أطفال غزة الخدّج... فرص الحياة شبه معدومة
نشر بواسطة: mod1
الأربعاء 23-04-2025
 
   
العربي الجديد

تنتظر أمهات قطاع غزة احتضان مواليدهنّ، لكنّ المئات منهنّ يلدنَ قبل الموعد الطبيعي، ما يؤدي إلى موت المواليد نتيجة غياب الرعاية الصحية.

باتت فرص حياة أطفال قطاع غزة الذين يولدون قبل موعد الولادة الطبيعيّ المحدد بأربعين أسبوعاً شبه معدومة، وأصبح الموت الحتمي هو مصير هؤلاء الأطفال الذين يطلق عليهم اسم "الخدّج"، وذلك نتيجة ندرة الحضانات، وغياب الأدوية المنشطة للرئتين. ويلجأ أطباء غزة إلى خيارات قاسية تشمل وضع طفلَين في كلّ حضّانة، أو المفاضلة بين أيهما أحوج إلى العلاج، أو الأقدر على البقاء حيّاً.

وتؤدي ظروف العدوان الإسرائيلي وتكرار النزوح والاضطرابات النفسية التي يسببها الخوف والقصف المستمر، إلى زيادة معدلات الولادة المبكّرة، ومع عدم توفر أجهزة الأوكسجين، فضلاًَ عن منع إدخال الحليب الخاص بهم في ظل إغلاق المعابر، تسجل أقسام الحضانات حالات وفاة متكرّرة، وغالبيتها كان يمكن إنقاذها حال توفر رعاية مناسبة.

داخل صندوق حضانة بلاستيكي في مجمع الصحابة الطبي، تتشبث الوليدة أميرة ماضي (31 أسبوعاً) بالحياة في وضع صحي صعب، إذ كانت تعاني من صعوبة في التنفس، ويظهر على جلدها "صفار شديد"، ما اضطر عائلتها إلى إدخالها الحضانة، وبعد خمسة أيام من الرعاية المتواصلة، جرى رفع التنفس الاصطناعي، وأصبحت تتنفس طبيعياً، مع وضعها تحت الأشعة فوق البنفسجية، وقد تحسنت حالتها إذ أصبحت تستطيع الرضاعة.

يتوفر في كامل قطاع غزة 75 حضانة مقارنة بـ167 قبل الحرب

تقبع أميرة داخل واحدة من أصل 14 حضانة موجودة في كامل مدينة غزة ومناطق شمالي القطاع، تتوزع تلك الحضانات على مستشفيين فحسب، هما مستشفى الصحابة ومستشفى أصدقاء المريض، وذلك بعد تعرّض غالبية الحضانات للتدمير نتيجة قصف الاحتلال للمستشفيات الكبرى وتدميرها، وعلى رأسها مجمع الشفاء الطبي ومستشفى كمال عدوان، ما أدى إلى وفاة عشرات الأطفال الخدج خلال الأشهر الماضية.

تصدر الأجهزة المتصلة بالصناديق البلاستيكية التي تنبض داخلها قلوب الخدج إشعارات مختلفة، وتبدو علامات سوء التغذية واضحة على جميع الأطفال، يبكي بعضهم ويحركون أقدامهم وأياديهم، في حين لا يعرف أيهم سيصمد في ظل هذه الظروف العصيبة، فيما تسهر ممرضات على رعايتهم بما يتوفر من إمكانيات، وهنّ يراقبن إشارات الأجهزة، ويقمن بتغذية الأطفال، ومدهم بالأدوية والأوكسجين باستمرار.

داخل حضانة أخرى، ترقد طفلة أخرى منذ خمسة أيام، وقد ولدت بعيوب خلْقية في الرأس، إضافة إلى وجود علامات على إصابتها بمتلازمة داون، وهي تحتاج إلى الأوكسجين، ومتابعة متواصلة لمراقبة نمو الرأس. يعلق أخصائي الأطفال وحديثي الولادة، تامر التوم، قائلاً لـ"العربي الجديد": "نسبة التشوّهات الخلْقية زادت خلال فترة الحرب، وتتركز العيوب في الدماغ أو الأطراف عادة".

كان واضحاً على طفلة أخرى عمرها 36 أسبوعاً قلة الوزن، ويوضح الطبيب التوم أن "معدل الولادة الطبيعي هو 40 أسبوعاً، أو ناقص أسبوعين، وكل حالات الولادة التي تقل عن هذه الفترة تدخل ضمن فئة الأطفال الخدّج، ويلاحظ نتيجة إغلاق المعابر وسوء تغذية الحوامل انخفاض أوزان المواليد، ويزداد الأمر بين الأطفال الخدّج. يستقبل القسم يومياً ما بين أربع إلى خمس حالات، ومع قلة عدد الحضانات البالغة 10 حضانات فحسب، نقوم بوضع طفلَين في كل حضانة، وهذا يتناقض مع مبادئ العدوى والسلامة".

ويشير إلى أن أحدث حالة وفاة كانت لطفل عمره 27 أسبوعاً، وكان يحتاج إلى وضعه على جهاز التنفس الاصطناعي، لكنه توفي نتيجة نقص الإمكانيات، ويضيف: "الأجهزة المتوفرة تعمل على أسطوانات أوكسجين، لكن أجهزة التنفس الاصطناعي تحتاج إلى محطة أوكسجين لأنها قد تستهلك الاسطوانة كاملة خلال ساعتين فحسب، وكان هذا الطفل يحتاج إلى البقاء على جهاز التنفس لمدة شهرين متواصلين".

في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وصل إلى قسم الحضانات بمجمع الصحابة 114 مولوداً، من بينهم 18 طفلاً أقل من الوزن الطبيعي، و84 طفلاً يعانون من اضطرابات في الجهاز التنفسي، و16 طفلاً ولدوا قبل أوانهم، ومن بينهم حالات تعاني من التهاب الرئتين، وحالات يظهر عليها سوء التغذية، وجرى تسجيل حالتَي وفاة.

وفي شهر فبراير/ شباط الماضي، وصل إلى المجمّع 109 مواليد، من بينهم 21 حالة أقل من الوزن الطبيعي، و80 حالة تعاني من اضطراب في الجهاز التنفسي، و23 حالة مولودة قبل موعدها، وسُجلت حالتَا وفاة أيضاً. أما في شهر مارس/آذار، فارتفع عدد الحالات التي استقبلها القسم، وبلغت 183 مولوداً، من بينهم 17 أقل من الوزن الطبيعي، و123 يعانون من اضطراب في الجهاز التنفسي، و26 طفلاً ولدوا قبل أوانهم، وجرى تسجيل خمس حالات وفاة.

يقول رئيس تمريض قسم الحضانة، الحكيم حازم مقاط، إنّ "غالبية الحالات تبقى في الحضانة ما بين 5 إلى 7 أيام، وهذا يفاقم العجز نتيجة قلة الحضانات، وفي بعض الأوقات يكون الوضع كارثياً، ونضطر إلى وضع طفلَين داخل الحضانة الواحدة"، ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "خطر الموت مرتفع بالنسبة للأطفال الخدّج وحديثي الولادة، فكلما كان الطفل مولوداً قبل أوانه كان أكثر عرضة للموت".

ويلفت إلى أن "القسم لا يحتوي على جهاز تنفس صناعي، وإحدى المؤسسات جلبت جهازاً، لكن لدينا مشكلة في توفير الأوكسجين، فالجهاز يستهلك كميات كبيرة، ويحتاج إلى محطة مركزية متصلة به، والقسم استخدم الجهاز أربع مرات، وكانت النتائج مرضية، لكن تظل إمكانيات تشغيله محدودة".

ويوضح مقاط أن "85% من الحالات التي تصل إلى قسم الحضانة تعاني من اضطرابات في الجهاز التنفسي، ولدينا مشكلة كبيرة في عدم استمرار توفر الأوكسجين، وعدم توفر الأدوية المناسبة، ومنها الأدوية المنشطة للرئتين، وهي إما غير متوفرة، أو نادرة، وبالتالي نضطر إلى المفاضلة بين الأطفال أيهم أقرب إلى الحياة من غيره، وهذا أمر صعب، كما أنه مؤلم للأهالي، وكذلك للكادر الطبي".

وتعاني مستشفيات مدينة غزة وشمالي القطاع من عدم توفر الحضانات والأدوية، وندرة الحليب الخاص بالأطفال الخدّج، الذي يحتوي على سعرات حرارية مرتفعة، وهذا النوع من الحليب مفقود في كل القطاع، وإن وجد يكون باهظ الثمن، ويطالب الأطباء بفتح المعابر لإدخال الأجهزة والأدوية، وتوفير الحليب الخاص بالأطفال الرضع، والحضانات اللازمة لرعاية الأطفال حديثي الولادة.

ووفق معطيات خاصة وصلت إلى "العربي الجديد" من دائرة نظم المعلومات في وزارة الصحة، فإنه يوجد في قطاع غزة حالياً 75 حضانة، 14 منها في مدينة غزة ومناطق شمالي القطاع، والبقية تتوزع بين مجمع ناصر الطبي ومستشفى شهداء الأقصى ومستشفى العودة، بينما كانت أعداد الحضانات تبلغ قبل الحرب 167 حضانة.

وسجلت دائرة نظم المعلومات في وزارة الصحة وفاة 323 من الأطفال الخدّج خلال عام 2024، وهذا رقم مرتفع مقارنة بما كان الحال عليه قبل الحرب، حين كانت مناطق شمالي القطاع ومدينة غزة وحدها تضم 110 حضانات، لكنها الآن تقلصت بشدة بفعل تدمير الاحتلال للمستشفيات، إذ كان قسم الحضانة في مستشفى الشفاء هو الأكبر على مستوى فلسطين، وكان يضم 65 حضانة أطفال.

ويقول مدير مجمع الشفاء الطبي الطبيب محمد أبو سلمية لـ "العربي الجديد": "كنّا في مجمع الشفاء الطبي نستقبل حالات مواليد أقل من كيلوغرام واحد، وهي حالات من المستوى الرابع، وتُكتب لها الحياة بفعل الرعاية الفائقة، وكان لدينا العديد من أجهزة التنفس الاصطناعي، ووصلنا إلى مرحلة متقدمة تكاد تكون أفضل من دول مجاورة، ولم نكن نسجل وفيات إلا نادراً، بينما نسب الوفيات المسجلة حالياً مرتفعة للغاية، وفرص حياة الخدّج محدودة نتيجة النقص الحاد في سبل الرعاية".

ويوضح أبو سلمية، أنّ "الأطفال الخدّج يجب أن يبقوا داخل الحضانات كونهم يفقدون الحرارة بسرعة كبيرة، ولا يتحملون البرد أو الحرارة الشديدة، وتزاد المشكلة مع عدم وجود الأدوية اللازمة للرئتين، وغالبيتها غير متوفرة، وعدم وجود أجهزة التنفس الاصطناعي قاتل، ومثله عدم وجود الحليب الخاص الذي يمنحهم الطاقة، ما يجعلهم عرضة للالتهابات. لا يمكن أن تكون هناك أجهزة تنفس اصطناعي بلا محطة أوكسجين متصلة بها، وما يحدث في شمالي القطاع هو اجتهادات عبر تعبئة للأسطوانات من محطة وحيدة".

 
   
 



 

نقوم بارسال نشرة بريدية اخبارية اسبوعية الى بريدكم الالكتروني ، يسرنا اشتراككم بالنشرة البريدية المنوعة. سوف تطلعون على احدث المستجدات في الموقع ولن يفوتكم أي شيئ





 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced