تمكَّن فريق بحثي من جامعة "برمنجهام" البريطانية من كشف تفاصيل دقيقة تشرح آليتين معقدتين لإصلاح تلف الحمض النووي، ما قد يفتح الباب أمام تحسينات كبيرة في علاجات السرطان المستقبلية.
وتسلط دراستان منفصلتان، نشرتا في دورية "نيتشر كومينكيشنز" (Nature Communications)، و"مولكيولر سيل" (Molecular Cell) الضوء على كيفية تنظيم الخلايا لإصلاح تلف الحمض النووي بدقة، ما يحمي الجسم من الطفرات المسببة للأمراض.
وإصلاح الحمض النووي عملية حيوية أساسية، تقوم بها الخلايا لإصلاح التلف الذي يحدث في جزيئاته نتيجة عوامل مختلفة مثل الأشعة فوق البنفسجية، والمواد الكيميائية، أو حتى الأخطاء الطبيعية أثناء انقسام الخلية.
وتحافظ عملية الإصلاح على الاستقرار الجيني، وتضمن نقل المعلومات الوراثية بدقة من جيل خلوي إلى آخر.
ومن دون آلية الإصلاح الفعَّالة، تتراكم الطفرات في الحمض النووي، ما قد يؤدي إلى أمراض خطيرة مثل السرطان، أو اضطرابات وراثية، أو حتى موت الخلايا.
إصلاح الحمض النووي
وتكمن أهمية عملية الإصلاح في أنها تعمل كخط دفاع أول لحماية الكائنات الحية من العوامل المسببة للتلف، وتساهم في الحفاظ على وظائف الأعضاء وأنسجة الجسم، كما تلعب دوراً محورياً في مقاومة الشيخوخة وتجديد الخلايا.
وتشكل أنظمة إصلاح الحمض النووي أيضاً هدفاً رئيسياً للبحوث الطبية، إذ يمكن استغلالها لتحسين علاجات السرطان عن طريق منع الخلايا السرطانية من إصلاح تلفها الوراثي، ما يجعلها أكثر حساسية للعلاجات المختلفة.
وتحتوي كل خلية في جسم الإنسان على نظام مراقبة دقيق لاكتشاف تلف الحمض النووي وإصلاحه، فعند حدوث أي تلف، ترسل الخلية إشارات داخلية لتحديد موقع الضرر، وتستدعي بروتينات متخصصة تعمل كـ"آلات إصلاح".
لكن هذه العملية يجب أن تكون منظَّمة بدقة، إذ يجب أن تصل البروتينات الصحيحة بالكميات المناسبة، وفي التوقيت المثالي.
وتستغل العديد من علاجات السرطان، مثل العلاج الكيميائي، هذه الآلية عن طريق إتلاف الحمض النووي للخلايا السرطانية لمنع تكاثرها.
تحسين أدوية علاج السرطان
وقالت المؤلفة الأولى للدراسة، جو موريس، أستاذة الوراثة الجزيئية في جامعة "برمنجهام" إن "هذه الاكتشافات تساعدنا في فهم كيفية إصلاح الخلايا للحمض النووي التالف، وبما أن العديد من علاجات السرطان تعتمد على إتلاف الحمض النووي، فإن هذه النتائج قد تؤدي إلى تحسين العلاجات الحالية، وتطوير أدوية جديدة أكثر فاعلية".
وركَّزت الدراسة الأولى على بروتين يسمى RNF168، المعروف بدوره في إرسال إشارات إصلاح الحمض النووي.
وبروتين RNF168 هو أحد البروتينات المهمة في الخلية، إذ يعمل كحارس للحمض النووي، ويقوم بدور رئيسي في حماية الخلية عند حدوث أي تلف، أو قطع في شريط الحمض النووي، فعندما يحدث ضرر للحمض النووي، يسرع هذا البروتين إلى مكان التلف، ويضع علامات تحذيرية كيميائية دقيقة على البروتينات المحيطة بالحمض النووي في تلك المنطقة، والتي تعمل مثل إشارات المرور التي توجه بروتينات الإصلاح الأخرى إلى موقع المشكلة بالضبط.