زينة صالح كيالي لـ"المجلة": المرأة ضحية الإقصاء في عالم الموسيقى الكلاسيكية
نشر بواسطة: mod1
الإثنين 14-04-2025
 
   
المجلة - روزيت فاضل

كتابها الجديد يلقي الضوء على تجارب موسيقيات لبنانيات وعالميات

منذ إطلاقها سلسلة "وجوه موسيقية"، التي تتولى إدارتها لدى "دار غوتنر" الفرنسية، دأبت الباحثة اللبانينة زينة صالح كيالي على التعريف بمؤلفين وعازفين لبنانيين في فضاء الموسيقى الكلاسيكية، والتي كانت سابقا تتناقل أخبارهم على ألسنة متفرقة دون معلومات موثقة ودقيقة عن حصادهم الوافر في الموسيقى الكلاسيكية المرتقية الى مرتبة العالمية.

خاطبت كيالي الجمهور المتعطش للمعرفة البحثية عن الموسيقى والمؤلفين الموسيقيين من خلال أحد عشر مؤلفا باللغة الفرنسية صدرت منذ 2011، منها أربعة صدرت في العام 2016 حول المؤلفين بشارة الخوري وغبريال يارد وزاد ملتقى وناجي حكيم، لتتوالى إصدارات عن وديع صبرا وتوفيق الباشا وعبد الرحمن الباشا... وصولا الى جورج باز.

الإصدار، الذي أهدته كيالي في العام 2024، الى "تاء التأنيث"، برز من خلال كتاب عن "الوجوه النسائية الموسيقية" في لبنان، في محاولة لرفع العبن عن أسماء سطعن في أقطاب العالم وعواصم المدن خارج وطنهم الأم لبنان، مع تخصيص فصل عن السيدة ميرنا البستاني، مؤسسة "مهرجان البستان الدولي".

"المجلة" التقت زينة صالح كيالي وحاورتها حول إصدارها الأخير، "وجوه موسيقية نسائية"، وما يدور في فلك هذا العالم الواسع المدى.

تناولت تجارب موسيقيين لبنانيين أمثال وديع صبرا وغبريال يارد وناجي حكيم وعبد الرحمن الباشا وزاد ملتقى وبشارة الخوري وسواهم، وصولا إلى إصدارك الأخير عن أعلام موسيقيات، فما السبب؟

بعدما عملت طويلا على الموسيقى اللبنانية الكلاسيكية من خلال مؤلفاتي ومقالاتي، استنتجت أن هناك أيضا موسيقيات لبنانيات وأنهن غير معروفات على النحو الكافي، ونادرا ما تدرج أعمالهن في برامج الحفلات الموسيقية. فأردت تسليط الضوء عليهن وعلى أعمالهن، من أجل تشجيع العازفين على إدراج هذه الأعمال في برامج حفلاتهم الموسيقية.

بالإضافة إلى ذلك، اعتبرت في الجزء الثاني من الكتاب الذي تحدثت فيه عن أربع عازفات بارزات على البيانو، أن بعض النساء الرائعات، اللواتي ولدن في عشرينات القرن الماضي وتوفين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحلين بالشجاعة اللازمة لإثبات أنفسهن كعازفات بيانو محترفات، في بيئة عائلية خانقة، حيث كان يتوقع من الفتاة الزواج وإنجاب الأطفال، مع عزف مقطع من ألحان موزارت بين حين وآخر. قدمت هؤلاء النساء مساهمات كبيرة لعالم الموسيقى في لبنان بين مطلع الخمسينات وأواخر السبعينات، وأصبحن في غياهب النسيان، مما دفعني الى الكتابة عنهن لأنه كان لا بد من إنصافهن.

أخيرا، أوجه في الجزء الثالث من الكتاب تحية إلى ميرنا البستاني، مؤسسة "مهرجان البستان" الشهير، التي أطلقت عليها لقب "المناضلة الموسيقية".

تيار حقيقي

هل تسعين إلى إثبات أن في لبنان مؤلفي موسيقى كلاسيكية، وكيف؟

نعم بالتأكيد. فأنا أعتقد أن الموسيقى الكلاسيكية اللبنانية تجسد تيارا موسيقيا حقيقيا، وهذا ما أثبته في مؤلفاتي ومحاضراتي. تعود انطلاقة الموسيقى الكلاسيكية اللبنانية إلى مطلع القرن العشرين، مع وديع صبرا، ثم تطورت بوحي من الوجدان اللبناني، فهي تمزج بين الشرق والغرب، وتشكل جسرا بين الثقافات والحضارات دون إقصاء أي منها. إنه تراث موسيقي مثير جدا للاهتمام، وينقسم سبعة تيارات لن أخوض فيها هنا، لأنني أتطرق إلى هذا الموضوع في إحدى محاضراتي. يجمع هذا الإرث الموسيقي بين اللبنانيين لأنه غير مسيس وغير طائفي، ويشكل عامل وحدة بينهم.

هل الكتاب محاولة لرفع الغبن عن الموسيقيات في لبنان والعالم العربي، أم أن ثمة تجارب أخرى عرفها الغرب في هذا السياق؟

هذا بالضبط ما يسعى إليه الكتاب. حتى في الغرب، تعرضت النساء الموسيقيات والملحنات للإقصاء طوال قرون. وكانت الموسيقى محصورة بالميدان الخاص في ما يتعلق بالنساء. فقد كان يسمح لهن بعزف البيانو قليلا أو الغناء في صالون المنزل. ولم يكن مسموحا لهن امتهان العزف، ولا التأليف الموسيقي. مثال على ذلك، نانرل موزارت، شقيقة وولفغانغ أماديوس موزارت، التي عاشت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتلقت التربية الموسيقية نفسها التي تلقاها شقيقها، وكانت لديها القدرات نفسها، لكنها اضطرت إلى التخلي عن الموسيقى للاهتمام بأسرتها.

ما أبرز مصادر البحث التي اعتمدتها في هذا الكتاب؟

لا توجد عمليا مصادر مدونة، فالمصدر الأساس هو المؤلفات الموسيقيات أنفسهن، إذا كن لا يزلن على قيد الحياة، أو أسرهن في حال وفاتهن. هناك بعض المواد الأرشيفية في مركز التراث الموسيقي اللبناني، ولكنني أقوم بعمل ميداني بصورة أساسية، من أجل وضع مراجع مدونة تغني التراث الموسيقي اللبناني.

قيود

يتناول القسم الأول سيرة حياة 20 مؤلفة موسيقية راحلة ومعاصرة، فماذا تخبريننا عن تجارب أجيال قديمة ومعاصرة في هذا المجال؟

مثلما أشرت آنفا، هناك أمثلة عن نساء تعرضن للقيود التي كبلت إبداعهن في التأليف الموسيقي. بالإضافة إلى شقيقة موزارت، أعطي مثلا عن فاني مندلسون، شقيقة المؤلف الموسيقي فليكس مندلسون، التي كانت موهوبة بقدره، لكن والدها كتب لها: "إذا كان التأليف الموسيقي مهنة لشقيقك فليكس، فينبغي أن يظل هواية لك".

من الأمثلة الأخرى كلارا شومان، زوجة المؤلف الموسيقي روبرت شومان، التي كانت أيضا عازفة بيانو ومؤلفة موسيقية ممتازة، والتي اضطرت إلى التخلي عن الموسيقى للاهتمام بأطفالها. وثمة أمثلة عديدة من هذا القبيل. لحسن الحظ أننا نعيد اليوم اكتشاف هؤلاء المؤلفات الموسيقيات ونشجع النساء على التأليف الموسيقي.

هناك أمر لافت في الجزء الثاني، وهو شكوى عازفة البيانو سامية حداد فلامنت من تداعيات الزواج وتربية الأولاد، التي شكلت عائقا رئيسا في حياتها المهنية، فكيف عبرت عن التجربة، وماذا عن رفيقاتها العازبات عازفات البيانو، مثل وداد منذر وسيفرت سركيسيان وديانا تقي الدين؟

اضطرت سامية حداد فلامنت التي كانت عازفة بيانو ممتازة، ونالت جائزة شوبان، إلى التخلي عن الموسيقى من أجل الاهتمام بأسرتها. لكنها عانت كثيرا بسبب ذلك وأصيبت باكتئاب عصبي. وبعد التوقف لمدة تسع سنوات، استأنفت العمل في مجال الموسيقى، وحققت مسيرة مهنية ناجحة في التدريس والعزف المنفرد وعزف موسيقى الحجرة. أما عازفات البيانو الأخريات اللواتي أتحدث عنهن في الكتاب، وهن وداد مزنر، وديانا تقي الدين، وزفارت سركيسيان، فلم يتزوجن. كانت الأولوية لحياتهن المهنية.

واكبت عازفة البيانو زفارت سركيسيان تعليم عبد الرحمن الباشا في صغره، فماذا عن هذه التجربة؟

اكتشفت زفارت سركيسيان موهبة عبد الرحمن الباشا، وهو كان لا يزال فتى صغيرا. وعندما بلغ 16 عاما ولم يعد لبنان قادرا، للأسف، على أن يقدم له شيئا من أجل إتقان مهاراته في عزف البيانو، وجهت سركيسيان دعوة إلى سفراء فرنسا وإنكلترا والاتحاد السوفياتي لحضور تلميذها وهو يعزف. فوقع السفراء الثلاثة تحت سحر عزفه، وقدم كل منهم منحة دراسية كاملة إلى العازف الشاب ليتابع دراسته في بلدانهم. ولكن عبد الرحمن اختار فرنسا لأسباب ثقافية. وعندما توفيت زفارت سركيسيان في عام 2014، كتب عبد الرحمن الباشا، الذي كان يقوم بجولة في كندا، نصا مؤثرا جدا عن أستاذته، وقد نقلته حرفيا في كتابي.

دور الاغتراب

ما دور الاغتراب في انطلاق موسيقيات أمثال ناومي شمال وماري كيومجيان في نيويورك وبشرى الترك في لندن، وقد عزفت كبريات الفرق الموسيقية البريطانية مقطوعاتها؟

بعض المؤلفات الموسيقيات اللبنانيات معروفات في بلدانهن الثانية أكثر مما هن معروفات في لبنان، حيث لا تدري بوجودهن سوى قلة قليلة من الأشخاص، حتى في عالم الموسيقى.

فعلى سبيل المثل، أدى السير سيمون راتل، قائد الأوركسترا البريطاني الذائع الصيت، معزوفات من تأليف بشرى الترك التي غالبا ما تعزف موسيقاها أيضا في مهرجان "برومز" في لندن وفي مهرجان الفن الغنائي في إيكس إن بروفانس في فرنسا. كاتيا مقدسي وارن هي من مشاهير كندا حيث لديها برنامجها التلفزيوني الخاص. وهناك العديد من الأمثلة الأخرى.

المغنية اللبنانية سمية بعلبكي تغني على مسرح مهرجان البستان الدولي للموسيقى والفنون، 2 مارس 2025

كيف تجسدت الهوية اللبنانية عند الملحنة الكولومبية جوليا صفير ولا سيما من خلال أعمالها المهمة، ومنها تلحين "غروب الشمس في بعلبك"، و"صلاة لجبران"؟

المثال الذي تقدمه جوليا صفير مؤثر جدا، لأنها تجسد جيلا رابعا من اللبنانيين الذين استقروا في كولومبيا. وعلى الرغم من كل شيء، لبنان حاضر جدا في موسيقاها، من خلال عناوين أعمالها الموسيقية، وأيضا من خلال لغتها الموسيقية التي تنطبع بأسلوب شرقي جدا في بعض المعزوفات. وقد جاءت خصيصا إلى لبنان في العام 2011 لمناسبة إطلاق كتابي الأول "مؤلفون موسيقيون لبنانيون في القرنين العشرين والحادي والعشرين" حيث ورد اسمها، وقالت لي: "الآن أعلم أنني جزء من عائلة هي عائلة المؤلفين الموسيقيين اللبنانيين".

لماذا خصصت فصلا عن السيدة ميرنا البستاني، وماذا اكتشفت عنها؟

ميرنا البستاني عازفة بيانو ممتازة -قد لا يكون هذا الأمر معروفا عنها- ولديها عشق حقيقي وصادق للموسيقى. وقد أرادت مشاركة هذا العشق مع مواطنيها اللبنانيين من خلال تأسيس مهرجان البستان في عام 1994، الذي حولته، بفضل مثابرتها ودرايتها، إلى حدث مهم في المشهد الثقافي اللبناني، وارتقت به إلى مصاف كبريات المهرجانات الدولية. لذلك، أكن لها إعجابا شديدا.

تعليم الموسيقى

كيف يمكن جذب الشباب الى هذا العالم الموسيقي؟

من الضروري تعريف الأطفال بالموسيقى وتغذية حبها لديهم منذ نعومة أظفارهم، ويجب أن يتم ذلك على مستوى الدولة من خلال برنامج مخصص لهذا الغرض. كان وديع صبرا يرغب في أن تكون كل مدرسة مجهزة بآلة بيانو، وفي أن تكون لديها جوقة، ولكن هذا لم يتحقق للأسف.

إذا كنا نريد تشجيع الشباب على حضور الحفلات الموسيقية وبث الحياة من جديد في جمهور هذه الحفلات، فيجب التحرك واتخاذ خطوات في هذا المجال.

هل لديك مشاريع أخرى تصب في تعزيز الموسيقى؟

بادرت بالتعاون مع السيد روبير متى إلى تأسيس مركز التراث الموسيقي اللبناني في مدرسة سيدة الجمهور في أكتوبر/ تشرين الأول 2012، الذي يجمع أرشيف عدد من الموسيقيين اللبنانيين، ويضعه في خدمة الباحثين الموسيقيين ومبرمجي الحفلات.

عملت أيضا على تعزيز التذوق الموسيقي من خلال تأسيس مهرجان "موسيقيات لبنانيات" في باريس الذي يسعى إلى نشر الموسيقى اللبنانية الكلاسيكية في فرنسا من خلال تنظيم خمس حفلات موسيقية، إضافة الى إطلاق عمل دينامي  في "بيت تباريس" في الأشرفية في 2022 في مساحة موجهة خصيصا إلى الموسيقيين الشباب اللبنانيين، فضلا عن تنظيم دروس عليا وحفلات موسيقية.

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced