاق، في ظل غياب الرقابة الصحية الجادة".

أما الواقع داخل المستشفيات الحكومية، فلا يقل سوءًا. حيث تشهد الخدمات الصحية تدهورا واضحا، والنظافة والتعقيم في أدنى مستوياتها، ما يجعل من هذه المؤسسات بؤرا محتملة لانتشار الأمراض المعدية. بل إن بعض المستشفيات أصبحت مرتعًا للحيوانات السائبة، في صورة صادمة تجسد حجم الإهمال واللامبالاة.

ويواجه الأطباء تحديات مضاعفة، ليس فقط في بيئة العمل، بل في أمنهم الشخصي أيضًا. فالكثير منهم يتعرضون لضغوط وتهديدات عشائرية وميليشياوية، لا سيما بعد حالات الوفاة داخل المستشفيات، ما يجعل مهنة الطب محفوفة بالمخاطر أكثر من أي وقت مضى. وهذا ما يدفع المواطن إلى اللجوء للقطاع الأهلي.

ويشير زنكنة إلى أن بعض الجامعات الأهلية باتت تقبل الطلاب بمعدلات منخفضة، فقط لأنهم أبناء شخصيات متنفذة وأصحاب رؤوس أموال، وهو ما ينذر بإنتاج كوادر طبية ضعيفة الكفاءة، تضاف إلى سلسلة طويلة من الأزمات التي تطوّق الواقع الصحي في العراق.

وأضاف أن "وزارة الصحة لم تعد تفرض رقابة فعلية على أداء المستشفيات الأهلية، ما سمح لهذه المؤسسات بالعمل دون محاسبة أو مساءلة، مستغلة حاجة المرضى للعلاج وسط التدهور الحاد في المستشفيات الحكومية".

مخرجات الكليات الأهلية

زيد الشبيب، صيدلي ممارس، رهن هذه التداعيات الخطرة بالتوسع غير المنضبط لعمل الكليات الأهلية، لا سيما في مجال الصيدلة، واكد أن عدد هذه الكليات تجاوز بكثير نظيراتها الحكومية، وبات يشكّل تهديدا مباشرا لمستقبل المهنة وسوق العمل الصحي في العراق.

وبيّن الشبيب لـ"طريق الشعب"، أن "الكليات الأهلية الخاصة بالصيدلة وغيرها من التخصصات الطبية كطب الأسنان، والتحليلات المرضية، والتمريض، تشهد انفجارا غير مدروس في أعدادها، ما أدى إلى تخريج أعداد ضخمة من الطلبة دون توفر فرص عمل كافية لهم". وأضاف: "نحن أمام جيش من العاطلين يتحول يوميًا إلى صيادلة وفنيين صحيين، دون أي تخطيط حقيقي لسوق العمل".

وأشار إلى أن "هذا التوسع لم يكن نتيجة حاجة فعلية، بل جاء في ظل منظومة فساد تتداخل فيها المصالح السياسية والتجارية، لافتًا إلى أن غالبية الكليات الأهلية، مرتبطة بشكل مباشر بأحزاب وجهات نافذة في السلطة، وتُستخدم بحسب وصفه كوسيلة لتبييض الأموال وجمع الأرباح الطائلة، على حساب جودة التعليم ومصير الخريجين.

وتابع الشبيب أن بعض الكليات تستقبل أكثر من 400 طالب في المرحلة الدراسية الواحدة، ما يؤدي إلى اكتظاظ كبير في القاعات، ويؤثر بشكل مباشر على العملية التعليمية. وأضاف أن هناك كليات أصبحت تضطر إلى تقسيم الدوام على مدار الأسبوع بسبب الزخم، بحيث يحضر بعض الطلبة لثلاثة أيام فقط في الأسبوع، ما ينعكس سلبًا على تلقي المادة العلمية كما ينبغي.

ورغم التحذيرات المتكررة التي صدرت من جهات مختصة، منها وزارة التخطيط ونقابة الصيادلة، بشأن هذا التوسع غير المحكوم، إلا أن هذه التحذيرات كما يؤكد الشبيب لم تجد طريقها إلى التنفيذ أو حتى الاهتمام الجاد، بسبب غياب الرؤية التنموية وافتقار السياسات التعليمية والصحية إلى أي بعد استراتيجي.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced